1- : وقع رامي كوسا في الفخ ، وكشف أيمن زيدان أنه فشلاوي
تابعتٌ مسلسلَ العميل في نسخته العربية ، وقد انشغل به جمهور واسع من المشاهدين، رغم عدد حلقاته الذي تجاوز السبعين عند كتابة هذا النص. وكنتُ أسعى من وراء متابعتي إلى التعرف على السبب الذي تنجح فيه المسلسلات التركية بعد إعادة إنتاجها باللغة العربية، في وقت تتراجع فيه المسلسلات السورية أمام وهج تلك المسلسلات. والأولى أي التركية تتكئ على نجومنا ومواهب الفن السوري الجديدة.
بسرعة يمكن اكتشاف السر، أي أنه يكمنُ في (الإنتاج)، لكن هذا السر لا علاقة له بالنقد الدرامي المتعلق بالنص، فالعامل الإنتاجي يؤسس لأعمال ضخمة تكبل الجمهور خلف جاذبية فنانيها والتشويق العالي في أحداثها ، ويجعل الكثيرين يغضون الطرف عن المآخذ الكبرى على هذا المنتج أو ذاك، وأهم تلك المآخذ جدلية (المضمون والمعنى).
أنا أعرف الكاتب رامي كوسا من كتاباته ، وأنا معجب بها، إلى الدرجة التي عرضتُ عليه هاتفيا أعلى أجر لمقال نقدي في موقع (هاشتاغ سيريا) الذي كنت رئيسا للتحرير فيه، فاعتذر بلطافة واحترام، ولم يجعلني ذلك الاعتذار المقنع وقتها أن أكفّ عن متابعته ، فهو كاتب يعرف جيداً ماذا يكتب، ويعرف الرسالة التي تحملها مشاريعه الكتابية، ويمتلك من الجرأة ما يجعله في مكانة محترمة أمام زحمة القص واللصق الدارجة هذه الأيام ، والأسئلة السخيفة التي تطرح على الفنانين والمثقفين والكتاب ، وعندما قرأتُ اسمه في تيترات المسلسل ، أحسست بالمسؤولية تجاهه ، فهل انخرط رامي في اللعبة ووقع في الفخ، أو ربما أغرته الموارد الكبيرة التي تأتي من مثل هذه الأعمال..
ومع متابعتي لعشرات الحلقات سأضطر أن أشهد له بالمهارة في كتابة السيناريو، وهو لايحتاج إليها هنا، وأعتب عليه في التورط بمضمون استهلاكي يسعى لإضاعة الوقت تحت وقع الفعل التأثيري لأجواء المافيا والقتل والأمن النموذجي الذي يبحث عن دليل جرمي في سياق طويل طويل يمكن لمخفر في حي شعبي سوري أن ينتهي بعدة أيام (!!) .
وعلى هذا الصعيد أدعوه إلى الالتزام بالمسودة التعاقدية التي ترافقه أينما ذهب، كما قال في أحد لقاءاته ، ففي العقد شروط واضحة “ومن يريد العمل معي عليه الموافقة عليها، ومن لا تروق له هذه المحددات، يمكنه التعاقد مع كاتب آخر قد يكون أكثر ليونة في الدفاع عن حقوقه” وأطلب منه إضافة شرط جديد إلى هذه اللائحة التعاقدية يتعلق برسالة كاتب الدراما ، أي التدقيق في المعنى وعدم الالتفات إلى الحقوق المالية فقط.
نحن خسرنا من (رامي كوسا) في هذا المسلسل عقله القادر على إبداع نص سوري أو حتى عربي يبحث عنه المشاهد، كما حصل في مسلسل (النار بالنار) رغم المشاكل التي قرأناها عنه. نحن بحاجة إلى رامي بهويته التي نعرفها، ولانريد أن يٌسرق من بين أيدينا تحت إغراء الإنتاج الضخم الفارغ من المعنى والمضمون الذي نحتاجه، وأنا هنا لا أقصد أبداً البروباغندا التي يلجأ إليها الكثيرون تحت حجة الالتزام .
ومع ذلك، لايمكن لقارئ أو متابع لسيناريو مسلسل العميل ، إلا أن يعترف بالمهارات الواضحة لكاتبه، حتى لو استنسخ عن أصل تركي، فهو في هذا المجال كاتب سيناريو من الدرجة الأولى .
الفنان الكبير أيمن زيدان ، بنى على الفرصة السانحة له كفنان سوري في العمل التركي، وهو لم يكن يحتاجها أصلا، لأن العروض كثيرة عليه ، ومع ذلك ، نجح في تقديم نفسه في (لعبة التمثيل) من دون أي مهادنة، فقدم شخصية رجل المافيا بذكاء ليس جديداً عليه يتعلق بالحركات والتعابير والتعامل مع الكاميرا عبر مئات المشاهد التي يفترض أنها يمكن أن تنهك مقدراته وتجعله يقع في التكرار لتشابه الحالات التي تقدمها المشاهد، لكنه لم يفعل ذلك في مسلسل (بيت جدي) ، كرر نفسه في مشاهد كثيرة .
في مسلسل (العميل) أدى شخصية رجل المافيا لأنه نموذج سيحُسب عليه، وهو الذي قدم عشرات الشخصيات بتميّز، فأعطى مساحة كبيرة من خبرته وثقافته للدور فأقنع المشاهد برجل مافيا لايحمل ملامح (الجزار) بل يمارس حياته بشكل طبيعي ، ويتصرف وفقا للموقف الذي تحتاجه الشخصية في الدور، فهو لحام ماهر، ومتذوق يجعلك تشتهي (المشاوي)، وهو أب حنون يمكن أن يضحي بحياته في لحظة ما، وهو سفاح عندما يخونه رجاله، وهو ماكر عندما يتصارع مع خصومه، وهو واع عندما يواجه الأمن، وهذه التفاصيل متعبة في بناء الشخصية أمام الكاميرا .
كشفت حركاته أنه (فشلاوي) ، وأنا لا أمزح هنا، ويمكن لأي مدقق في أعماله السابقة كشفها، لكن هنا تحولت هذه الميزة الجسدية عنده إلى أداة تعبير، وربما كان ذلك عفويا ، لكنه أعطت ملمحا لشخصية يلعبها بحنكة.
كان يمكن أن تحسب هذه الخطوة على الفنان أيمن زيدان بأنها مغامرة أمام أدوار سيلعبها ممثلون (قد) يتفوقون عليه، بحكم جاذبية أدوارهم ، وتعاطف الجمهور معها ( الفنان سامر اسماعيل مثلا) ، وسأحاول الوقوف عند أدوارهم ونجاحهم . لكن قناعته بأن دور رئيس عصابة المافيا هو دور نموذجي، وليس دورا نمطيا، جعل المجازفة تتراجع، فتفوق حتى على أبطال المسلسل الآخرين .
يتبع.. (2)
بوابة الشرق الأوسط الجديدة