مذكرات نصر حامد أبو زيد كما أملاها في منفاه

«صوت من المنفى… تأملات في الإسلام» (منشورات الكتب خان، القاهرة ) سيرة ذاتية للمفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد سجلتها معه إستر نيلسون في ثلاثة عشر فصلاً، وترجمتها نهى هندي.

«سأساعدك على رواية حكايتك»؛ هكذا تكتب إستر نيلسون؛ أستاذ الدراسات الدينية في جامعة فيرجينيا كومنولث، مشيرة إلى أن أكثر ما جذبها إلى شخصية نصر حامد أبو زيد، هو «حديثه الدافئ والعاطفي والمتعاطف والكريم، وهي صفات تعكس طبيعة رجل ولد ليكون معلّماً».

قابلت إستر نيلسون المفكر الراحل للمرة الأولى من أجل محاورات هذا الكتاب في العام 2002 في مقهى أسفل محطة قطار لايدن، واتفقت معه على أن يكتبا معاً كتاباً لا يركز فحسب على الأحداث التي أدت إلى نفيه، بل أيضاً يوضّح المسار الحياتي الذي صاحبه في رحلته البحثية، وكيف توصّل إلى هذه الرؤية المختلفة عن الشائع في تفسير القرآن. وتطمح نيلسون من هذا الكتاب -كما تقول في التقديم له- إلى توضيح فكرة أن الإسلام يعبّر عن نفسه في أشكال وأنماط عدة، «فلا يوجد إسلام واحد»، وأن الحوار بين المسلمين وغير المسلمين حول أنماط التعبير المختلفة للإسلام تلك هو «عامل أساسي في تشجيع التفاهم داخل الإسلام وخارجه».

يحكي الكتاب -بصيغة المتكلم- عن أبو زيد منذ مولده ونشأته في قرية قحافة، في شمال مصر، ثم انتقاله إلى العاصمة المصرية وحكايات دراسته وعمله، ثم أزمة نفيه إلى هولندا بعد أن نبذته جامعة القاهرة وأصبح متهماً بالردة ومحكوماً عليه بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس. أجمل ما يميز هذا الكتاب أنه لا يلتزم بترتيب جاف منطقي ومؤرخ للأحداث، وإنما يتركك لتتبع استرسال نصر في صياغة حكايته والوقوف على أكثر المشاهد والذكريات إنسانية وعاطفية. الترجمة كانت متقنة إلى الحد الذي يموه معه الفرق بين صوت المؤلفة وصوت نصـــر والتعبيرات التي اختارتها المترجمة لتنقل إلينا الكلام بالعربية. ويبدو واضحاً أن الكتاب في أصله الإنكليزي كتب أيضاً بالطلاقة نفسها، بحيث تعمّدت المؤلفة أن تترك صوت نصر أبو زيد واضحاً ومرتفعاً، والأهم «رائقاً»، على الأقل ليكون مناسباً للعنوان «صوت من المنفى».

كتب الناشر في التعريف بالكتاب، أن نصر أبو زيد لم يرد أن تضم كتبه مجموعة من النظريات الجامدة التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وركّز دوما على تطبيق قواعد التفكير النقدي والبحث العلمي في مجال الدراسات الإسلامية التي أدمنت لقرون عدة سبيل «الوعظ والخطابة». رحل نصر أبو زيد في غفلة من العالم الإسلامي وقبل أن تقوم قيامة ثورات الربيع العربي، ولكن يبدو أنه لم يتغير شيء، ما زالت الظروف العربية في حاجة إلى قضية تجديد الخطاب الديني الذي دفع أبو زيد من حريته وحياته في بلده ثمناً لها ولم يغير خطابه إلى آخر يوم في حياته. يكتب الناشر: «لم يكن الخلاف الذي أثير بقضية أبو زيد في جوهره دينياً، بقدر ما كان سياسياً، خطاب نصر كان واضحاً وصريحاً، فأربك معاصريه ودفعهم لتحويل القضية إلى مسارات جانبية، لتختفي أفكاره وراء مانشيتات الصحف».

يمكن اعتبار هذا الكتاب محاولة جديدة لإحياء صوت نصر أبو زيد الذي يختفي بين الحين والآخر، ليس لضعفه ولكن لتخاذل التلاميذ. في آخر الكتاب عبّر نصر حامد أبو زيد عن تفاؤله بمستقبل أفضل، والأمل قائم من وجهة نظره على تبني قيم الحرية والديموقراطية بيننا وبين من نعتبرهم أعداءنا، شرط «التخلص من الجاهلية والطاعة العمياء لأصوات القدامى». فمن جهة؛ على دول الغرب الديموقراطية «ترتيب البيت من الداخل»، وفهم أن الإسلام ليس من يمنع المسلمين من قبول الديموقراطية، إنما هو تيار ديني وسياسي سائد طبع الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي على ممارسة «حداثة من دون عقلانية»، ومن جهة أخرى على المسلمين التركيز على «إنشاء مجتمعات عادلة قائمة على إعادة تقديم الخطاب الديني والسياسي في الحياة اليومية».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى