من “باب الحارة” إلى “الهيبة” ونستمر.. فكيف نشفى من فوبيا النجاح الجماهيري؟!
ما أن فتح عامر الباشا (باسل خياط) عينيه من غيبوبته في المشهد الأخير من مسلسل “تانغو” حتى توجست خيفة من أن يكون ذلك المشهد بديلاً عصرياً عن عبارة “إلى اللقاء في الجزء الثاني” التي عادة ما يضعها صناع الأعمال الدرامية للإشارة إلى أن حكاية مسلسلهم لم تنته بعد، ولم تزل خطوطه الدرامية تحتمل المزيد من الأحداث، تكوّن بمجملها حكاية جزء ثان.
الكلام عن جزء جديد من “تانغو” لم يكن بناء على تصريحات لصناعه، ولا نتيجة تحليل لأحداث حكايته، وإنما هو صدى لفوبيا باتت تصيبنا بعد كل نجاح جماهيري لعمل درامي من أن يعود أصحابه لاستثمار ذلك النجاح في جزء ثان، استجابة لمتطلبات تسويقية أكثر من كونها فنية… فكيف لا نتوجس خيفة من جزء ثان لـ”تانغو” والحلقة الثلاثين تختتم حكاية المسلسل على عينين مفتوحتين على اتساعهما، فاتحة معهما باباً شرعياً لاستثمار نجاحه، لاسيما أن كل ابطاله ما زالو ا على قيد الحياة، باسثناء فرح (دانييلا رحمة)، ومن الممكن العودة لاستثمار محبة جمهورهم في جزء جديد.
بكل الأحوال يبدو أن فتح عيني عامر، حل منطقي يحترم عقل الجمهور فيما لو أحب منتجو العمل تنفيذ جزء ثان، رغم أنهم ليسوا بحاجة لفتح تلك العينين أصلاً ليجدوا الحجة في إنتاج جزء جديد، إن أرادوا ذلك، وحالهم في ذلك حال منتج مسلسل “الهيبة”، وهو يزف لنا بشرى إنتاج نسخة ثالثة من مسلسله، هي بالترتيب الزمني للأحداث جزء ثان…نسخة تدور في زمن إنتاج المسلسل ، أي في العام 2019، ويشارك فيه الفنان عبده شاهين، كونه من أعمدة هذا العمل، ولن يستغنى عنه، على حد تعبير منتج “الهيبة” صادق الصباح في حديث له لاستديو صحيفة “النهار”.
وببساطة لن يبذل منتجو الهيبة جهداً لإقناعنا بأن “شاهين” لم يمت في نهاية الجزء الأول، ببساطة لم نره يدفن لنسلم بموته…ذلك سيكون منطق صناع العمل في تبرير عودة الرجل، حتى لو خالف ذلك المنطق و حجّم عقولنا…وهم بطبيعة الحال لن يدخلوا نقاشاً جدياً حول ذلك، مادام التهافت الجماهيري على مسلسلهم، يرفع حولهم سوراً عالياً، يحصنهم من كل ما يكتبه النقاد، ويرفع أسهمهم في سوق التسويق والعرض، بما يؤهلهم للتربع على مقعد المطلوب رقم واحد فيه بلا منافس، يبرر لهم إنتاج جزء ثان وثالث.
ذلك ليس أمراً جديداً على السوق الإنتاجي ، فقد فعلها صناع مسلسل “باب الحارة” من قبل، ويمضي اليوم على خطاهم صناع مسلسل “الهيبة”، وبالتالي لا شيء يدعو للاستغراب. إلا أن هذا الأخير لن يدخل في لعبة تركيب الحكايات بحثاً عن إسقاطات معاصرة كما فعل “باب الحارة”، وإنما سيذهب نحو محاكاة استثمار جماهيري جديد، إذ يرجح الحديث عن تجاوز أحداثه حدود جغرافيا “الهيبة” نحو مدن أخرى أنه سيمضي على خطى المسلسل التركي “وداي الذئاب” أيضاً.. وربما يتحول أبطاله من باحثين عن ثأر وهيبة إلى سعاة لتحقيق العدالة، كما يفهمونها.
لطالما اعتبرت أن الرصيد الفني الحقيقي لمسلسل “الهيبة”، هو هذا الاداء التمثيلي الملفت لنجومه وفي مقدمتهم نجم العمل تيم حسن، وحالة الاستمتاع التي يبدونها في تجسيد شخصياتهم، فضلاً عن التطور الملحوظ في الشغل الإخراجي للفنان سامر برقاوي، كما لو أنه يؤرخ لمرحلة جديدة وأعلى من تجربته الفنية…فضلاً عما أبداه السيناريست باسم السلكا من قدرة على بناء حكاية درامية مشوقة وجذابة… وكم تمنيت أن يكون هذا الفريق المنسجم في عمل درامي ثان، يستثمر محبة جمهور “الهيبة” في عمل يستوفي شروطه الفنية والفكرية، بوصف الدراما وسيطاً ثقافياً لا ترفيهياً وحسب..
لكن ذلك لم يحدث، ولن يحدث في الأفق المنظور، وهاهو “شاهين” بانتظار فتوى فنية لعودته في النسخة الثالثة من المسلسل، كما عاد من قبل “أبو عصام” في الجزء السادس من مسلسل”باب الحارة”، وليمت بغيظهم النقاد، فتاريخ الفن كما التاريخ البشري يكتبه الأقوى، والأقوى اليوم هو مسلسل “الهيبة”….فكيف لا تريدوننا ألا نصاب بفوبيا النجاح الجماهيري للمسلسلات التلفزيونية..؟!
مجلة سيدتي