من يدعم الموسيقى «البديلة» في مصر؟
«أدين بدين الجدعنة وبدين رفاق الدرب.. وبقولة احنا مش انا في المعمعة والضرب.. وبدين ما كنت مصدقه في المعركة الأولى.. وبدين جثث فى المشرحة اساميها مجهولة.. وبدين من ساب على الأسفلت اخواته مقتولة.. أقول التوبة مقبولة إلا في وقت الحر». مطلع أغنية للفنانة دينا الوديدي، من كلمات الشاعر مصطفى ابراهيم، وشارك في كتابة أجزاء أخرى منها الشاعر جرجس شكري. أغنية يعتبرها البعض واحدة من الأغاني التي تعبر عن الثورة المصرية، والتي تم انتاجها لاحقا في يناير 2013.
في العام 2011 انطلقت شرارة الثورة المصرية وانطلق معها الكثير من الأمل في مجالات عدة، من بينها الموسيقى البديلة في مصر، إذ حين أصبح الشارع مملوكا لأصحابه، فرضوا قواعدهم وأسمعوا أغانيهم التي كانت تضج بها الميادين، وأصبح المجال مفتوحا لهذا النوع من الموسيقى والذي لا تعبر كل منتجاته بالضرورة عن موقف سياسي أو عن الثورة ولكنها تعبر عن ذوق فني مختلف لطالما سمي بموسيقى «الاندرجراوند» لأنه مجهول للجمهور. تلك المساحة أخرجت مطربين ومطربات وموسيقيين وموسيقيات للضوء، ولكن ربما مثله مثل الثورة أصبح في ركود، حتى لو كان هناك خلاف حول وجود علاقة مباشرة بين الاثنين، وهذا ما يحكيه في السطور التالية مجموعة من الموسيقيين المصريين.
الشارع لمن؟
تأسس مهرجان الفن ميدان في ابريل 2011 من وحي الثورة وفكرة ميدان التحرير، ليكون هناك فاعليات فنية في ميدان واسع ومتاح للجميع مجانا، وهو كان امتدادا لائتلاف الثقافة المستقلة الذي تكون من ناشطين لهم علاقة بالفنون والثقافة اثناء الثورة. تطورت الفكرة وخرجت خارج نطاق القاهرة ووصل الفن ميدان الى 15 مدينة وذلك بعد 8 أشهر من تأسيسه، كان جمهور المهرجان يصل الى 7 آلاف شخص احيانا.
سياسيا، ما كان يميز الفن ميدان هو وجوده في الشارع بدون حواجز وبدون تذاكر، كان مكسبا لتأكيد أن الفضاء العام مملوك للجمهور، وبعد ذلك قررت الدولة سحب الفضاء العام. أما فنيا فكانت هناك فرصة لفرق جديدة في أن يقدموا فنهم لجمهور ويلقون دعما بتوفير المسرح وأجهزة الصوت وغيره، يضيف ايمن حلمي ملحن مصري وواحد من مؤسسي الفن ميدان: «نحن كنا نحاول عمل توازن بين تقديم فرق ذات مستوى فني عال وفي المقابل فرق صغيرة أو أفراد يجربون، كانت الطلبات التي تردنا بالعشرات وكنّا نحاول إتاحة الفرصة للجميع. خاصة وقت المدّ الثوري أتت فرق كثيرة معروفة مثل علي الحجار وفرقة المصريين، وفرق مثل وسط البلد وسلالم ومسار إجباري ورامي عصام ودينا الوديدي واسكندريلا ومريم صالح وغيرهم من الموسيقيين المعروفين. يقول «هناك جمهور تم بناؤه للفن ميدان، منه نسبة كبيرة كانت بالفعل على معرفة بموسيقى «الاندرجراوند»، وكان هناك جمهور من أهالي المنطقة اتيحت لهم الموسيقى لأول مرة في الشارع». هناك وعي وذوق فني تكونّا بالطبع. هذا بالاضافة إلى أن الفن ميدان كان فرصة لاستغلال الشارع، يضيف حلمي انه كموسيقي كان يصل الى جمهور صعب الوصول اليه، جمهور لا يعرف الانترنت أو اماكن العروض الثقافية الخاصة.
من يحدد نوع الموسيقى؟
«قديما كانت نشأة الموسيقى البديلة مقابلة لموسيقى السوق التي هي عبارة عن أغنية واحدة متكررة، والآن أصبحت الموسيقى البديلة أيضا أغنية متكررة. قديما كانت الموسيقى البديلة تنتج بطرق غير تقليدية وخارج الصندوق، ومبادرات شخصية وتعاونية، الآن أصبح هناك خطة إنتاج، والعمل اصبح بنفس آليات الانتاج وشركات التوزيع، ونقوم بالتسجيل في نفس الاستوديوهات فما الفارق؟» يرى وائل السيد، موسيقي مصري يلعب آلة الاكورديون، أنه يجب ان يكون هناك موسيقى مختلفة، لكن ليس كل شخص يقرر ان موسيقاه مختلفة! هناك فرق كثيرة ممن قالوا انهم يمثلون موسيقى بديلة لم يعودوا يقدمون موسيقى بديلة، وهم يعملون بشكل تجاري ويعرضون حفلات في قرى سياحية وساحات خاصة. «اذا كنا نقوم بذلك من اجل اكل العيش»، يقول فهذا ايضا ما يقوم به الاخرون، الجمهور هو من يحدد، والتاريخ هو من يثبت ذلك. سيد درويش على سبيل المثال كان يقدم موسيقى مختلفة، ولم يقل ابدا انه كذلك.
من ناحية أخرى يحكي السيد عن مشكلات تخص الجمهور مشيرا إلى أن ما يهم البعض الآن أن يذهبوا للحفلات الفنية كي يتصوروا مع المغني وكي يصرخوا ويغنوا مع الاغنية ولا يسمعون شيئا، فهناك قطاع كبير من الجمهور يصرخ طوال الحفل ويمزق ملابسه ويدوس اصحابه كي يتصور في الحفل، يقول «متي سمعني ولماذا يحبني ان كان يصرخ طوال الوقت؟». ويضيف أنه اصبح من الطبيعي أن تحدث مشاجرة بين الجمهور بسبب اغنية يطلبون سماعها. ويتساءل السيد»عمر هدوم ام كلثوم اتقطعت من جمهورها؟ او سميرة سعيد هربوها من المسرح عشان الناس بتجري وراها؟». الجمهور غير مشجع لبذل المجهود، نفس ردود الفعل على الحفلات الجيدة والحفلات السيئة دون فارق، كأن الفن المستقل «موضة» او رمز للثقافة.
هناك مشكلة أخرى ترتبط بارتفاع اسعار تذاكر الحفلات التي تنظمها أماكن خاصة، يقول وائل إن اصحابها يريدون الربح الحالي ولا يريدون بناء استثمار، وإن لم تكتمل التذاكر سيتم الغاء الحفل، وفي المقابل يتفاوض هؤلاء المنظمون مع الفرق الموسيقية على الاجر الذي يطلبونه، كما أنهم في النهاية يدعون دعم الفن البديل، ويؤكد السيد أنهم كموسيقيين بدائل العرض المتاحة لديهم قليلة.
الدولة ومؤسسات الدعم
مع إغلاق المجال العام والتضييق على التمويل الاجنبي، وترسيخ العداء ضد الاجانب وباعتبار الاموال تدعم الارهاب، تأثرت مؤسسة مثل المورد التي كانت من اكثر المؤسسات الثقافية اهتماما باستضافة موسيقيين من الخارج واتاحة الفرصة لتبادل الفنون والثقافة على مستوى اقليمي، لكن اصبح الوضع طاردا. يقول حلمي «كان إغلاق المورد في مصر خسارة، أي مصدر تمويل أو مساحة يتم اغلاقها يقللان من فرص الفنانين». حين أعلن «المورد» عن ورشته السنوية «ريمكس» بين 9 دول في المنطقة، تقدم وائل السيد واشترك مرتين في عامين مختلفين، الفكرة من الورشة كانت أن يضعوا مجموعة موسيقيين من مناطق مختلفة سويا فيتبادلون الخبرات والفنون وينتجون البوما مشتركا ويقدمون عروضا مشتركة، كانت مفيدة في التبادل الإنساني والفني، فكانت الفكرة «أن نتصادق ونتبادل الثقافة». كما أنه قدم عروضا على مسرح الجنينة الذي كان يديره المورد أكثر من مرة. وتشير دينا الوديدي «كلنا كبرنا في مسرح الجنينة». ومع ذلك يرى وائل السيد أن الامر أكبر من ذلك، فالمورد كان يوفر ذلك لكن في النهاية كان يصل الى عدد محدود من الموسيقيين وبالتالي من الصعب تحميل المورد انهيار المشهد الموسيقي، فهناك ركود عام.
دينا الوديدي تعتبر نفسها محظوظة، فلقد كان لديها الفرصة لتجربة كل المسارح سواء كانت مسارح شارع أو خاصة أو تابعة للدولة أو مؤسسات ثقافية. الحفلة الاولى لفرقتها كانت على مسرح الجنينة، وبيعت كل التذاكر، ثم في جزويت اسكندرية، لكن واجهتهم مشكلة أن الجمهور وصل إلى 4 الاف شخص، تقول «بدأنا في البحث عن أماكن مثل الساقية ومسرح قصر النيل والأوبرا ومكتبة الاسكندرية ذات المسارح الأكبر. كانت لدينا مشاكل مع التنظيم في بعض المسارح حتى وإن كانت غير تابعة للدولة، حتى في مسارح الدولة رغم وجود رقابة وشروط لكني لم اواجه مشكلات وقدمت ما انتجه من فن». لكنها تشير إلى أن هذا لا يحدث في العادة مع باقي الموسيقيين: موسيقي جمهوره صغير يعاني في البحث عن أماكن عرض صغيرة، بينما المسارح الكبيرة أكثر تعقيدا، وهناك مسارح مثل الجمهورية والهناجر والطليعة وقصر المنسترلي، وهي مسارح مملوكة للدولة، ولكنها غير متاحة للموسيقى. هناك أماكن جديدة فتحت ولكن أغلبها صغير، وهناك أماكن خاصة ذات ساحة عرض كبيرة لكنها في أطراف العاصمة وتذاكرها مرتفعة السعر، وهناك اماكن أخرى عقدت من شروطها لاستضافة الفرق الفنية وتضيف أن الرقابة اصبحت اكثر، والشروط التي تطلبها الدولة من الموسيقيين مثل كارنيه النقابة وكارنيه المصنفات والبطاقة الضريبية تعقد من الأمر، وفي المقابل الدولة لا توفر اماكن عرض.
يشير السيد إلى أنه هناك بعض الاماكن التي تدعي انها تدعم الفنانين لكنها تحصل على نصف الدخل وتدعي انها تدعم الفن وتقوم بتأجير الآلات والأجهزة الموسيقية كما أنها تحمل الفرق الموسيقية الضرائب وفي المقابل تحصل على منح وعلى اموال شركات اعلانية. هناك اماكن لا زالت تقدم دعما ماديا وتدريبات وغيرها ولم تغلق، وهناك اماكن موجودة وتقول انها تدعم ولكنها لا تقدم شيئا. في رأيه الفن سيزيد حين يكون الاشخاص لديهم استعداد للاستثمار فيه بمجهود وموهبة ومال وهذا لا يحتاج مؤسسات. اغلب الموسيقيين لديهم «مايكات» واجهزة كمبيوتر ويمكنهم انتاج اغان من المنزل ووضعها على الانترنت، من ناحية أخرى على الموسيقيين الا ينتظروا دورا من الدولة، وهي ليس لها دور مع الفن في أي مكان، وإذا كانت الدولة تقوم بعرقلة الفن، فهي تقوم بافعال مماثلة في أمور أهم مثل الصحة والامن. بينما ترى الوديدي أنه من المهم أن نعرف من هم المسؤولون عن الثقافة وكيف هي رؤيتهم للفن والثقافة، تضيف «انا خلصت ورقي كامل عشان اقدر انتهي من البومي بشكل محترف، ولكن لو كنت موسيقي لا زال في مرحلة التجربة وجمهوري 30 شخص لماذا يكون مطلوب مني ان اقوم بعمل كارنيه مصنفات وكارنيه نقابة؟ كما ان المسؤولين في المجال يعبرون عن مستوى منخفض من التذوق الفني» في رأيها وزارة الثقافة مفروض بها خدمة الفن ولكنها لا تقدم الدعم.
صحيفة السفير اللبنانية