من هـم أعـدائـي ؟
أتطلع حولي فأكاد لا أرى عدوا لي ، و ليس الجميع أصدقائي بالتأكيد ، فأينما توجهت في بلادي أو في بلد أخر لا أشعر أن لي عدوا مباشرا بينهم ، و لكنهم ليسوا أصدقائي أيضا ، فمن هم هؤلاء؟
أخرج من داري فأمر على أبواب جيراني في البناء نفسه فلا أرى سوى الأبواب المغلقة و إذا التقيت بأحد الجيران مرّ الواحد منا بالآخر و كأنه لا يعرفه إطلاقا، وأمضي إلى السوق فإذا بالباعة كلهم لا يتنازلون عن أسعار بضائعهم الفاحشة إلى درجة لا يحتملها أي خيال أو قانون أو أذهب إلى أحد المقاهي للقاء بعض الأصحاب فإذا ما صادفت أحدهم لم نتبادل سوى تحية سريعة ثم ينصرف كل منا إلى نفسه و لا سؤال عن الصحة أو الأحوال .
كل مشغول بأحواله الشخصية التي لا يجد أحدا يشاركه إياها فمن هو الصديق أو العدو بين كل هؤلاء؟ و لماذا أنا غاضب يكتم غضبه و حزين يخفي حزنه ، و إذا ما ساورني مرة بعض الفرح لا أجد من يشاركني فيه فإذا بهذا الفرح يتبخر سريعا و كأنه لم يوجد إطلاقا.
من هم أعدائي الذين يعكرون صفو حياتي إذن ؟ و إن لا فما هو تفسير الحالة النفسية المتردية التي تتملكني مع أنني لم أسىء إلى أحد و لم يسىء لي أحد مباشرة فما هي مشكلتي ؟ و لمن أتوجه كي أبوح له بشكواي ، صحتي جيدة ، ووضعي المادي مقبول ، و أجهزة التسلية و الثقافة المتنوعة لا تنقصني ، و علاقاتي مع أقربائي ممتازة و مع ذلك فأنا أعاني دوما من هذا الشعور الذي يفسد كل شيء حولي أنني بلا أصدقاء ، و لكن من هم أعدائي و كيف أتجنبهم و أقاومهم ؟
هكذا وجدتني أخيرا في مواجهة وقائع التاريخ العربي بكل مراحله و غرائبه و مأسيه، فأتذكر مثلا ماذا جرى للمسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مباشرة ثم الحروب و الاغتيالات التي أودت بثلاثة من أصل أربعة من الخلفاء الراشدين…
أتذكر بعدها الحرب الدامية التي أشتعلت بين معاوية و علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه) ثم أمضي عبر العصر الأموي فالعباسي فعصور الانحطاط فأجدني حيال محنة عمرها أكثر من ألف عام و نيف و أنها ما تزال من سيء إلى أسوأ كمحنة لا توحي إطلاقا بخلاص قريب، فأين أصدقائي عبرهذا التاريخ الملطخ بالدماء و من هم أعدائي فيه ؟
هل من جواب شاف على هذا السؤال المخيف ؟