من الشتاء …إلى الربيع ….إلى …

 

سألني أحدهم ذات يوم ،أيهما أحب إليك فصل الصيف أم فصل الشتاء ؟ ما زلت أذكر حتى هذا اليوم هذا السؤال الذي طرح عليّ  مراراً، و أنني كنت أجيب دوماً عليه بأنني من محبي فصل الشتاء ، وذلك لأن مقاومة البرد ممكنة بأن نلبس جيداً الثياب الصوفية ، أما في الصيف فمهما صنعنا لأنفسنا فلن نستطيع حماية أجسادنا من القيظ المحرق إلا بالبقاء في الأمكنة المغلقة و المحمية من القيظ بأجهزة التبريد .

عاودتني هذه الذكريات كثيرا في الأيام الأخيرة حين هاجمتني أمراض الشتاء  من زكام “كريب” و إسهال و أرغمتني على البقاء في بيت مغلق دافئ بإستمرار، وهكذا صرت سجين منزلي، لا أغادره إلا بالنظر عبر زجاج النوافذ إلى السماء الغائمة أو الممطرة و إلى الشوارع التي تحولت إلى سواقي “ويوما بعد يوم رادودتني الأفكار السوداء عن الموت و أن لا خلاص من أمراض الشتاء بل وأمراض الصيف أيضاً إلا باللجوء إلى الفراش أومقاربة المدفأة ليل نهار.

ها أنذا الأن أشكو و أتشاءم و ألجأ إلى قلمي أن يخفف عني أثقال الشتاء والصيف، و ذلك أن طاقة الشباب التي ذبلت فتحت الباب واسعاً لزوابع الشيخوخة أن تعصف بما تبقى لهذا الإنسان من قدرة على مقاومة الهزيمة الأخيرة .

من هنا وجدت نفسي أغدو كاتبا متفلسفا لن ينجح أبدا في أن يغدو فيلسوفا بحق ، و إن لا…فما هو مغزى هذه التجربة الطويلة التي منحنا إياها خالقنا ؟ ما هو جدوى الحياة و الموت ؟ ومن المستفيد حقا من هذه الظاهرة العجيبة الحافلة بالنشاط والمتعة والضعف و المرض وأخيراً الرحيل إلى عالم مجهول ؟ من المستفيد حقا من هذه الظاهرة العجيبة ، ظاهرة الحياة و الموت؟

أكتب هذه الكلمات وأنا أرتعش من التفكير لا من البرد .. بل لماذا خلقنا و لماذا نموت ؟ و ماذا سيبقى على قيد الحياة من بلادنا سوريا ، و من أهلها الذين تشردوا أو ضاعوا ؟

ليس الشتاء أفضل من الصيف ، و لا الصيف أفضل من الربيع ؟ ليست المفاضلة بالتأكيد هي المنطق الذي يجدر بنا أن نحاور به حياتنا . إن الحياة في حد ذاتها هي الظاهرة الأنقى و الأبقى و الأجدر بأن نفهم مغزاها عبر الفصول الأربعة كلها … ها أنذا أتطلع من الشباك و أكاد أرى أو أشم زهر المشمش و الأجاص والفواكه الصيفية الأخرى ينعقد وراء هذا الأفق الرمادي المبلل …هذا هو الفصل الأفضل والأجمل ….إنه الفصل الذي يمهد لفصل آخر …إنه التغيير من فصل لآخر !… هكذا أفهم أخيرا أن الحياة تمهد للموت و بالتالي أن الموت بدوره يمهد لحياة أخرى …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى