«مصائر» فلسطينية تحصد «بوكر» العربية
هذه المرّة، ذهبت الجائزة إلى فلسطين. ومع أنّ التصنيف الجغرافي غير جائز في مثل هذا المقام، يبقى فوز الروائي ربعي المدهون بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) 2016 عن «مصائر: كونشيرتو الهولوكوست والنكبة» هو فوز لفلسطين، مكاناً ورمزاً وشخوصاً وذاكرةً… فالرواية كتبها فلسطيني مقيم في لندن، وهي تروي مصائر فلسطينيين ظلّوا في أرضهم التي غدت أشبه بمحرقة عام 1948، فضلاً عن أنها صادرة عن دار نشر فلسطينية («مكتبة كلّ شيء») في حيفا، بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
جاء الإعلان عن فوز «مصائر» في دورتها التاسعة يوم أمس -عشية انطلاق معرض أبو ظبي للكتاب- خلال حفلة كبيرة أقيمت في فندق «فيرمونت- أبوظبي»، بحضور الكتّاب الستّة الذين وصلت رواياتهم الى اللائحة القصيرة، وهم المصري محمد ربيع «عطارد» (الآداب)، المغربي طارق بكاري «نوميديا» (التنوير)، اللبناني جورج يرق «حارس الموتى» (منشورات ضفاف)، السورية شهلا العجيلي «السماء قريبة من بيتنا» (منشورات ضفاف والاختلاف)، الفلسطيني محمود شقير «مديح نساء العائلة» (نوفل- أنطوان)، والفائز الذي أجمع أعضاء اللجنة التحكيمية على روايته، وهم: الأكاديمية والناقدة أمينة ذيبان (رئيسةً)، الناقد المصري سيد محمود، الناقد المغربي محمد مشبال، الشاعر والناقد اللبناني عبده وازن، المستشرق البوسني منير موتيش.
خلال الاحتفال، ألقى رئيس مجلس الأمناء ياسر سليمان كلمةً تحدّث فيها عن أهمية الجائزة ومكانتها على الساحة الثقافية العربية، ثم ألقت رئيسة اللجنة أمينة ذيبان كلمةً اختزلت فيها مراحل عمل لجنة التحكيم الطويلة قبل أن تستقر على واحدة من بين 159 رواية. ومما جاء في كلمتها:
«ليست قرارات التحكيم في اختيار النص الفائز وروايات القائمة الطويلة والقصيرة مجانية، وإنما جاءت وفق قرارات حافلة ومناقشات امتدت على مدى شهور ورسائل تواصل وقوائم مستمرة ولقاءات، أو لنقل مشاورات واختلافات واتفاقات، ولكنها دائماً تخضع للوقار والاحترام وفق آراء متبادلة ومدروسة، والحكم للأهم». وأضافت: «الروايات الفائزة تشيد بالحدث المرئي على امتداد البعدين العربي والعالمي، وهي شكلاً متطورة وذات مضامين تناهض الظلم وتطرح قضايا الساعة والمرحلة. ولا يبدأ التنوير هنا من الفكرة وإنما يمتد إلى العرض والتنويع والتناص والتقنية الحديثة والبناء النوعي والثورة الداخليه والترميز والقدرة والتتابع والتنوع النفسي والإنساني». ثم شكرت في كلمتها الكتاب المبدعين والناشرين، واللجنة المتخصصة بتضمين هذا النشاط السنوي، والأمناء، إضافة إلى هيئة السياحة والثقافة والمنسق العام للجائزة.
يأتي فوز «مصائر» لربعي المدهون بعد فوز «الطلياني» للتونسي شكري المبخوت العام الفائت، وقبلها روايات «ساق البامبو» للكويتي سعود السنعوسي، و«فرانكشتاين في بغداد» للعراقي أحمد السعداوي، و «دروز بلغراد» لربيع جابر، و«ترمي بشرر» للسعودي عبده خال، و«طوق الحمام» للسعودية رجاء العالم مناصفةً مع الروائي المغربي محمد الأشعري عن روايته «القوس والفراشة»، و«عزازيل» و«واحة الغروب» للمصريين يوسف زيدان وبهاء طاهر.
والمعروف أنّ جائزة البوكر العربية تحظى باهتمام الروائيين العرب على اختلاف أجيالهم وأمزجتهم، أضف إلى أنها تشغل الصحافة العربية من خلال سجالات تُحدثها سنوياً. أمّا الفائز، فيحصد جائزة مادية قيمتها ستون ألف دولار، إضافة إلى ترجمة الرواية الفائزة إلى اللغة الإنكليزية وارتفاع نسبة مبيعاتها بشكل هائل.
واللافت في روايات القائمة القصيرة لهذا العام، أنها تحاكي الواقع الراهن بعنفه وقسوته وتقلباته، ففي حين أنّ «حارس الموتى» تستعيد أجواء الحرب الأهلية اللبنانية بدمويتها من خلال شخصية «عابر»، الذي يشارك في الحرب كميليشيوي صغير قبل أن يغدو حارس ثلاجات الموتى، تطرح شهلا العجيلي تداعيات الواقع السوري عبر شخصية جُمان التي تنتقل من وطنها إلى عمّان لتكتشف أنها مصابة بالسرطان وتصير بمرضها مرآة للوجع السوري المستمرّ. وتنطلق «عطارد» لمحمد ربيع، من تعقيدات الثورة المصرية لتصل بالقارئ إلى مستقبل سوداوي يستشفه الكاتب، بيد أنّ طارق البكاري يعود إلى قضية الهوية الأمازيغية أمام تحديات الراهن. ويصوّر محمود شقير في روايته تحولات عشيرة فلسطينية في طور التمدّن لتصير هذه العائلة نموذجاً للحكاية الفلسطينية في تقلباتها. أمّا «مصائر»، فتحكي حقيقة المأساة الفلسطينية عبر شخصيات فلسطينية بقيت داخل «الخطّ الأخضر» لتعيش معنى النكبة بعد انفصامها بين حلم العودة والجنسية الإسرائيلية التي فُرضت عليها بالقوة. واستخدم المدهون إيقاعات «الكونشيرتو» أو ما يُعرف بالحركات الموسيقية، بموازاة تحرّك الشخصيات وقصصها.
ربعي المدهون، كاتب فلسطيني ولد في مدينة المجدل- عسقلان، في جنوب فلسطين عام 1945. هاجرت عائلته خلال النكبة عام 1948 إلى خان يونس في قطاع عزة. تلقّى تعليمه الجامعي في القاهرة والإسكندرية، لكنه أُبعد عن مصر عام 1970 (قبل التخرّج) بسبب نشاطه السياسي. عمل محرراً وكاتباً في صحف ومجلات، منها «الحرية»، «الأفق»، «صوت البلاد»، «القدس العربي»، «الحياة»، «مركز الأبحاث الفلسطيني»، وجريدة «الشرق الأوسط»، التي ما زال يعمل فيها محرراً. من مؤلّفاته «السيدة من تل أبيب» (رواية، 2009)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2010، و «مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة» (رواية، 2015). ترجم أليوت كولا رواية «السيدة من بل أبيب» إلى الإنجليزية وصدرت عن تيليغرام بوكس، وفازت الترجمة الإنجليزية بجائزة بان البريطانية للكتب المترجمة.
صحيفة الحياة اللندنية