مفتاح أوباما إلى دمشق قد يكمن في أنقرة (سونر چاغاپتاي)

 

سونر چاغاپتاي

 

لا شك أن سوريا سوف تمثل مصدر قلق كبير لإدارة أوباما خلال فترة ولايتها الثانية. لكن إذا عملت واشنطن مع أنقرة على نحو فعال فبإمكان تركيا أن تساعد الولايات المتحدة على تحقيق النتيجة النهائية في دمشق. ولتسهيل هذا التنسيق، ينبغي على واشنطن أن تعيّن مبعوثاً من قبل البيت الأبيض رفيع المستوى بدوام عمل كامل تكون مهمته العمل مع أنقرة بشأن سوريا.
 إن تصاعد وتيرة المصادمات على طول الحدود السورية- التركية قد أثار مخاوف من أن تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، قد تُساق بشكل سابق لأوانه إلى النزاع السوري. وقد حبس صناع السياسات والجمهور التركي أنفاسهم عقب إسقاط مقاتلة تركية في يونيو 2012، كما أن تصاعد تبادل نيران المدفعية قد أثار مخاوف من وقوع تدخل تركي وشيك.
ولتجنب هذا السيناريو المحفوف بالمخاطر، يجب أن تكون واشنطن قادرة على توقع خطوات أنقرة القادمة، والبحث عن سبل لسحب أنقرة متى اقتضت الضرورة. وهنا يمكن لمبعوث البيت الأبيض أن يلعب دوراً جوهرياً في هذا الصدد. إن الأتراك، الذين يحتفون بمجدهم عقب الحقبة الإمبريالية، سوف يقدِّرون كثيراً تعيين مبعوث خاص للبيت الأبيض يتحدث إليهم، وسوف يُصغون بدورهم إلى هذا المبعوث.
 
ورغم أن كلاً من تركيا والولايات المتحدة ترغب في رحيل الأسد، إلا أن البلدين في وضعين مختلفين. وبالنسبة لواشنطن، فإن سوريا تمثل صراعاً ملتهباً، كما أن الأمريكيين يمقتون نظام الأسد. لكن واشنطن تخشى من المجهول في أعقاب فترة الأسد، ولا ترغب في التورط في حرب في دولة مسلمة أخرى. لذا تتخذ الولايات المتحدة خطوات محدودة في سوريا وتسعى إلى تجنب التدخل العسكري. وتم رسم الاستراتيجية الأمريكية تحسباً لهبوط آمن في سوريا. وتنعقد الآمال على أن تتكتل المعارضة سوية وتستولي تدريجياً على زمام الأمور في البلاد، من خلال الإطاحة بالأسد وتجنب الفوضى التي قد تنشأ لو زال نظام الأسد بين عشية وضحاها.
وبالنسبة لأنقرة، فإن الصراع السوري يمثل جذوة نار مجاورة يجب إطفاؤها الآن. ولذا يجب أن يرحل الأسد وبسرعة. وهناك أسباب عديدة وراء الحسابات التركية. أولاً، ارتفاع وتيرة هجمات "حزب العمال الكردستاني". فما أن تحيزت أنقرة ضد نظام الأسد في آب/أغسطس 2011، ردت دمشق بالمثل وسمحت لعدو الأتراك اللدود، "حزب العمال الكردستاني"، ووكيله السوري، "حزب الاتحاد الديمقراطي"، بالعمل على أراضيها مرة أخرى.
كما اتخذت إيران أيضاً خطوات لمعاقبة تركيا على موقفها ضد دمشق. فبعد أيام فقط من دعوة أنقرة لطرد نظام الأسد في أيلول/سبتمبر 2011، دخلت إيران في هدنة مع "حزب العمال الكردستاني" ووكيله الإيراني، "حزب الحياة الحرة في كردستان"، الذي كانت تقاتله حتى ذلك الحين. ومع وقف إطلاق النار هذا، قامت طهران فعلياً بتأمين خاصرة "حزب العمال الكردستاني" وأطلقت يده لاستهداف تركيا. وبناءً على  ذلك، أصبح "حزب العمال الكردستاني" يشكل تهديداً أكبر لتركيا عما كان عليه الوضع في أوائل التسعينيات.
وكل هذا ينذر بالسوء لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يرغب أن يُنتخب الرئيس القادم للبلاد في عام 2014، وملء مقعد مؤسس الجمهورية التركية وأول رئيس لها مصطفى كمال أتاتورك. وقد حقق أردوغان تقريباً جميع الإنجازات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف. فقد روض الجيش التركي الذي كانت له ذات مرة توجهات علمانية قوية، كما آلف مجتمع الأعمال والإعلام اللذين كانا مناهضين بقوة لأردوغان. إن "حزب العمال الكردستاني" هو الذي يقف بين أردوغان والرئاسة التركية. ولو استمرت الأزمة السورية دون توقف، فإن عنف "حزب العمال الكردستاني" المتعلق بها سوف يودي بحياة المزيد من الأتراك، على نحو يمثل تحدياً أكبر لسلطة أردوغان. وفي تلك الحالة، فإن الحتميات السياسية وحدها هي التي ستدفع أردوغان تحو اتباع سياسة قائمة على التدخل ضد نظام الأسد.
وبمعنى آخر، قد لا يمتلك أردوغان الصبر لانتظار الهبوط الآمن الذي ترغبه واشنطن. وهنا يأتي دور مبعوث البيت الأبيض لتنسيق السياسة مع أنقرة حول سوريا.
وسوف تكون مهمة هذا المبعوث مضاعفة. أولها هي الإصغاء. ولنأخذ على سبيل المثال، التقارير الأخيرة التي تفيد بأن أنقرة ربما تقوم حالياً بتدريب عناصر مناهضة للأسد، في حين تغض النظر عن انتشار السلفيين داخل سوريا. ورغم عدم التحقق من مصداقيتها إلا أن تقارير كهذه لها مغزى. إن أردوغان عازم على استخدام أي وسائل متاحة له لتعجيل الإطاحة بنظام الأسد. وسوف يكون مبعوث البيت الأبيض الذي يزور أنقرة والحدود التركية مع سوريا قادراً على تفسير هذه الاتجاهات في وقت مبكر.
وسوف تتمثل المهمة الثانية للمبعوث الأمريكي المقترح هي ممارسة نفوذ البيت الأبيض على الفور. وسيشعر أردوغان، الذي لديه علاقة ودية مع الرئيس أوباما، مضطراً للإنصات لمبعوث أوباما. وسيتيح ذلك لمبعوث البيت الأبيض توقع ودعم الخطوات العسكرية التركية الخطرة ضد نظام الأسد، وإحباطها عند الضرورة.
 إن أردوغان متمرس بما يكفي لكي لا يشن تدخلاً عسكرياً واسع النطاق في سوريا. فمغامرة كهذه ستتجاوز القدرات الاقتصادية والعسكرية لتركيا. لكن من الذي يستطيع أن يضمن أنه لن ينخرط في عملية محدودة، ويستولي على قطعة من الأرض عبر الحدود في محاولة يائسة لتأمين الأمن والهيبة الوطنية التي هناك حاجة ماسة إليها؟
وإذا لم يتم تنسيق هذه الخطوات التركية مع الولايات المتحدة، فإنها سوف تُعقِّد سياسة واشنطن تجاه سوريا. وبادئ ذي بدء، إن قيام تركيا بأي خطوة متهورة سوف يرغم واشنطن وأنقرة على الإفصاح عن سياساتهما "اللاحقة" قبل أن تتاح أمامهما الفرصة لتسوية الخلافات في وجهات النظر بشأن دور عناصر المعارضة مثل جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا.
ومن شأن المبعوث الدائم أن يضمن توافق الآراء بين أنقرة وواشنطن عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأسد. وكميزة غير مباشرة لذلك، يمكن لتوطيد العلاقات مع تركيا فيما يتعلق بسوريا أن يمهد الطريق أيضاً أمام تحسين التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا فيما يتعلق بالعراق وإيران. واختصاراً، فإن تعيين مبعوث إلى تركيا حول ما يجري في سوريا هو استثمار صغير سوف يؤتي ثماره لكلا البلدين.

ذي آتلنتيك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى