اقتصاد

مشروع مصري واعد لتصدير الغاز إلى لبنان عبر سوريا

قرار الولايات المتحدة رفع القيود المفروضة مؤقتا على سوريا بموجب قانون ‘قيصر’ يمهد الطريق لإحياء شراكات اقتصادية بين الدول في الشرق الأوسط.

 

في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة، تستعد مصر لإطلاق مشروع توريد الغاز الطبيعي إلى لبنان عبر الأراضي السورية، بعد أن رفعت الولايات المتحدة مؤقتاً القيود المفروضة بموجب قانون “قيصر”، وهو ما يمهد الطريق لإحياء شراكات اقتصادية بين دول المشرق العربي.

ووفق مصادر رسمية مصرية، من المقرر أن يبدأ ضخ الغاز قبل نهاية عام 2025 بكميات تصل إلى نحو 650 مليون متر مكعب سنوياً، يتم نقلها عبر خط الغاز العربي الممتد من مصر مروراً بالأردن وسوريا وصولاً إلى الأراضي اللبنانية. الخط الذي تعطل تشغيله لسنوات بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، يُتوقع أن يصبح شرياناً حيوياً لتأمين احتياجات لبنان من الطاقة، خاصة في ظل أزمة كهرباء حادة تشهد انقطاعات متكررة في معظم ساعات اليوم.

وكانت القاهرة وبيروت قد وقعتا في عام 2022 اتفاقاً لتزويد لبنان بالغاز المصري، لكن تنفيذ الاتفاق واجه عراقيل كبيرة بسبب العقوبات الأميركية على دمشق، التي أدت إلى تردد المستثمرين والشركات الخاصة عن التعاون مع الحكومة السورية. ومع القرار الأخير للكونغرس الأميركي بتعليق تطبيق العقوبات المتعلقة بمشاريع الطاقة الإقليمية، عادت الآمال لإحياء الاتفاقية الثلاثية بين مصر وسوريا ولبنان، ما دفع الدول المعنية لعقد سلسلة اجتماعات فنية لتحديث الترتيبات المالية والتقنية الخاصة بخط النقل.

ويرى خبراء الطاقة أن الكميات المقررة للتصدير قد لا تبدو ضخمة من حيث الحجم، لكنها تحمل بعداً استراتيجياً مهماً، إذ تفتح الباب أمام مشاريع أوسع في مجال الربط الكهربائي وتبادل الطاقة بين دول المنطقة. ومن المتوقع أن يسهم المشروع في تعزيز القدرات التشغيلية لمحطات الكهرباء اللبنانية بتكاليف أقل، وتحسين ساعات التغذية الكهربائية للمواطنين الذين يعانون من أزمة مستمرة منذ سنوات.

وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية مصرية لإعادة لعب دور محوري في أمن الطاقة بالمنطقة، واستثمار موقعها الجغرافي كحلقة وصل بين دول المشرق العربي. وبالنسبة للبنان، يمثل الغاز المصري بارقة أمل لإنعاش قطاع الكهرباء المتدهور، خصوصاً مع محدودية قدرة الدولة على تمويل استيراد الوقود التقليدي لمحطاتها.

ومن منظور دولي، أعلن الأسبوع الماضي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية دعم إدارة واشنطن لتعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر” في مشاريع الطاقة الإقليمية، ما يعكس تحولاً استراتيجياً في السياسة الأميركية تجاه مرحلة ما بعد نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن تعليق العقوبات يهدف إلى تمكين الدول العربية من تنفيذ مشروعات حيوية دون الإضرار بالمواطنين السوريين أو استقرار المنطقة.

ويذكر أن الكونغرس الأميركي كان قد أقر قانون “قيصر” في 11 ديسمبر/كانون الاول 2019، كأداة لمعاقبة المسؤولين في النظام السوري على جرائم حرب ارتكبوها بحق المدنيين خلال الصراع السوري. إلا أن استمرار تطبيق القانون بعد تغيّر الظروف السياسية أثّر على الاقتصاد السوري، إذ فرض قيوداً صارمة على أي تعاملات مع البلاد في قطاعات الطاقة والبناء والطيران والمصارف، مما أعاق الاستثمارات الأجنبية والمحلية وساهم في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي للشعب السوري.

ويعكس مشروع الغاز المصري للبنان عبر سوريا تحولاً في المنطقة، إذ يجمع بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدول الثلاث، ويعيد ترتيب أولويات التعاون العربي في مجالات الطاقة، في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات. ويؤكد الخبراء أن نجاح المشروع قد يشكل نموذجاً للتعاون الإقليمي، ويتيح فرصاً لاحقة للربط الكهربائي وتبادل الطاقة بين مصر ولبنان وسوريا وربما دول الجوار، ما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويساهم في تخفيف معاناة المواطنين.

وفي هذا السياق، يمثل المشروع خطوة ملموسة نحو تفعيل الآليات العربية المشتركة في الطاقة، مع الاستفادة من القرارات الدولية المرنة، مثل تعليق العقوبات الأميركية المؤقت على سوريا، بما يخدم مصالح الدول الثلاث ويحقق أهداف التنمية المستدامة في قطاع الطاقة. ومن المنتظر أن يتابع المستثمرون والمراقبون تنفيذ المشروع عن كثب، باعتباره اختباراً حقيقياً لقدرة المنطقة على تجاوز التحديات السياسية والأمنية وتحويلها إلى فرص للتعاون والتنمية.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى