مريم القحطاني تكتب ‘عن الحب والعزلة’
صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، المجموعة القصصية الأولى للقاصَّة اليمنية، المُقيمة في أميركا مريم القحطاني، حملت عنوان “عن الحب والعزلة”.
واختارت الكاتبة أن تكونَ جلُّ عناوين قصصها بأسماء نساء يمنيات “عرفتهُنَّ شموسٌ وعرفنَ الظلمَة”، كما جاء في إهداء الكتاب، وهوَ من تلك الكتب التي حينَ نقرأها نتذكَّرُ أسئلتنا العالقة دائماً، حول حالِ المرأة في زمن الحرب، عن الحب الضائع، والعزلة مترامية الأطراف.
لا عمَل للمسافة في هذا الكتاب، فمريم القحطاني التي تُقيمُ بعيداً عن وطنها، تكتبُ بذاتٍ لم تُغادر يمَنَها، ويَمَنَ الكثيرات ممَّن جاءت أسماؤهنَّ كعتباتٍ لقصص المجموعة الإحدى عشرة، من هديَّة التي تعيشُ في ذاكرةِ حاملِ رسالةٍ تخبرُ بموتِ ابنها، وهي الميِّتة منذ سنواتٍ بعيدة. إلى نورِّية التي ضيَّعت بوصلة الحبِّ واكتفت بمسايرة قدرها المحتوم، مروراً بخديجة التي رمتها عزلتها لتكون شاهدة على تزويج فتاة صغيرة، وصولاً إلى جميلة التي ربَّت حقداً دفيناً تجاه ظُلم الرجال، وليس انتهاءً بمارلين إعصارُ الشقاوة والبراءة.
تكتبُ القحطاني قصصها بعدسةٍ خاصَّةٍ ترصدُ تلك التفاصيل التي كثيراً ما يُخفيها الزَّمن، وتتكدَّس فوقَها طبقاتٌ من الغبار، في وطنٍ يشي بجبروته وقسوةِ الحياةِ بين جنباته، حينَ تكونُ المرأة في قلب الأحداثِ العاصفة، مقاومةً لتصاريف القدر، مرتبكةً، تائهةً، وصاحبة موقف في آن واحد.
في خضم التحوُّلات التي تمرُّ بها البلاد، تنبتُ الحكاياتُ في ترابٍ حارٍّ وتجدُ بطلاتُ القصص وأبطالُها، أنفسهن/م في مواجهةٍ ضارية مع قسوة الأيام التي لم تعد أقلَّ فتكاً بالناس. “إنَّها الحرب والمجاعةُ وأولاد الحرام الذين اجتمعوا على هذا المكان”، وما يلي ذلك من عواقب جسدية ومعنوية ونفسية دائمة. إنَّنا هنا بصددِ أدبٍ يبتعدُ عن التمثيلات الفنيَّة ورقَّةِ الخيال، إنَّما يحتكمُ إلى جرأةٍ في تحليل الواقع دون الوقوع في فخاخه، ودون مهادنةٍ تُضعفُ من قوَّة المشاعر، أو تُخفي مرونةَ الروح البشرية.
في مجموعتها القصصية هذهِ، تستعينُ مريم القحطاني بلغةٍ تمكِّن قارئها من تفادي الاستسلام للحقائق الصادمة، لهجة عامية وجُمل قصيرة لاذعة وسخرية تتجاوزُ الحزن، لتكتبَ الهامشَ والظلَّ والموت والحب والعزلة والبقاء. مزيجٌ أدبيٌّ واقعيٌّ سيظلُّ ماثلاً عبر صفحات الكتاب كتذكيرٍ صارخ بآثار الحرب المدمِّرة، وغياب الحرِّية، وما يجعلُ الإنسان يعيشُ بالحد الأدنى لمتطلبات الحياة.
بسردٍ مرئيٍّ وذاكرةٍ تحفرُ طريقها إلى صنعاء وإلى كلِّ شبرٍ من اليمن السعيد، بآلامه ولعناتهِ، كما بأحلامهِ وأفراحه الصغيرة، تخبرنا مريم أنَّ العالم لم يتخلَّ يوماً عن أذاه، ومع ذلك “ترى الناس يبتسمون. ابتسامات منزوعة من أعماق الوجع”.
“عن الحب والعزلة” مجموعة قصصية أولى للكاتبة اليمينة مريم القحطاني، صدرت في 80 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة “براءات”، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
ومريم القحطاني، كاتبة يمنية من مواليد صنعاء. هاجرت إلى الولايات المتحدة في التسعينيات مع عائلتها. أسست موقع قنبوس لحفظ التراث، وتكتب القصة القصيرة منذ سن مبكرة، ولها مقالات وقصص منشورة في الصحف العربية.
وتكتب القحطاني القصة باللغتين العربية والإنكليزية، وهي حاصلة على بكالوريوس في علم النفس العام من جامعة كابيلا في ولاية مينيسوتا وتعمل حالياً معيدة ومرشحة ماجستير في استشارات الصحة العقلية السريرية في جامعة نورث وسترن، وتعيش بالقرب من واشطن العاصمة.
من الكتاب:
إنَّ الأسى لا يعني إلَّا أنكَ توقَّفتَ عن الانشغال بنفسكَ، ووقفت موقف المتفرِّج تُراقب حظوظ الآخرين. السعيد يصيبُكَ بالتعاسة لأنه أسعد منكَ، والتعيس يصيبكَ بالتعاسة لأنه أتعس منكَ. معرفة الفارق أصل المأساة. هذا ما تعلَّمتُهُ وأنا أشاهد نُوْرِيَّة. عندما تزوَّجتْ وهي ابنة أربعة عشر ربيعاً بقايد ابن القاضي الذي يتربَّع على نصف أملاك الناس وأعناقهم، تعدَّدت أسباب حسدنا وغَيْرَتنا منها، ولم يعد وجهها المضيء ولا شَعْرها الكستنائي الطويل وقامتها الفتية كلّ ما نحسدها عليه. لا. لقد أصبحت زوجة رجل تُحبُّه النساء لحُسْنه ودَمَاثته، ويحبُّ نُوْرِيَّة بلا سبب. بل إنه لم يكن يحبُّ أحداً أكثر منها، حتَّى أُمّه التي ظننَّا أنها قد عقدتْهُ وعَقَرَتْهُ بحُبِّها له، استطاعت نُوْرِيَّة بنظرة منها في إحدى الجِرب، في يوم من أيَّام الحصاد، أن تُخلِّصه من سطوة أُمِّه وتصطاده وتأسره وتجعل من نفسها شمساً يدور في فَلَكِهَا كما لو أنه خُلِقَ هكذا.