ما هي فُرص نجاح جُهود ترامب لتحقيق المُصالحة الخليجيّة؟
أعاد الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب الأزَمَة الخليجيّة إلى الحياة عندما أعلن عن بذله الكثير من الجُهود لحل مسألة إغلاق السعوديّة والإمارات والبحرين لأجوائها في وجه الطّيران القطريّ لأنّ استِمرار هذا الإغلاق يَصُب في مصلحة إيران ويَدُر عليها الكثير من الأموال، ولكنّه لم يَكشِف عن طبيعة هذه الجُهود، وعمّا إذا كانت قد حقّقت أيّ نجاح في هذا المِضمار.
الأزَمَة الخليجيّة التي انفجرت قبل ثلاث سنوات، وتدخل اليوم عامها الرابع، ما زالت تُراوِح مكانها، ولم يَحدُث أيّ اختراق جدّي لها، واختفت من العناوين الرئيسيّة لوسائل الإعلام باستثناء بعض الحملات الإعلاميّة، وبذاءات الجُيوش الإلكترونيّة التي تظهر بين الحِين والآخَر.
أربع دول تُقاطِع دولة قطر مُنذ بدء الأزَمَة، ثلاث منها خليجيّة (السعوديّة والإمارات والبحرين) والرّابعة مِصر، وتقول قطر إنّها تجاوزت “الحِصار” وباتت أقوى من أيّ وقتٍ آخر، واستطاعت أن تُحقِّق الاكتِفاء الذّاتي صناعيًّا وزراعيًّا وغذائيًّا، وأن تبني تحالفات استراتيجيّة مع إيران وتركيا عِوَضًا عن الدول الخليجيّة التي تفرض المُقاطعة، حتى أنّها فكّرت (قطر) بالانسِحاب من مجلس التّعاون الخليجي على غِرار ما فعلت بانسِحابها مِن منظّمة الدّول المُصدِّرة للنّفط “أوبك”، ولكنّ ضُغوطًا وتدخّلات كويتيّة وعُمانيّة نجحت في إقناعها بعدم الإقدام على هذه الخطوة.
مصادر خليجيّة أكّدت لـ”رأي اليوم” أنّ أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد يبدو أكثر مُرونةً هذه الأيّام تُجاه تحقيق المُصالحة وكسر عُزلة بلاده الخليجيّة، وانعكست هذه المُرونة في إرساله رئيس الوزراء الشيخ عبد الله بن ناصر للمُشاركة في قمم مكّة الثّلاث في أيّار (مايو) عام 2019، وكان أعلى مسؤول قطري يزور المملكة التي تقود المُقاطَعة لبلاده، رغم أنّ صيغة الدعوة لم تكن ملائمة، وعزّز هذه الخطوة بإرسال وزير الخارجيّة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في زيارةٍ سريّةٍ إلى الرياض لفتح حِوارٍ مع القِيادة السعوديّة لإصلاح العُلاقات بين البلدين، وكادت هذه الخطوة أن تنجح لولا انزِعاج الإمارات ومِصر من هذا “الانفِراد” السّعودي، وهو الانزِعاج الذي انعكس في زيارةٍ مُفاجئةٍ للرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي لأبو ظبي أواخِر العام الماضي، كانت رسالةً غير مُباشرة للسّلطات السعوديّة، تعزّزت ببعض الانتِقادات (للسعوديّة) في وسائل إعلام مِصريّة في حينها.
قطر تريد مُصالحة “ثنائيّة” مع السعوديّة بعيدًا عن الإمارات ومِصر، مثلما قالت المصادر نفسها، وكادت أن تنجح لولا الغضب المِصري الإماراتي، ولهذا أعلن وزير الخارجيّة القطري يوم 15 شباط (فبراير) الماضي عدم نجاح الجُهود لحل الأزَمَة الخليجيّة وجرى تعليقها، وخرجت “الجزيرة” عن هُدنتها وعادت الأُمور إلى مسيرتها الأُولى.
نجاح أيّ مُبادرة لإصلاح ذات البين من قبل الرئيس الأمريكي بين قطر وخُصومها، يحتاج أوّلًا إلى استِعداد الدوحة للتّجاوب مع الشّروط الـ13، أو بعضها، التي اشترطها هؤلاء لعودة العلاقات وإنهاء المُقاطعة وعلى رأسها إغلاق قناة “الجزيرة” ومنابر إعلاميّة قطريّة أُخرى، وفك الارتباط مع “المُعارضات” الخليجيّة، والسعوديّة والإماراتيّة تحديدًا، وتسليم من لجَأ إلى الدّوحة من رُموزها، وقطع كُل الدّعم عن حركة “الإخوان المسلمين” ومنابرها الإعلاميّة في تركيا وأوروبا.
السّلطات القطريّة تعتبر هذه المطالب، مُنفردةً، أو مُجتمعةً، انتِهاكًا لسيادتها الوطنيّة، خاصّةً إغلاق قناة “الجزيرة” مِدفعيّتها الثّقيلة، ولهذا فإنّ السّؤال الأبرز المطروح هو عمّا إذا كان الرئيس ترامب قد تلقّى استِعدادًا قطريًّا بالقُبول ببعض هذه المطالب، وبِما يُرضي السعوديّة والإمارات، ويُخفِّف تشدّدهما في مسألة المُصالحة؟
مسؤول خليجي قريب من ملف الأزمة وجهود حلها، وكان في زيارة إلى لندن قبل أزمة الكورونا، قال إنّ دولة قطر تسعى للمُصالحة هذه الأيّام، مع اقتِراب تنظيمها لنهائيّات كأس العالم عام 2022، وإنهاء الحظر الجوّي السعودي والإماراتي والمِصري المفروض على طائِراتها ومُقاطعة شركات طيران خليجيّة كُبرى لمطاراتها، ولهذا باتت أقل تشدُّدًا، ومستعدة لتقديم تنازلات، من بينها وقف الحملات الإعلاميّة التي تُعتَبر قناة “الجزيرة” رأس حربتها، ولكن دون القُبول بشرط إغلاقها بأيّ شكلٍ من الأشكال، وأضاف هذا المسؤول: “إغلاق لا.. ترويض نعم”.
الشيخ صباح الخالد الصباح، رئيس وزراء الكويت، قال إنّ الجُهود الكويتيّة لتحقيق المُصالحة عادت مُجدَّدًا، ونجحت حتّى الآن في “تبريد” الأزَمَة ووقف الحملات الإعلاميّة، وإنّ هذه العودة تتم بالتّنسيق مع الإدارة الأمريكيّة.
الرئيس ترامب الذي يقف على حافّة مُواجهة عسكريّة مع إيران يُريد المُصالحة الخليجيّة لحشد دول مجلس التّعاون السّت إلى جانبه، أيّ أنّ جُهوده تنطلق من مصلحةٍ أمريكيّةٍ بحتةٍ، فهل تنجح جُهوده هذه المرّة؟ والسّؤال الأهم هل تتخلّى قطر عن تحالفها مع إيران وتركيا، الدّولتين اللّتين أنقذاها في بداية الأزَمَة مِن خلال فتح الأجواء والجُسور البريّة الجويّة لتلبية احتِياجاتها الضروريّة؟
الإجابة على هذه الأسئلة هي التي ستُحَدِّد فُرص نجاح أو فشل مُبادرة الرئيس ترامب الجديدة، وإنهاء القطيعة بين قطر وخُصومها، وما علينا إلا الانتظار.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية