كتب

«مهمّةُ المترجم»… ترجمة عربية جديدة لنص فالتير بنيامين

تضطلعُ مقالةُ «مهمّةُ المترجم»، التي كتبها الفيلسوف والناقد والمترجم الألماني فالتير بنيامين (1892 – 1940)، سنة 1921، بمكانة متميزة في الثقافة العالمية الحديثة؛ إذ تُرجمت مراتٍ كثيرة إلى لغاتٍ عدّة؛ لأنها نصّ نظريّ وفلسفيّ دقيق فيما يخصّ الترجمة ومهمّة المترجم بصفة خاصة.

 

«مؤسسة بيت الزبير» ارتأت نقل هذا النص المهم إلى العربية بترجمة الدكتور أحمد بوحسن، وقد صدر الكتاب حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون»، في الأردن 2025، وراجعت الترجمة الدكتورة رضوى الضاري.

في تمهيده للكتاب، يوضّح المترجم أنه قدّم «في هذا العمل ترجمة ثلاثية متعدّدة الوجوه لنصّ فلسفي شديد الصعوبة، على أن إعادة ترجمة هذا النص وتدقيقه وتحقيقه ومراجعته تتيح فهماً مضمونيّاً أقرب إلى المعنى الأصلي».

«وقد اعتمدتُ أساساً في تدقيق ترجمة هذا النص إلى اللغة العربية على الترجمتين الإنجليزية والفرنسية من الأصل الألماني، وكذلك الترجمة العربية من الأصل الألماني، وبخاصة ترجمة حسين الموزاني، التي نُشرت في مجلة (فكر وفن) الألمانية (العدد 79، 2004، ص 20 – 25)، وكذلك ترجمة رضوان ضاوي – ترجمة خاصة غير منشورة -. كما رجعت إلى ترجمة أحمد إحسان، من الإنجليزية إلى العربية، المنشورة في كتاب (فالتر بنيامين – مقالات مختارة) (تقديم راينير روشلبتز، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص 39 – 47)».

يقول فالتير بنيامين في هذا النص: «تكمن مهمة المترجم في العثور على التأثير المقصود الخاص في اللغة الهدف التي يظهر فيها صدى اللغة الأصل. وهذا هو مظهر الترجمة الذي يميزها أساساً عن عمل الشاعر؛ لأن قصد هذا الأخير لا يتجه بتاتاً نحو اللغة في حد ذاتها، في جملته، لكنه يتجه مباشرة نحو المظاهر السياقية اللسانية الخاصة، لا غير. فالترجمة لا تجد نفسها داخل الغابة الجبلية للغة، كما يفعل الشعر، بل خارجها، أي في مواجهتها دون أن تدخل إليها، في المكان الوحيد الذي ترجع فيه صدى اللغة كل مرة، أثر صدى العمل الأدبي في اللغة الغريبة. فقصد الترجمة لا يعالج قصد العمل الأدبي أو يختلف عنه؛ أي اللغة ككل، انطلاقاً من عمل فردي في لغة أجنبية، ولكنها مختلفة كذلك نوعياً في مجموعها. فقصد الشاعر عفوي، أولي، وجلي، بينما قصد المترجم استنباطي، نهائي وغني بالمعاني. ذلك أن الحافز الأكبر إلى إدماج لغات عدّة في لغة واحدة حقة هو الذي يحرك عملها. هذه اللغة هي تلك التي لا تتواصل فيها أبداً الجمل المستقلة، والأعمال الأدبية والأحكام النقدية؛ لأنها تبقى مستقلة عن الترجمة، ولكن هذه اللغات نفسها تكون داخل الترجمة متكاملة ومتصالحة في معانيها، بل وتتقارب كلها. فإذا كان هناك شيء مثل لغة الحقيقة، يمثل ذخيرة للأسرار النهائية، غير متوترة وصامتة، يسعى إليها كل فكر، فإن لغة الحقيقة هاته هي اللغة الحقة. وهذه اللغة بالذات، التي يكمن كمالها الوحيد في وصفها وقدرة تنبئها التي يطمح إليها الفيلسوف، تكون مختفية بدقة متناهية في الترجمة. فليس هناك ربة للفلسفة ولا للترجمة. غير أن هذه الترجمات ليست خالية من الذوق الفني مثلما يدعي بعض الفنانين العاطفيين؛ إذ إن هذه الترجمات تتسم بالإبداع الفلسفي الذي يسعى إلى لغة تتجلى فيها الترجمة».

تجد الإشارة على أن فالتير بنيامين وُلد سنة 1892، وتوفي سنة 1940. وهو فيلسوف، ومؤرخ للفن، وناقد أدبي، وناقد للفن، ومترجم ألماني. كان مرتبطاً بمدرسة فرانكفورت الفلسفية. ترجم بالخصوص بلزاك، وبودلير وبروست. انتشرت أفكاره بشكل واسع ابتداءً من خمسينات القرن العشرين، وتمت دراستها وتحليلها. له مقالات وأبحاث جُمعت في ثلاثة مجلدات ونشرتها «دار جاليمار» الفرنسية سنة 2000.

أمّا المترجم أحمد بوحسن، فهو أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس – أكدال بالرباط. ويعدّ من الباحثين في مجال الدراسات النقدية الحديثة أساساً، وفي مجال الدراسات الثقافية والدراسات المقارنة والترجمة كذلك.

صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى