ما هي فرص نجاح الإبراهيمي في سوريا؟ (بهجت قرني)

بهجت قرني

دبلوماسي قدير، وخبرة عربية ودولية في التعامل مع الأزمات، ولكن هل يكفي هذا في مواجهة المستنقع السوري؟ ماذا تقول لنا نظرية وتجارب الوساطة الدولية عن فرص نجاحه؟ هل سيتمكن الإبراهيمي مع بداية الشهر المقبل من وقف المجازر في سوريا وأتون الحرب الأهلية هناك؟ لم يشعر السوريون – إن في الداخل أو في الخارج- بقدوم عيد الفطر حيث حصد أول أيامه حوالي مائة قتيل ينضمون إلى ما يقرب من عشرين ألف قتيل آخرين حتى الآن، وعشرات الآلاف من المعتقلين، علاوة على ثلاثة ملايين من النازحين والمهجرين… لذلك أتفهم كغيري تردد هذا الدبلوماسي الجزائري المخضرم في قبول المهمة، تردد يعكس شخصيته. رأيته آخر مرة منذ أربع سنوات عندما قَبِل دعوتي للمشاركة في المائدة المستديرة التي اختتمت مؤتمر القمة الثاني للمرأة العربية، كان ذلك في أبوظبي في نوفمبر 2008، كان معه على نفس المنصة بعض عمالقة السياسة والفكر من عرب وأجانب، التزم بالوقت المحدد للحديث لكل مشترك ولم يعترض على أي من القواعد التي اقترحتها لإدارة هذه الجلسة والنقاش الذي أعقبها، في ذلك النقاش، كان على مستوى المسؤولية: إجابات محددة دون تنازلات، واختلاف مع بعض المتوجهات والمتوجهين بالسؤال بمنتهى الأدب. بعد ملاحظته عن كثب، ازداد إعجابي به، فهو واثق من هويته العربية، متمكن من مهنته الدبلوماسية، ضليع في حجته، خبرات تراكمت خلال عمله السياسي والدبلوماسي على مدى أكثر من خمسين عاماً.
فقد بدأ هذا العمل السياسي الدبلوماسي في مقتبل الشباب حيث كان عمره 23 عاماً، حين كان مقيماً بجاكرتا كممثل لجبهة التحرير الوطني الجزائرية في جنوب شرق آسيا في الفترة بيت عامي 1956 و1961، وهكذا بدأت اتصالاته الدولية في ذلك السن المبكر، وشعوره بأهمية العامل الخارجي وتأييده، بما في ذلك بالطبع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة. هذه الخبرة مكنته من أن يكون سفير دولة الجزائر المستقلة في موقع هام مثل القاهرة والجامعة العربية بين عامي 1963 و1970، ثم لينتقل سفيراً من القاهرة إلى لندن في الفترة من 1971 إلى1979، ثم عاد في خضم اضطرابات الجزائر بعد وفاة بومدين ليكون مستشاراً دبلوماسياً للرئيس الجديد الشاذلي بن جديد بين عامي 1982 و1984. لكن أزمات العرب استدعته إلى الجامعة العربية، وهذه المرة كأمين عام مساعد فيها، حيث عمل جاهداً على الأرض في لبنان في الفترة بين 1989 و1991 لوضع حد للحرب الأهلية، ثم يعود مرة أخرى إلى بلاده كوزير لخارجيتها (1991-1993)، لينتهي به المقام في العمل الأممي كما هو الآن تجاه الأزمة السورية. فقد تم تعيينه ممثلاً خاصاً في جنوب أفريقيا (1993-1994) للإشراف على أول انتخابات ديموقراطية بعد القضاء على النظام العنصري، والتي أفضت إلى تولي نيلسون مانديلا الحكم، ثم في هاييتي (1994-1996)، ثم مرتين في المستنقع الأفغاني (1997-1999، 2001-2004) أي الفترة التي شهدت حكم "طالبان" ثم الغزو الأميركي لأفغانستان بعد الهجوم الإرهابي بواسطة جماعة بن لادن على واشنطن ونيويورك، ليذهب أيضاً إلى المستنقع العراقي كمبعوث خاص لأمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان في عام 2004. وبين كل هذه المهام السياسية الصعبة، ترأس الإبراهيمي لجان فكر مثل تقريره المشهور في عام 2000 الذي ينتقد ضعف نظام حفظ السلام ويقترح وسائل لتطويره على المستويات السياسية والعملية والتنظيمية.
هل تكفي إذن تلك المؤهلات العملية والفكرية لنجاحه؟ عندما أعلن عنان فشله في المهمة السورية في بداية هذا الشهر، أضاف أنه قد يكون هناك مجانين مثله في العالم يقبلون التحدي. فالواقع أن المستنقع السوري يختلف عن أزمات "الربيع العربي" حتى في بلاد مثل ليبيا أو اليمن، وذلك لسيطرة العامل الخارجي، فقد قامت روسيا والصين حتى الآن باستخدام الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن لإعاقة التدخل الغربي، كما أن إيران و"حزب الله" يجاهدان بأقصى قوتهما لتفادي "ضياع الكارت السوري" الذي قد يؤدي إلى تدهور وضعهما الإقليمي، بينما لا يزال يعتقد البعض -مثل محمد حسنين هيكل- أن القضاء على النظام السوري ما هو إلا انتصار للصقور في إسرائيل وأميركا لإنشاء "شرق أوسط جديد". يتفهم الإبراهيمي سيطرة هذه التعقيدات الدولية، لذلك فهو يصر على أهمية وجود "إجماع دولي" لكي ينجح في مهمته.
لكن هناك تعقيد آخر، وهو شرذمة معسكر المعارضة بين قياداتها المختلفة، بحيث نتكلم الآن عن معارضات سياسية، لكن أيضاً إثنية وعرقية ودينية… كل هذه المعارضات تُضعف من وجود البديل لنظام الأسد، بل تُعظِّم من المخاطر التي تحيق بالدولة السورية نفسها حتى بعد سقوط النظام.
تقول لنا نظرية وتجارب الوساطات الدولية، إن من أهم عوامل نجاحها هو حالة الإنهاك التي يمر بها المتحاربون أنفسهم ووصولهم إلى طريق مسدود، عسكرياً واقتصادياً وحتى سياسياً. في السابق كنا نعد الشهداء في سوريا، أما الآن فإننا نعد المذابح، دون الوصول إلى حسم من أي جانب، حتى مع انشقاقات النظام على أعلى مستوى… لكن استمرار حالة النزيف والإجهاد هذه قد تكون أكبر مساعد على نجاح الإبراهيمي بجنسيته الجزائرية، وتراثه الفكري وخبرته السياسية إن شاء الله!

صحيفة الإتحاد الاماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى