مسرحية السيرك الأوسط، أضرّها الاقتباس، وساعدها الممثلون على النجاح !
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
دبّتْ الحياة فجأةً بأروقة سينما (راميتا)!
لا يوجد حياة في أروقة السينما السورية كلها، لنكن واضحين في ذلك، فاتصلت برجل الأعمال الأستاذ عبد القادر الزوزو، وهو صديق الدراسة، لأستفسر عن هذا النشاط لأن السينما ملك لأخيه، فأجابني بأن ثمة نشاطاً مسرحياً فعلاً.
كانت سينما راميتا قبل أقل من عام في دائرة الانتقاد حيث وردت شكاوى إلى الصحافة عن تحويل صالتها إلى مطعم للشواء، وبطبيعة الحال، هذا يدل على عطالة في مكان أنشئ أصلا ليكون فاعلا في الحياة الثقافية ، فهذا خبر طيب أن تعود صالة من الصالات لدورها.
كان النشاط المسرحي الذي قصده الأستاذ الزوزو هو مسرحية “السيرك الأوسط” التي قام بإخراجها غزوان قهوجي في أول نشاط لفرقة فضا للفنون المسرحية المتوقفة منذ عام 2014 ، والتي عادت من خلال مسرحية “السيرك الأوسط”.
تابعتُ هذا المستجد المسرحي، ثم حضرتُ العرض الأخير قبل الانتقال إلى المحافظات، وقد وجدت أن من الضروري الكتابة عنه من جوانب متعددة، فهو بحد ذاته يفرض هذا النوع من الكتابة نظرا لما أثاره من موضوعات .
عندما عقدت الفرقة مؤتمرها الصحفي عشية انطلاق المسرحية، جرى الحديث عنها كمسرحية “كوميدية سياسية تتناول الإنسان عموماً والفنان خصوصاً وكيف اختلطت مفاهيمه خلال السبع العجاف” وفي التدقيق في التصريحات التي أطلقت نسجل الملاحظات التالية :
هناك رغبة في إعادة الحياة للنشاط المسرحي .
التنويه إلى مسرح يتوجه للعائلة بكل احترام .
البحث عن دعم من القطاع الخاص .
اتكأ المخرج على كتابات الشاعر الراحل محمد الماغوط من خلال نص (المهرج) وكتابات صحفية أخرى، ونص المهرج إذا ما أردنا الاقتباس منه هو نص إشكالي قد يساعد على النجاح وقد يوصلنا إلى عرض بات يفسح المجال للاتهام بالتقليد ..
أخذ منه المسرح العربي ومسرح الهواة، وأفكاره موجودة في كثير من أعمال الماغوط التي جسدها الفنان دريد لحام على الخشبة وأمام الشاشة، وإذا كان في وقته نصا مفتوحا على الأحداث و بالقدرة على التحديث وحمل الجديد من الأفكار، وخاصة ما يتعلق بالمفارقة الكبرى: (ضياع فلسطين).. فإن الواقع الحالي قدم لنا مستجدات أكثر مأساوية في بلدان عربية أخرى..
باختصار، لم يتمكن اقتباس النص من تقديم خصوصية رؤيته المسرحية للفضاء العربي في واقعه السياسي، حتى ف لعبة (المهرج ) نفسها ، إذ أن مسرحية (المهرج) رغم أهميتها الفائقة في وقتها ، ما كانت لتكون كما هي لو أن الماغوط يكتبها الآن ، فالاقتباس هنا خلق في ذاكرة الحضور تشابها دائما مع مسرح دريد والماغوط، أي وضعه في حالة منافسة لا إرادية تظلم السرك الأوسط حكما .
وهذا يعني أن اقتباس مسرحية المهرج قلل من التميز الذي أبرزه طاقم العمل بحيوية وصدق عاليين من خلال العرض الذي شاهدناه !
على صعيد البطولة المسرحية، ورغم تصدر الفنان الكبير محمد خير الجراح والممثلان النجمان أريج خضور والليث مفتي للشخصيات الرئيسية، فإن أداء الآخرين، أي: رائد مشرف- داوود شامي- زهير بقاعي- باسل الرفاعي- محمد أيتوني- سمير شماط- محمد سويد- ربى طعمة والطفل الطارق قهوجي، لم يكن عاديا، وكشف عن إمكانات مهمة وطاقات تمثيلية قديرة في الوسط المسرحي الجديد الذي يسعى للنهوض..
على الخشبة اشتغل هؤلاء بحرفية وصدق كبيرين ، ورغم أن الجراح والمفتي كانا العنصرين البارزين في حركة وإيقاع الممثلين على الخشبة مع أريج خضور، فإن أداء بعض الممثلين الآخرين تجرأ على أداء النجوم ونافسه أحيانا مما جعل الإيقاع على الخشبة نوعيا رغم الملاحظات على النص..
وهناك هفوات كان يمكن تجاوزها في الإخراج، فبقاء المهرج وصقر قريش على الخشبة في مسافة زمنية دون تناغم مع الحوار والحركة الأخرى حنطهما فترة طويلة اربكت الفنان الجراح للبحث عن حركات تعويضية لكي لايخرج من الخشبة ، أو يبدو وجوده نافلا عليها، واضطر الفنان المفتي للبقاء في القفص دون حراك مساحة موازية من الوقت، ونتذكر هنا كيف تغلب مخرج (شاهد ماشافش حاجة) على حالة شبيهة أثناء المحكمة فابتكر فقرة شرب المرطبات لعادل إمام التي أضفت جوا جميلا على المسرحية ولم تربكه وهو يقف بالانتظار..
ومع ذلك ، لم ينتبه الجمهور لأن أداء الممثلين الآخرين الناجح غطى هذه الفجوة وجعلها تبدو أقل خطرا مما هي بالفعل فيما لو كانت حركة الممثلين الآخرين عادية على الخشبة!
وهناك تفاوت في العروض الراقصة التعبيرية بن عرض وآخر، وفي توظيف هذه العروض، وربما حصل ذلك نتيجة كثرة عددها، وتداخلها مع مشاهد لاتستحق هذه النقلة بين التمثيل والرقص ..
بقيت نقطة مهمة تعيدنا إلى المؤتمر الصحفي، فإذا كانت الأهداف تتعلق بالرغبة في إعادة الحياة للنشاط المسرحي ، فإن هذا كان واضحا، وإذا كان البحث عن دعم من القطاع الخاص قد تحقق، فإن التنويه إلى مسرح يتوجه للعائلة بكل احترام هو هدف تم خرقه بالاتكاء على مفارقات الكلمات النابية خاصة مع وجود أسر بكاملها جاءت لتشاهد عرضا مسرحيا جميلا يليق بالأسرة وإسعاد أفرادها.