ميشال معيكي رساماً غنائياً وتجريدياً في «مسايا الأزمنة»
لم يكن الإعلامي والكاتب اللبناني ميشال معيكي غريباً عن الفن التشكيلي، فهو رافق رواد الحركة التشكيلية اللبنانية والفنانين الجدد والشباب عن كثب وكتب عنهم وحاورهم لا سيما تلفزيونياً خلال برنامجه «مسايا» الشهير(تلفزيون لبنان) وكذلك اذاعياً، علاوة على متابعته حركة الفن التشكيلي العربي والعالمي سواء عبر مشاهداته ام زياراته لبعض العواصم العربية والغربية وقراءاته.
ولكن لم يكن اصدقاؤه والذين قرأوا له او شاهدوه في برنامجه الثقافي او استمعوا الى برامجه الإذاعية يتوقعون ان يخفي وراء صورته المعلنة وجه رسام خاض تجربة الخط واللون سراً حتى تمكن من تخطي مبدأ الهواية الى عتبة الاحتراف. وهذا ما ندت عنه لوحاته الخمس والثلاثون التي قدمها في غاليري»اكزود» (الأشرفية) في معرض حمل عنواناً طريفاً هو»مسايا الأزمنة».
وبدا معيكي في هذه اللوحات المنفذة بمادة الإكريليك، رساماً يجرب ويبحث ويجد ما يبحث عنه في فضاء اللوحة وفي لعبة الألوان الصارخة والهادئة في آن، العاصفة والشاعرية، وفي التجريد الشكلي المشبع بالغنائية.
ولئن بدا معيكي متأثراً ببعض الفنانيين وبعض التجارب فهو سعى الى البحث عن لوحته الخاصة من غير ادعاء ولا افتعال. فهو طبعاً ابن الفن الحر وليس سليل الاحتراف الأكاديمي وهنا تكمن اهمية التجربة التي يخوضها جامعاً بين العفوية النضرة والوعي الداخلي والحدسي باللون والخط واللعب الناضج المنفتح على املاءات اللحظة الشعورية او الغنائية او حتى الفكرية.
وهكذا راح معيكي يفجّر مخزونه الفني والجمالي والعاطفي متكئاً على احساسه المباشر وعلى البعد الثقافي الذي يخفي وعياً تقنياً ومراساً او تمرساً في لعبة التلوين والتشكيل.
وجاء في تقديم الغاليري للمعرض: «يتجلى هذيان الألوان بتجـــريد يمنح النفس بهجة العودة الى الفطرة الأولى في اعمال الفنان ميشال معيكي العبثية في تطلعاتها التجريدية المنسوجة بضربات الألوان من خـــلال فرشاة تبحث عن السهل الممتـــنع، المرتبط بالحالة النفسية التي تنبثق منها ثقافات فلسفية تتجرد من الأشكال وتتلاحم معها في آن واحد.
يوحي معيكي للمتأمل في لوحاته بجمالية اللون ومعناه وقدرته على اختصار الأشياء، أي بإيجاز له معاييره الإيحائية التي يستخرجها من مكنون اللاوعي، وبعفوية تشكيلية تتناغم مع الخطوط اللونية وتدرجاتها البصرية، المشحونة بعبثية الوجود والمنصهرة مع ثنائيات حيوية لها جدليتها من حيث الشكل واللون والحركةـ والتضاد الفاعل الذي يتخذ منه جاذبية تجعل المتلقي لا يكف عن التساؤلات في ماهية اللوحة وبساطتها، وتجريداتها اللامتناهية مع الفراغات التي تشكل المعنى الحقيقي لعبثية الوجود التي يلجأ اليه في لوحات تتميز بالجمال السهل الممتنع.
لا شك في ان ميشال معيكي الكاتب والإعلامي دخل الفن التشكيلي من بابه العريض وبخـــطى راسخـــــة وعساه بدءاً من الآن سيمضي في لعبة الرسم الى المزيد من الانصهار والتجلي.
صحيفة الحياة اللبنانية