مقهى ريش والبرازيلية وكرسي رولنغ
لو كانت “جيه كيه رولنغ” كاتبة عربية لما وجدت كل هذه الشهرة التي تحيطها، والتي اعترفت بنفسها أنها لم تصدق ما وصلت إليه.
أنا متاكدة أن الكثيرين لا يعرفون من هي جيه كيه رولنغ إذا لم تسبق اسمها أو تليه عبارة “مؤلفة سلسلة هاري بوتر” ذلك أن سلسلة (هاري بوتر) صارت أكثر شهرة من اسم صاحبتها، على الأقل عندنا نحن العرب.. تماماً مثل بعض الروايات التي ظلت عالقة بذهن الأجيال التي لا يتذكر غالبيتها إن لم نقل كلها اسم مبدعها، على سبيل المثال رواية “ذهب مع الريح”، و”مرتفعات ويذرنج”، وجين إير.. وللتذكير فإن الرواية الأولى لمارغريت ميتشل، والثانية لإيميلي برونتي، والثالثة لشارلوت برونتي شقيقة ايميلي برونتي.
نعود الى “جيه كيه رولنغ” التي أصبحت – وبفضل ضربة حظ – من أغنى الكتّاب في العالم، فقبل فترة بيع كرسي خشبي عتيق استخدمته جيه كيه رولنغ عندما كانت تؤلف أول جزئين من سلسلتها الشهيرة بـ 394 ألف دولار في مزاد بنيويورك، مما يشكل ثمانية أضعاف سعره عند افتتاح المزاد، وكان قد اشتراه في العام 2009 رجل أعمال بنحو 29 ألف دولار، علماً أن الكرسي نفسه كانت قد اشترته جيه كيه رولنغ من محل للأدوات المستعملة.
لو جمعنا مقتنيات كتّابنا العراقيين الكبار، ووضعناها في مزاد، لما اشترى أحد شيئاً مهما كان ثمنه، حتى لو من باب المجاملة، وكثير من الكتاب باعوا مكتباتهم ومقتنياتهم أيام الحصار والحروب المتواصلة، وعمل بعضهم في مهن لا تليق باسمه من أجل تأمين لقمة العيش، وما ينطبق على الكتّاب العراقيين ينسحب أيضاً على الكتاب العرب، فالكاتب في بلادنا العربية لا يعيش من واردات كتبه كما في العالم الغربي حيث تصل المستحقات المادية للكتّاب بالملايين سنوياً، وأيضاً لا تعني مقتنياته أحداً إلا من باب الفرجة إذا وُضعت في معرض بعد سنوات من وفاته، وهو محظوظ جداً فيما لو فكرت جهة ثقافية أن تخصص له جناحاً في معرض.
هل بإمكان أحد أن يشتري كرسياً جلس عليه عبدالخالق الركابي ليكتب روايته الشهيرة “سابع أيام الخلق”؟ أو طاولة كتب عليها بدر شاكر السياب قصيدة “أنشودة المطر”؟ أو قصيدة المومس العمياء، أو أي رائعة من روائعه؟ هو الذي حرر الشعر العربي من قيوده، وهو الذي مِن دون جميع الشعراء من يرى أن “الشمس أجمل في بلادي من سواها”؟
ما تزال هناك طاولة محجوزة باسم آرنست همنغواي في أحد المطاعم الاسبانية لأنه جلس حولها ذات ليلة، ومن يجلس عليها يدفع ثمناً أغلى من الآخرين الذين يجلسون على طاولات لم تتشرف بكاتب مثل آرنست همنغواي، فكم هي عدد المرات التي جلس فيها بدر شاكر السياب في مقهى البرازيلية مثلاً؟ تلك المقهى التي لم تعد تتنفس أجواء الشعر ولم يتذكر أحد أن السياب كان يرتادها.
في مقهى ريش وسط القاهرة حينما دخلت مرة، قيل لي في هذه الزاوية كان يجلس نجيب محفوظ.. لكن أي أحد يمكنه الجلوس في الزاوية تلك ولا يدفع سوى أجرة شرب الشاي أو تدخين الأرجيلا، وبالتأكيد فإنهم لا يعرفون أي كرسي كان يجلس عليه صاحب نوبل لأن الكراسي في مقاهينا تتغير أماكنها وتتبدل مثلما تتبدل جوارب القدم، ولو كنا نقدر قيمة الأشياء لما تسربت مقتنيات نجيب محفوظ من بيته إلى لندن من دون علم عائلته، كما جاء في الأخبار.
نحن لا نعرف قيمة رموزنا الأدبية، وليست لنا مؤسسات تعنى بصناعة الأدب والأديب، أقصد تساهم بنجومية الأدباء وتسوّق أعمالهم، وهذا خلل بيّن، ففي الغرب هناك دور نشر لا يكفي أن تتفق مع الأديب لطبع كتابه وتسويقه، بل وصنع نجوميته التي يستحقها، ولولا ذلك لما بيع كرسي جيه كيه رولنغ بهذا الثمن الفاحش قياساً لكرسي عتيق اشترته من المحلات المستعملة في وقت لم تكن فيه معروفة وليس لديها ما يكفي من النقود لتشتري كرسياً جديداً.
وعلينا أن نتذكر أيضاً بأن السينما ساهمت الى حد كبير بشهرة كتبها حينما حولتها الى أفلام، وهذا ما حصل كذلك للكاتبة الأميركية اليزابيث جيلبرت صاحبة رواية “طعام حب صلاة”.
وهذا ما نفتقده أيضاً لأننا لا نجيد صناعة سينما على الرغم من كل ما قدمناه من أفلام لا يعرف بها حتى المواطن العربي.
ميدل ايست أونلاين