من هم العرب لدى أمريكا
من هم العرب ؟ أطرح هذا السؤال على نفسي بعد أن قرأت مقالة مطولة كتبها عضو متقاعد من أعضاء مكتب المخابرات و البحث في وزارة الخارجية الأمريكية أسمه ” هارولد غليدن ” أقتطف لكم منه هذا المقطع:
إن االمجتمع العربي مبني عبر تاريخه على نظام من العلاقة الولائية بين ” التابع و الولي ” و أن العرب لا يستطيعون الأداء الفعلي إلا في مواقف النزاع ، و أن الأمتياز عندهم يقود بصورة خاصة على المقدرة على السيطرة على الأخرين و أن ثقافة العار – و بالتالي – الإسلام نفسه يجعل من الإنتقام فضيلة ( ففي جريدة الأهرام مثلا أنه في عام 1969 ارتكبت في مصر 1070 جريمة قتل القي القبض على فاعليها و كان 20% منها يعود إلى رغبة في محو العار و 30 % إلى جريمة شفاء غليل نابع من حس وهمي أو حقيقي بالغبن و 31 % إلى رغبة في أخذ الثأر لدم مراق ، و أنه إذا بدا من وجهة نظر غريبة أن الشيء العقلاني الوحيد الذي يجب ان يسلكه العرب هو أن يسعوا إلى السلام في حين أن الأمراء بالنسبة لهم لا يحكمه هذا المنطق لأن الموضوعية ليست قيمة ذات شأن في نظام القيم عند العرب…ثمة حقيقة تجدر ملاحظتها و هي أنه بينما يطالب نظام القيم العربي بالتماسك المطلق فإنه في الوقت نفسه يسجع لدى أفراده نوعا من التنافس المدمر…)
قد يبدو هذا المقطع أنه مجرد تعليق على أرقام محددة تتعلق بالأسباب الحقيقية لجرائم القتل في مصر في عام معين غير أن بعض العبارات الواردة لا علاقة لها بالجرائم حين يتهم المجتمع العربي أنه مبني عبر تاريخه على العلاقة الولائية – أي خضوع المواطنين طوعية للسلطة الحاكمة – و أن الإمتياز عند العرب يقوم على السيطرة على الأخرين …قد تكون هذه العبارات حيادية لا يفهم منها بالضرورة تشويه سمعة العرب ، و لكن المقال كله يرتكز على جرائم القتل في عام محدد 1969 على أنها جميعا جرائم كان من الممكن ألا ترتكب لأنها كلها جرائم قد ارتكبت لأسباب نفسية ميالة إلى إستخدام العنف بغرض الإنتقام الذي يعتبره الدين الإسلامي فضيلة بسبب علاقة هذا العنف بأحداث من العار المسكوت عليها ، ثم حين يتهم المقال النظام العربي للقيم حين يربطه بالتعصب الديني الذي يعبر عنه بعبارة ” التماسك المطلق أي ضبط النفس مقابل أحداث ” العار”…
لا أكتب هذه الخاطرة كي أتهم ” هارولد غليدن ” بالتطاول على السمعة الأخلاقية ، و النفسية للعرب و إنما لكي أوضح الخلفية الفكرية أو الحضارية إذا شئتم للعقل الأمريكي خاصة و الغربي عموما إذ أن معظم هذه الجرائم تعود كما يبدو في نظر كاتب المقالة إلى محرض نفسي أساسي واحد هو : تعرض شرف الإنسان العربي إلى التحقير المبالغ فيه و كأن هذا السبب لا يعتبر في المفهوم الأمريكي للشرف دافعا مقنعا للقتل و سواء هنا أكانت الجريمة قد ارتكبت لهذا السبب أو لغيره فهي جريمة في حين يبالغ ارتكاب الجرائم في ولاية واحدة من ولايات أمريكا الخمسين أضعاف الرقم المصري ، و معظم الجرائم الامريكية تعود إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بمفهوم ” الشرف ” و إنما بسبب سهولة استخدام العنف لدى الأمريكي الذي يملك سلاح القتل بترخيص رسمي لجميع المواطنين .. و هذا معناه أن لكل مجتمع خصوصيته من حيث العيوب كجرائم القتل عموما ذلك أن الدول الغربية الكبرى على الأخص تشكو من فظاعة الجرائم لديها كما توحي بذلك صحافتها و كتبها و أفلامها السينمائية و خاصة أمريكا
إن الغرب بإختصار لا يناقش الوضع الإجتماعي في بلادنا بشكل موضوعي و إنما بسبب دوافع حضارية مختلفة . و العبارة الوحيدة في ذلك التقرير الجديرة بالإهتمام هي الإشارة المعبرة في تلك المقالة عن العلاقة الولائية التي تسود عادة لدينا بين الحاكم و المواطنين عموما و القائمة على الاعتياد الذي تعود عليه المواطنون مقابل أسلوب الحكم الإستبدادي السائد في تاريخنا الطويل أي الخضوع التام لهذا الحكم القاسي منذ العهد الأموي إلى العباسي إلى عصور الإنحطاط إلى أيامنا هذه !…