“معركة” المعمارية السورية مروة الصابوني لإعادة بناء حمص
لم تترك المعمارية الشابة، مروة الصابوني، مدينتها حمص حتى في أحلك الظروف وأشد أوقات الحرب دموية في سوريا. ولا تعتبر الصابوني بقاءها مع عائلتها في حمص خلال الحرب بطولة. تقول: “هناك أشخاص نزل البيت فوقهم واضطروا للخروج من بيوتهم. نحن الحمد لله لم نجبر أن نخرج”. وتضيف أن هناك العديد من البنايات المجاورة التي تهدمت.
من هذا البقاء الذي لم يكن سهلاً، نشأت فكرة كتابها الأول “المعركة من أجل وطن: مذكرات مهندسة معمارية سورية” الذي صدر في الأسبوع الماضي باللغة الانجليزية في لندن عن دار النشر البريطانية “تايمز آند هودسن”.
تحتاج الكتابة الى توفر الظروف المناسبة، لكن تكاد تكون مستحيلة في حمص في ظل انقطاع الكهرباء المستمر ودوي قذائف الهاون. تقول الصابوني: “أحياناً كنت أرسل بريدا الكترونيا للناشر وأسمع صوت وقوع قذيفة بالقرب من بنايتي وأشعر أن كل شيء يرتجف، أتوقف لبضع دقائق، أنتظر وبعدها أعود للكتابة”.
تروي الصابوني في كتابها قصصا عن تاريخ ودمار مدينتها المنهكة وتربطها بقصص شخصية عن عائلتها وأصدقائها من خلال نظرتها ليس فقط كمعمارية، ولكن أيضاً كزوجة وأم لطفلين تحاول أن تحميهما من تأثير الحرب.
وتطرح الصابوني في الكتاب العديد من الأسئلة مع ملاحظاتها عن الواقع. كيف للسوريين أن يتعافوا بعد كابوس الحرب؟ تقول في كتابها: “السؤال الذي يحير أي معماري يحاول أن يفعل شيئاً: أين نبدأ؟ كيف نشفى؟ كيف نتجنب الوقوع في فخ حلقة مفرغة من خيارات سيئة؟ كيف نحترم الحقوق؟ كيف نبتعد عن الانقسامات؟ كيف نلحم الأجزاء المحطمة؟ ما الذي نحتفظ به وما الذي نتركه؟”. وتضيف: “أفكر بهذه الأسئلة وأنا أنظر إلى بقايا هذه المدينة مع جروحها المفتوحة ولا زلت أرى على وجوه سكانها الكراهية وتبادل اللوم“.
كتابها مليء بالتواضع أمام سكان حمص الآخرين الذين فقدوا كل شيء. تتطلع الصابوني إلى المستقبل وإلى مرحلة ما بعد الدمار، فلديها قناعة بأن على المعماريين مسؤولية لبناء أوطان ومدن وأحياء أفضل “تقرب الناس من بعضها” وكتابها يعطي قليلاً من الأمل.
وتضيف في كتابها: “إذا كان هناك شيء نستطيع تعلمه من هذه الحرب التي لا معنى لها، فهو أن الحلول يجب أن تأتي من داخلنا… وفي عملية الشفاء، العمارة لها نفس الأهمية كأي شيء آخر نستطيع أن نفعله. ولا يمكنا أن نتعافى فقط من خلال استبدال العشوائيات بأبراج لا وجوه لها…حاجتنا هي لبيت مشترك”.
تنظر الصابوني في الفصول الأولى للكتاب إلى التاريخ المعماري للمدينة وتروي العديد من المعلومات التاريخية الشيقة عن المدينة وأحيائها مثل تدمير خمسة من أبواب حمص من قبل العثمانيين في القرن الثامن عشر مما تركها عرضة للهجمات. وتبحث أيضاً عن العناصر التي أدت إلى نشوب الحرب في الوقت الحاضر، مثل الفقر وتوزيع السكان وفقاً للطائفة في العديد من الأحياء ما جعل عملية الاقتتال أكثر شراسة. ترسم الصابوني خططا جريئة لإعادة إعمار أكثر الأحياء دماراً: باب عمرو، الحي الذي شهد حصاراً وعملية تدمير منهجية وقتالا بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة .
مخططها لإعادة بناء بابا عمر يأخذ بعين الاعتبار نمط حياة السكان والحفاظ على خصوصية المنطقة وقد تقدمت به الصابوني لمسابقة UN Habitat وفازت بالجائزة الأولى في 2014. وقد صممت المعمارية المشروع كتصور لإعادة إعمار المنطقة المنكوبة في مدينة حمص ويتضمن وحدة أساسية مبتكرة “شجرة” حيث يستطيع البناء النمو والتزايد كما الشجرة الطبيعية فيه فضاءات داخلية وهو موجود في بيوت بابا عمرو سابقاُ وكان يشكل أساسا في نمط حياة السكان. تتميز تصاميم الصابوني بأنها تأخذ بعين الاعتبار ماضي المنطقة وسكانها، حياتهم، واحتياجاتهم. المعمارية تعتقد أن “المادة الخام للعمارة المفروض أن تكون الناس وليس الأبنية الميتة.” ورغم فوزها بالجائزة الأولى في المسابقة الدولية، فقد صدقت الحكومة السورية على مخطط آخر غير مخططها، لإعادة إعمار بابا عمرو.
كان من الواضح أن الصابوني ليست من النوع الذي يستسلم للتحديات. تتابع مع زوجها عملهما على الأرض، في مدينتهم. وفي يناير/كانون الثاني افتتحا مكتبة “مركز نور الشام للكتاب”، كما تدرس مادة التصميم في كلية العمارة في جامعة حماة المجاورة لحمص، وهي من مؤسسي البوابة العربية للأخبار المعمارية – أول موقع يتابع أخبار الهندسة المعمارية باللغة العربية.
تقول الصابوني خلال المقابلة: “سقف الطموحات في بلادنا دائماً منعدم نظراً للتحديات التي تواجه الشباب في جميع المجالات. لذلك كتبت أنني لم أكن أطمح أن أكون زهاء حديد. طموحي لم يكن يتعدى طموح أي أنسان عادي أن أتعلم وأن آخذ وأعطي في هذه العملية الإبداعية وليس أكثر”. وتضيف أن فكرة الكتاب أتت بالصدفة بعد نشرها عدة مقالات: “شعرت أنه قد حان الوقت للكتابة فقد أنهيت الدكتوراة ومن خلال المقالات بدأت أستكشف الكتابة باللغة الانجليزية.” وتشير إلى أنها راسلت دار النشر التي وافقت على الفكرة. وبعد سنة تسلمت الصابوني النسخة الأولى من الكتاب.
وبسؤالها عما إذا كانت تشعر بالقليل من خيبة الأمل أن الكتاب نشر باللغة الإنجليزية وليس باللغة العربية أجابت: “أولاً الحمد لله أنه نشر بلغة واسعة الانتشار مثل اللغة الانجليزية، ولكن لدي أمل أن يترجم للعربية”.
وتتطلع المعمارية السورية الى أن يعاد بناء المدن المدمرة على ضوء متطلبات سكانها و تاريخها المعماري للحفاظ على هويتها.