مصر والغاز للاردن… دولة أم حزب؟ (خيرالله خيرالله)

 
 خيرالله خيرالله
 
 
يبدو الموقف المصري الجديد – القديم من الاردن مستغرباً. ربّما لا يعود الامر كذلك بمجرّد العودة الى التاريخ القريب والطريقة الفوقية التي تعاملت بها مصر مع الاردن طوال السنوات الستين، تقريبا، التي امتدّ خلالها حكم العسكر، اي بين 1952 و2011. اي من ايّام جمال عبدالناصر وصولا الى عهد حسني مبارك مرورا بأنور السادات. ما نشاهده اليوم، بالعين المجرّدة، اقرب الى استكمال مسيرة حكم العسكر ولكن بوجوه مختلفة تماما. تقدّم هذه لوجوه مصالح التنظيم العالمي للاخوان المسلمين على كلّ ما عدا ذلك… خصوصا مصالح مصر كدولة كبيرة من دول المنطقة يفترض بها احترام الاتفاقات الموقعة من جهة ودعم الدول العربية الشقيقة من جهة اخرى.
كان ثمّة امل في حصول تحوّل نحو الافضل في العلاقات العربية – العربية، خصوصا بين القاهرة وعمّان، بعد "ثورة 25 يناير" 2011 التي عرف الاخوان المسلمون كيف الاستفادة منها الى ابعد حدود، أقلّه حتى الآن، لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث.
على العكس من ذلك، أتجه الحكم الجديد الى ممارسة ضغوطات مباشرة على الاردن عن طريق الامتناع، لاسباب لا تزال مجهولة أو قد تكون معروفة اكثر من اللزوم، عن التزام اتفاق واضح بين الجانبين يتضمّن استمرار تزويد المملكة بكميات محددة من الغاز في مقابل سعر يزيد باكثر من ضعفين عن السعر السابق. لا بدّ من الاشارة هنا، الى أنّ القاهرة طالبت، بعد "الثورة" باتفاق جديد يرتكز أول ما يرتكز على الاسعار العالمية للغاز.
لبت الاردن الطلب المصري في وقت كان خط انابيب الغاز في سيناء يتعرّض لتفجير، تلته تفجيرات اخرى بلغ مجموعها الى الآن، خمسة عشر. رفعت مصر بموجب الاتفاق الجديد الاسعار من دولارين وخمسة عشر سنتا الى خمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية… لكنّها لم تلب الى اليوم ما هو مطلوب منها. في النهاية لم تحصل الاردن سوى على نسبة 16 في المئة من كميات الغاز المطلوبة. وقد تذرّع الجانب المصري بالتفجيرات احيانا والصيانة وزيادة الطلب المحلي على الغاز في احيان اخرى. حصلت كل هذه المماطلة فيما الغاز المصري يتدفق على اسرائيل بشكل طبيعي. هذا لا يعني أنّه كان مطلوبا قطع الغاز عن اسرائيل، بمقدار ما يعني لماذا معاملة الاردن بطريقة مختلفة؟
من الواضح ان الغاز يستخدم ورقة سياسية للضغط على الاردن من اجل زيادة أزمته الاقتصادية عمقا. بلغة الارقام، كانت الاردن تحتاج الى مئة الف برميل من النفط يوميا، فاصبحت تستهلك حاليا نحو مئة وسبعين الف برميل وذلك في ضوء الحاجة الى تشغيل معامل الكهرباء التي كانت قبل ذلك تعمل بواسطة الغاز المصري. ورتب ذلك نحو ملياري دولار اضافية تتحملها الحكومة الاردنية التي عليها دعم اسعار المحروقات والكهرباء وبعض المواد الغذائية الاساسية، على رأسها الخبز لجميع المقيمين في المملكة. وبين هؤلاء ما يزيد على مليون مصري يستفيدون مثلهم مثل اي مواطن اردني من اي دعم حكومي في اي مجال من المجالات.
منْ يستفيد من تعميق الازمة الاقتصادية في الاردن؟ هل من سبب آخر للضغوط المصرية غير المبررة غير تأكيد ان من يحكم مصر هم الاخوان المسلمون وأن واجب الاخوان المصريين توفير كلّ انواع الدعم للاخوان في الاردن، حتى لو كان ذلك على حساب الشعب الاردني والمصريين المقيمين في الاردن؟
بدأ الاعلام الاردني أخيرا يتناول قضية الغاز المصري بعدما طفح الكيل وبعدما ترتبت على الحكومة الاردنية اعباء كبيرة لا تستطيع تحملّها.
في بداية ايام العسكر، ايّام عبدالناصر، كانت الضغوط على الاردن سياسية وقادت في نهاية المطاف الى اتخاذ قرار خاطئ بالمشاركة في حرب 1967 ادى الى خسارة الضفة الغربية والقدس الشرقية. ورّطت مصر الاردن في حرب خاسرة سلفا بعدما راح عبدالناصر يزايد على الملك حسين، رحمه الله ويتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية للاردن. بلغت المزايدات التي لجأ اليها عبدالناصر حدّ تخوين العاهل الاردني الراحل وتوجيه الانتقادات الشخصية البذيئة اليه.
لم يدرك الزعيم المصري الراحل ما فعله الاّ بعدما أخذ العرب الى هزيمة نكراء. تعهّد عبدالناصر للملك حسين بعد الحرب، واثر تلاوته فعل الندامة، بانه لن يقبل باستعادة سيناء قبل الضفة الغربية والقدس… لكن وفاته في العام 1970 حالت دون أن يحاول حتى الوفاء بوعده.
تنكّر انور السادات للعهد الذي قطعه عبدالناصر واستعاد سيناء مع الغاز والنفط وشرم الشيخ وبقيت الضفة الغربية محتلة!
أما حسني مبارك، فكان همّه محصورا في جانب منه، على الرغم من اتباعه سياسة خارجية عقلانية احيانا، في كيفية قطع الطريق على اي دور اردني على الصعيد الاقليمي. كان الرئيس المصري السابق الذي اطاحته "ثورة 25 يناير" يمتلك حساسية مفرطة تجاه الاردن وكان يتصرّف بطريقة توحي أنه مرجعية للاردن وذلك على الرغم من الدور الاساسي الذي لعبه الملك حسين في اعادة مصر الى الصف العربي ابتداء من السنة 1985. وقتذاك تفرّدت الاردن، بين العرب، في اعادة العلاقات مع مصر ولعبت دورا محوريا في اعادة لم الشمل في قمة عمان التي انعقدت في العام 1987.

استطاعت الاردن بفضل الملك عبدالله ومؤسسات الدولة اوّلا تجاوز ما يسمّى "الربيع العربي". هذا لا يعني تجاوز الازمة الاقتصادية المستفحلة التي تعتبر فاتورة الغاز والوقود الاخرى جزءا لا يتجزّأ منها.
تتجه الاردن الى انتخابات نيابية مطلع السنة المقبلة وذلك بعدما قرّر الاردنيون الخروج عن صمتهم وتسجيل نفسهم في القوائم الانتخابية. ما نشاهده في الاردن الآن هو تراجع للاخوان المسلمين الذين قرروا مقاطعة الانتخابات، فخذلهم الشعب. هل يأخذ الحكم في مصر علما بذلك… ام يختار الانحياز الى الاخوان في الاردن، أي الى اولئك الذين وفّر لهم الملك حسين ملجأ امينا في ظروف أقلّ ما يمكن ان توصف به أنها صعبة. وكان بين الذين لجأوا الى الاردن بعض الاخوان المصريين الذين تعرّضوا للاضطهاد في عهد عبد الناصر.
في النهاية، تبدو مصر، من خلال تعاطيها مع الاردن، بين خيارين. أما أن تتصرف كدولة تحترم توقيعها والاتفاقات التي تتوصل اليها…او تعتبر نفسها جزءا من تنظيم حزبي معروف جيّدا أنه لا يستطيع ادارة دولة.
في ضوء ازمة الغاز مع الاردن يصح السؤال: هل مصر دولة أم حزب عقائدي يضع مصالحه وارتباطاته فوق مصالح مصر والمصريين والعلاقات بين الدول العربية؟

صحيفة الرأي الكويتية

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى