موقف روسي صادم من “إسرائيل”.. ما علاقته في أوكرانيا؟
كان لافتاً تصريح وزارة الخارجية الروسية يوم الجمعة الفائت، بأنَّ “إسرائيل” تحاول استغلال الوضع في أوكرانيا لتحويل انتباه المجتمع الدولي عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك تعقيباً على هجوم إسرائيلي ضد روسيا، شنّه وزير خارجية العدو يائير لابيد، في سياق دعم الكيان لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتعليق عضوية الاتحاد الروسي في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، وحيث أضاف بيان الخارجية الروسية أن: “الحكومة الإسرائيلية تواصل الاحتلال غير الشرعي والضم الزاحف للأراضي الفلسطينية، في انتهاكٍ لعدد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة”.
لاحقاً، علّق مصدرٌ في وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي على بيان وزارة الخارجية الروسية، الشديد اللهجة بحق “إسرائيل”، قائلاً: “روسيا عادةً ما تصوّت ضدّ “إسرائيل” في الأمم المتحدة، وعليه فإنَّ “إسرائيل” لا ترى أيَّ مانعٍ من تصويتها ضد روسيا” في المنظمة الدولية”.
صحيح أن الرد الروسي على “إسرائيل” جاء على خلفية هجوم دبلوماسي على موسكو من على منبر الأمم المتحدة، قام به وزير خارجية العدو، ولكن حساسية الرد الروسي تأتي من أنها المرة الأولى التي يفنّد فيها موقف روسي رسمي الانتهاكات الإسرائيلية للقرارات الدولية، ويشير فيها بوضوح إلى موضوع الضم غير الشرعي وتمدّد المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية وحصار غزة، فماذا يمكن أن تحمل من أبعاد هذه المواجهة غير المسبوقة بين روسيا و”إسرائيل”؟ ولماذا ظهر الروس، ومن خلال موقفهم الحاسم والواضح ضد تل أبيب، بأنهم تجاوزوا الخطوط التي كانوا حتى الآن يحافظون عليها مع الكيان؟
في الواقع، لا يمكن لأي متابع موضوعي اليوم إلا أن يستنتج أن روسيا تعيش ضغوطاً مرتفعة نتيجة عمليتها العسكرية الخاصة المتواصلة في أوكرانيا، وحيث يشدّد دائماً الرئيس بوتين، وبكل ثقة، على أن العملية سوف تحقق أهدافها، بالمفاوضات أو بالحرب، فإن الطرف الآخر، المتمثل بأوكرانيا والناتو، والذي تقوده بشراسة واشنطن، يرى أيضاً أنه سوف يمنع موسكو من تحقيق أهدافها، ويعمل بكل قوته وإمكانياته، أولاً لاستنزاف روسيا في أوكرانيا، وثانياً لإرغامها على إنهاء عمليتها من دون تحقيق ما وضعته من أهداف، وبكل موضوعية أيضاً، لا يمكن لأحد من المتابعين الجديين إلا أن يكتشف أن الناتو وواشنطن استطاعا، حتى الآن، عرقلة وتأخير الوحدات الروسية في مهمتها في أوكرانيا، إضافة إلى أن الروس، وبالرغم من الخسائر الضخمة التي مُنيت بها أوكرانيا في العديد وفي المنشآت والأسلحة والبنية العسكرية بنحو شبه كامل، فقد سقط لهم أيضاً إصابات وخسائر غير متوقعة.
انطلاقاً من هذه العقدة التي يعيشها كل الأطراف في أوكرانيا اليوم، الناتو وأوكرانيا من جهة وروسيا من جهة أخرى، وحيث بدأ الوقت يضغط على موسكو في المسار الذي حددته للعملية، في الزمان، أو في الخسائر غير المتوقعة، أو في الأهداف التي لم تتحقق حتى الآن، كان لا بد للروس من إدخال مناورة إضافية على مناورتهم العسكرية والاستراتيجية التي يخوضونها، تمثلت في هجوم سياسي على “إسرائيل”، استندت به أولاً إلى الهجوم الإسرائيلي عليها في الأمم المتحدة وإلى مواقف أغلبية مسؤولي الكيان ضدها، واستندت به ثانياً إلى اعتداءاتها وانتهاكاتها المتواصلة ضد الفلسطينيين، وهذه المناورة الروسية ضد “إسرائيل” تقوم على النقاط الآتية:
أولاً: الإضاءة الواضحة والصريحة، وعبر منبر وزارة الخارجية الروسية، على المخالفات الإسرائيلية للقوانين الدولية بنحو واضح، من خلال الإشارة إلى تجاوزها القرارات الدولية وإلى الاستيطان غير الشرعي وضم الأراضي الفلسطينية بطريقة جائرة وإلى القمع والحصار المتواصل ضد الشعب الفلسطيني.
ثانياً: إيصال رسالة حاسمة وغير مسبوقة إلى “إسرائيل”، بأن الموقف الروسي بعد اليوم لن يكون متساهلاً معها أمام هذه التجاوزات والانتهاكات للحقوق الفلسطينية والعربية، هذا لناحية الموقف الدبلوماسي أمام المؤسسات الدولية، تماماً كما أظهرت “إسرائيل” عدائيتها تجاه موسكو في المحافل الدولية.
ثالثاً، وقد تكون النقطة الأكثر تأثيراً على “إسرائيل”، والتي ليس مستبعداً أن تتخذها موسكو، وخاصة أنها تبحث عن أي وسيلة ضغط على خصومها في معركة أوكرانيا، وهي أن موسكو جاهزة لترجمة هذا الموقف الدبلوماسي والسياسي إلى إجراءات عملية على الأرض، انطلاقاً من موقعها ووجودها في سوريا، وهنا يمكن أن تكون هذه الإجراءات العملية الروسية في اتجاهين:
1 – تشديد روسي أكبر في حماية الأجواء والأراضي السورية من الاستهدافات الإسرائيلية الدائمة، وهذا الأمر قد يحصل من خلال تفعيل أوسع وأعمق لمنظومات الدفاع الجوي الروسية في سوريا ضد القاذفات والصواريخ الإسرائيلية.
2- تفعيل التعاون والتنسيق الروسي أكثر فأكثر مع الجانب الإيراني ومع فصائل محور المقاومة في سوريا، الأمر الذي سوف يرفع حُكماً من مستوى قدرات وإمكانيات وفرص أطراف محور المقاومة في أي مواجهة ضد الكيان الصهيوني.
انطلاقاً من هذه النقاط الضاغطة على “إسرائيل”، من الطبيعي أن ترى موسكو أن تل أبيب لن تستطيع تحمّل ومواجهة هذه التأثيرات والتبعات بسهولة، والتي سوف تنشأ على خلفية الإجراءات الروسية العملية إذا طبّقتها قريباً موسكو، في سوريا، وربما في أمكنة أخرى من المناطق التي تشكل خطوط مواجهة ضد “إسرائيل”، وحيث ترى موسكو أيضاً أن خصوصية وحساسية أمن “إسرائيل” وأمن احتلالها للأراضي العربية، هما أكثر أهمية بالنسبة إلى واشنطن من الموقف في أوكرانيا، وخاصة أن الضغوط التي تتعرض لها “إسرائيل” اليوم بمواجهة هبّة عمليات المقاومة الفلسطينية المتعاظمة، وبمواجهة الثبات والإصرار الفلسطينيين اللافتين، سيكون كل ذلك، إذا ما أُضيف إلى موقف روسي مؤيّد لهذه المقاومة المحقّة، مؤثراً وحاسماً ربما ضد “إسرائيل”.
وحيث ترى موسكو أيضاً أن لـ”إسرائيل” قدرة مزدوجة على التأثير في الموقف الأوكراني، أولاً في التأثير على الموقف الأميركي، ومن باب خطورة تطور الموقف الروسي ضد “إسرائيل” على موقع الأخيرة في الشرق الأوسط، وثانياً على السلطة في أوكرانيا وخاصة على الرئيس زيلينسكي، من باب كونه يهودياً وأقرب إلى “إسرائيل” من قربه إلى الناتو، والهدف الروسي من هذه المناورة يكون وبالتحديد: دفع الأمور، وبتدخل إسرائيلي، إلى سلوك أوكرانيا، وعبر توسيع نقاط التفاوض مع موسكو، نحو تسوية مقبولة، توافق عليها روسيا بعد أن تحقق لها الأساسي من مطالبها، وتؤدي في النهاية إلى إنهاء عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
الميادين نت