مصر على موعد قريب مع ثورة في قطاع الطاقة
قال محمد سعد العضو المنتدب للشركة المصرية لتكرير البترول التابعة لمجموعة القلعة إحدى أكبر شركات الاستثمار في مصر، إن شركته ستبدأ التشغيل التجريبي لمشروع التكرير العملاق في شمال القاهرة بنهاية 2016 تمهيدا لبدء الإنتاج الفعلي في الربع الأول من 2017.
وتقترب المصرية لتكرير البترول من الانتهاء من تشييد معمل التكرير المتطور لمنتجات الوقود في منطقة مسطرد بشمال القاهرة على مساحة 330 ألف متر مربع بتكلفة استثمارية تبلغ 3.7 مليار دولار، فيما ينتظر أن ينتج المعمل أكثر من أربعة ملايين طن سنويا من المواد البترولية.
وتعلق القلعة آمالا كبيرة على هذا المشروع في انعاشها بالأرباح بعد عدة سنوات من تكبد خسائر. وتتوقع القلعة أن يحقق المشروع ما يقرب من 700 مليون دولار أرباح تشغيلية قبل خصم الضرائب والفوائد والاهلاك خلال عامه الأول من التشغيل.
وخلال جولة للصحفيين في موقع المعمل الأربعاء، قال سعد “انتهينا حتى الآن من 80 بالمئة من أعمال الانشاءات وسننتهي من كامل الأعمال في نوفمبر/تشرين الثاني على أن نبدأ بعدها التشغيل التجريبي ثم الإنتاج الفعلي في الربع الأول من 2017.” وبدأ العمل في المشروع عام 2014 من خلال شركة ميتسوي آند كو اليابانية وجي.اس للهندسة وهي شركة كورية جنوبية.
وقال سعد الحاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية من جامعة القاهرة عام 1995، إن التكلفة الاستثمارية للمشروع تبلغ “3.7 مليار دولار منها 1.134 مليار دولار رأسمال الشركة من خلال المساهمين الرئيسيين والباقي قروض من مؤسسات التمويل الدولية وسيتم سدادها خلال 17 سنة.” ومن أكبر المساهمين في المشروع شركة القلعة بحصة تقارب 19 بالمئة حاليا. كما تملك الهيئة العامة للبترول وقطر للبترول وعدد من المستثمرين المصريين والخليجيين وبعض مؤسسات التمويل الدولية حصصا في المصرية لتكرير البترول. ومصر بها تسعة معامل لتكرير النفط أكبرها مصفاة ميدور، لكن مع بدء تشغيل المصرية لتكرير البترول ستصبح أكبر معمل لتكرير النفط في مصر والأكثر تطورا بين مصافي البلاد.
وأضاف سعد أن جميع منتجات شركته سيتم توفيرها “للسوق المحلي من خلال الهيئة العامة للبترول. لدينا عقد معهم لمدة 25 عاما. سنحتاج سنويا إلى أكثر من 4 ملايين طن من المازوت الخام والهيئة ستوفر لنا نحو 3 ملايين طن سنويا بالسعر العالمي وإذا حصلنا على أكثر من تلك الكمية سنحصل على تخفيض 2 بالمئة عن السعر العالمي.” وأوضح أن الهيئة ستشتري كل منتجات معمل التكرير بالسعر العالمي باستثناء السولار الذي ستحصل عليه بسعر أقل بنحو 1 بالمئة عن السعر العالمي.
وتابع “نتفاوض الآن مع شل وصحاري النيجيرية لاستيراد الخام الذي نحتاج إليه إلى جانب ما يتم توفيره من القاهرة للبترول (3 ملايين طن سنويا).” وستنتج الشركة سنويا 2.3 مليون طن سولار و800 ألف طن بنزين عالي الأوكتين و60 ألف طن من الجيت (وقود الطائرات) بالإضافة إلى كميات لم يحددها سعد من البوتجاز والكبريت وفحم الكوك. وقال سعد “إنتاج المعمل سيغطي 50 بالمئة من عجز مصر من السولار وسنغطي كامل ما تستورده مصر حاليا من وقود الطائرات. منتجات المعمل ستوفر على هيئة البترول 300 مليون دولار سنويا مقابل تكلفة الشحن والتأمين عند استيراد بعض المنتجات البترولية.”
ويشهد المشروع من حين لآخر اتهامات بتلويث البيئة من قبل الصحافة المحلية، لكن سعد قال “معمل المصرية لتكرير البترول يجري إنشاؤه وفق أحدث المعايير العالمية من حيث الإنشاء والبيئة والسلامة. تمت الموافقة البيئية على المشروع بناء على دراسات أجرتها جامعات القاهرة وعين شمس والاسكندرية في مصر ومن قبل شركة وورلي بارسونز الاسترالية”. واضاف “ستكون لدينا محطة معالجة لمياه الصرف ثلاثية المراحل متوافقة مع أعلى المعايير العالمية إلى جانب استخلاص ثاني أكسيد الكبريت وتحويله إلى كبريت صلب بدلا من انبعاثه في الهواء.”
جهود مثمرة
وتدشن مصر بسلسلة مشاريع تنقيب عن النفط والغاز، ثورة في قطاع الطاقة أثمرت في جانب منها في اغسطس/اب 2015 عن كشف غازي عملاق قبالة السواحل المصرية تقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعبة، وهي تكفي لتلبية الاحتياجات المصرية لعقود قادمة، فضلا عن فائض كبير للتصدير.
وأجرت القاهرة حزمة اصلاحات اقتصادية وسددت معظم مستحقات شركات النفط الأجنبية، ضمن جهود تطوير قطاع الطاقة وتلبية احتياجات السوق المحلية للغاز. وفي هذا سياق تطمح شركة بي.بي البريطانية إلى مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي في مصر في الأعوام الأربعة المقبلة رغم أسعار النفط الضعيفة حيث تعطي سوق الطاقة المزدهرة هناك بارقة أمل لاقتصاد البلاد الذي يعاني من المشاكل.
وتعمل مصر على زيادة إنتاج النفط والغاز حيث توقع اتفاقات للتنقيب وتعيد التفاوض على أسعار الإنتاج وتضغط على الشركات لتسريع المشاريع في الوقت الذي تقلص فيه الشركات أعمالها في أنحاء العالم. ومن خلال مشاريع مشتركة مع إيني والحكومة المصرية تنتج بي.بي حاليا 10 بالمئة من إنتاج النفط المصري و30 بالمئة من إنتاج الغاز. وتقول الشركة إنها لا تنوي التراجع عن تعهدها بتسريع الإنتاج في الاكتشافات الحديثة.
وقال هشام مكاوي الرئيس الإقليمي لشركة بي.بي شمال افريقيا “خطة بي.بي هي مضاعفة إنتاجنا من الغاز في مصر قبل نهاية العقد الحالي.” وتنتج بي.بي حاليا نحو 1.4 إلى 1.5 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا في مصر. وتأتي خططها التوسعية في وقت تسجل فيه أسعار النفط الخام أدنى مستوياتها في 12 عاما. وفي الأسبوع الماضي أعلنت الشركة خفض قوة العمل العالمية لديها بنسبة 5 بالمئة أي بما يصل إلى أربعة آلاف وظيفة.
وفي مصر أبقت اكتشافات ضخمة مثل حقل الغاز ‘ظهر’ الذي اكتشفته إيني بالبحر المتوسط في أغسطس/آب على اهتمام الشركات بالاحتفاظ بمواقع قوية في المنطقة التي من المعتقد أنها ما زالت تحوي مكامن هائلة غير مستغلة. وقال مكاوي “يعطي هذا حافزا كبيرا للاعبين الحاضرين هنا وربما لغيرهم ممن يدرسون الاستثمار في مصر للقيام بالمزيد، إنه يثبت ما آمنت به بي.بي لسنوات عديدة وهو أن دلتا النيل حوض غاز من المستوى العالمي.” وأضاف أن حصة الأسد من الإنتاج الإضافي الذي ستضخه بي.بي في السنوات القليلة المقبلة ستأتي من مشروع غرب دلتا النيل الذي من المتوقع أن يصل إلى حوالي 1.2 مليار قدم مكعبة يوميا بدءا من 2017. وقال إن حقل الغاز آتول الذي اكتشفته بي.بي بشرق دلتا النيل في مارس/آذار 2015 قد يضخ 250 مليون قدم مكعبة يوميا بحلول أواخر 2017.
وقال عن الحقل “إنه مثال جيد جدا على السرعة التي نمضي بها وعلى نجاح شراكتنا مع مصر. حققنا كشفا وبناء على ثقتنا في مصر قررنا المضي قدما بسرعة.” وقد تساعد جهود بي.بي مصر على سد عجز الطاقة في ظل تنامي الاستهلاك وتراجع الإنتاج.
وأجبرت الأزمة أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان على سحب مبالغ كبيرة من احتياطيات النقد الأجنبي الشحيحة لمواصلة إمداد المنازل والمصانع بالطاقة. وكان وزير البترول قال في الفترة الأخيرة، إن مصر ستنفق ما يقدر بثمانية مليارات دولار على واردات الطاقة في السنة المالية الحالية. لكن رغم التفاؤل العام بشأن مستقبل مصر في مجال الطاقة أقر مكاوي بأن قرارات الاستثمار تصدر بحذر شديد نظرا لتدني سعر النفط. وقال “السيولة مسألة شديدة الصعوبة حاليا وعلى الجميع أن يتأكدوا من أن كل دولار ينفق في موضعه.” وأحجم عن إعطاء رقم للاستثمارات المتوقعة هذا العام.
وأعلنت مصر حديثا عن مزايدة عالمية لنحو 11 رقعة للتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط ودلتا النيل من المقرر طرحها في النصف الثاني من السنة المالية 2015-2016. وقال مكاوي “طرح جولة عطاءات جديدة مهم جدا للإبقاء على مشاريع الامتيازات متاحة في السوق. وتابع “حتى في ظل أسعار النفط المنخفضة ينظر الناس إلى مصر بطريقة مختلفة وإيجابية.”
ويرى مكاوي أن نمو قطاع الطاقة المصري سيبلغ أوجه بتحول البلد إلى مركز إقليمي لإعادة تصدير الغاز عن طريق الربط بقبرص وتركيا وإسرائيل وآخرين وتوقع أن يحدث ذلك خلال ثلاث سنوات. وقال إن مصر تملك “كل العوامل الأساسية: البنية التحتية والمرافق والموقع لاستخدامها لتزويد السوق المحلية الضخمة وللتصدير.”
ولدى بي.بي اتفاق لتشغيل محطة للغاز الطبيعي المسال في دمياط بالساحل الشمالي لمصر، لكن المحطة التي تسمح بإعادة تصدير الغاز المسال متوقفة منذ ثلاث سنوات بعد أن أوقفت القاهرة صادراتها.
ويعتقد مكاوي أن الاكتشافات الجديدة في المستقبل ستعيد فتح محطة دمياط وتسمح بعودة الصادرات المصرية. وقال “مازال هناك الكثير من الغاز الذي لم يكتشف بعد بمصر في البحر المتوسط.”
ميدل ايست أونلاين