مصر اليوم… غداً (مصطفى اللباد)

 

مصطفى اللباد

سقطت سلطة الدكتور مرسي بالمعنى الاستراتيجي منذ أمس، بعد تحقق شروطها الواردة في مقالنا السابق («السفير» 24 يونيو/حزيران 2013 بعنوان: الطريق إلى 30 يونيو!). تحققت شروط العدد بالملايين، والانتشار الجغرافي وتبلور القيادة السياسية. الراجح أن الملايين من المصريين المنتشرين في طول مصر وعرضها جعلوا سلطة الدكتور مرسي حطاماً؛ وبالتالي تقف مصر الآن على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها الطويل، وتنفتح فيها السيناريوهات على عدة احتمالات، كما تحمل ثورة مصر تداعيات على التركيبة السياسية – الأيديولوجية للمنطقة ومعانيَ كثيرة من المهم التنبه إليها.

تحقق الوعد

فترة زمنية قليلة نسبياً تفصــلنا عن إزاحة الدكتور محمد مرسي وأهله وعشيرته من سدة الحكم، بعد أن عاثوا فيها فساداً، فلم يراعوا للدم المصري حرمة أو للمواطن المصري كرامة. اليوم تحمي جماهير المصريين دولتهم العريقة، فتعلم جماعة «الإخوان المسلمين» التفريق الواضح بين السلطة والدولة. يمكن أن تكون السلطة محل تنافس ونزاع، ولكــن الدولة المصــرية العريــقة ليــست وجهة نظر أو محلاً للمساومة. يعرف المصريون أن الدولة المصرية هي التي تعصمهم من الانحدار في مهاوي الحرب الأهلية – لا قدر الله – كما يعلمون أن الدولة المصرية بمؤسساتها هي الضامن لبقاء هذا الشعب على أرضه منذ آلاف السنين. الدولة المصرية أكبر من أي تيار سياسي أو جماعة، وهي عصية على السيطرة أو التمكين. تحولت الدولة المصرية في سنة حكم الدكتور مرسي إلى حالة من التفتت لم تبلغها في تاريخها الحديث، وهو أمر يعتقد أي مصري أنه خط أحمر لا يجوز تخطيه. وبالرغم من حالة الزخم الواضحة والسائدة في ميادين مصر، يجب التحذير من الاحتفال بالنصر مبكراً.
الكرة في ملعب الدكتور مرسي وجماعته، هل يعلن انتخابات رئاسية مبكرة فيتعلم من خطيئة مبارك، أم يماطل ويراق الدم فيحاكم بعدها كما يحاكم مبارك؟ سؤال كبير برسم الدكتور مرسي والأيام المقبلة. كما أن التيارات المتطرفة والإرهابية التي تتحالف معها الجماعة لن تسلم بسهولة لإرادة الشعب، بل ستحاول تعطيل مساره حفاظاً على مصالحها، ولكن بالمقابل يبدو وجود تنظيم الجماعة على المحك في حال إراقة الدم وليس مقعد الرئاسة فقط.
أي الاحتمالين سيتحقق؟ وإن كانت سلطة الدكتور محمد مرسي في كليهما.

تداعيات «30 يونيو» الإقليمية والدولية

لا يخص سقوط حكم الدكتور محمد مرسي شخصه فقط، ولا جماعته فحسب، وإنما ستكون له جملة من التداعيات الإقليمية والدولية. سيعني انتصار الثورة المصرية في مرحلتها الثانية اقتلاعاً لحكم «الإخوان المسلمين» وكامل المنظومة الدولية ـ الإقليمية التي أوصلتهم إلى سدة الحكم، وساندتهم لعام كامل. سيعني سقوط حكم الدكتور محمد مرسي سقوطاً لمشروع الشرق الأوسط الأميركي الكبير، الذي أعده جورج دبليو بوش وأراد باراك أوباما أن يعيد إحياءه بكثير من الدهاء، وباستخدام «الربيع العربي» كحصان طروادة لتحقيقه. تظهر انتفاضة المصريين لاستعادة ثورتهم أكذوبة صورة أميركا المهيمنة على العالم والمسيطرة على مقدراته، فهي وإن امتلكت ارتباطات مؤسسية في مصر، إلا أنها لا تستطيع التحكم في ملايين المصريين وهم يغيرون التوازنات على الأرض. لا أميركا ولا مراكز أبحاثها ولا متخصصوها.
الذين صدعونا بكتاباتهم حول قوة «الإخوان المسلمين» وشعبيتهم وانعدام البديل لهم، يستطيعون امتلاك عقل مصر ووجدانها. ولا تركيا ولا «سلطانها» يستطيعان التلطي الزائف وراء شعارات الانفتاح على القوى السياسية المختلفة في مصر، وهما يتحالفان مع حكم الجماعة ويقدمان لها النصائح والإرشادات، خدمة للتمكين وللمصالح الأميركية ومشروع الشرق الأوسط الكبير. ولا قطر، التي توهمت في غفلة من الزمان أنها تستطيع قيادة العمل العربي، وتثبيت حكم «الإخوان المسلمين» بفوائضها المالية وقناتها الفضائية و«قرضاويها» و«مفكرها الكبير».

إعادة قطر إلى حجمها

مصر اليوم تنتصر لقطر عبر إعادتها إلى حجمها الطبيعي، وعبر تخليصها من أوهام القيادة والزعامة المعاكسة لمنطق الجغرافيا والتاريخ.
مصر اليوم تحبط تقسيم المنطقة على أساس طائفي سني ـ شيعي، وتعود إلى طبيعتها التي خلقت لها وجبلت عليها: منارة الحرية والتقدم لكل شعوب المنطقة بكل أديانها وطوائفها ومذاهبها. بيّض «الإخوان المسلمون» وجه مبارك ونظامه، فدبروا الاجتماعات والاحتفالات النابضة بالطائفية المقيتة، وأعادوا تعريف مصالح مصر الوطنية على قياس الجماعة وتحالفاتها الإقليمية، فحاولوا توريط مصر في صراع طائفي مقيت، لا يناسب مصر ولا حجمها أو وزنها ومهمتها التاريخية. وتحالفت الجماعة مع إرهابيين، التوصيف بحكم محكمة وليس من عندي، قتلوا أرواح المصريين وغيرهم في الثمانينيات والتسعينيات، فضربوا عرض الحائط بمصالح مصر الوطنية وقطعوا علاقاتهم مع سوريا في احتفال طائفي مقيت، فحرموا مصر من إطلالتها المشرقية والآسيوية ومنعوها من أن تصبح جزءاً من الحل في أزمة هذا البلد العربي الكبير والشقيق.
الانتصار للشعب السوري العظيم، لا يعني التحالف مع «جبهة النصرة» وفرع جماعتهم هناك، وإنما مع حقه في الحرية والكرامة، ومع قواه الوطنية والديموقراطية. مصر اليوم تنفتح على شقيقاتها العربيات بدون استثناء، وتنهي احتكار الدوحة للبعد العربي في سياسة مصر الخارجية.
مصر اليوم تجدد ثورتها وأملها في مستقبل أفضل لأجيالها القادمة، ولا عزاء لخصوم شعبها وحقه الثابت في تقرير مصيره وحكامه. شباب مصر يستعيدون «الربيع العربي» من سارقيه، ويحررون مستقبلهم من ظلمات الرجعية الحليقة منها والملتحية. مصر اليوم تعطي الأمل من جديد لكل الشعوب العربية في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية!

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى