نتنياهو الخاسر الأكبر في حال فاز بايدن بالرئاسة الأميركية
عمد نتنياهو عام 2012 إلى إشهار دعمه للمرشح الجمهوري ميت رومني ضد الديموقراطي باراك أوباما، ثم دعم دونالد ترامب علناً في انتخابات 2016، وتجاهل الديموقراطيين طوال فترة ولايته.
تنبع قوة العلاقات الأميركية الإسرائيلية من قاعدة أن “إسرائيل” محل إجماع لكلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي المتحكّمين في السياسة الأميركية، وبذلك لا تتأثر العلاقات الأميركية الإسرائيلية جوهرياً بتعاقب الرؤساء على البيت الأبيض ولا بتغيّر الحزب ذي الأغلبية في الكونغرس الأميركي.
في السنوات الأخيرة، بدأ يظهر تغيّرٌ على تلك القاعدة، ولكن في إطار أن المعالجة السياسية الإسرائيلية للعديد من القضايا في ظل حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس محل إجماع لدى الحزب الديموقراطي.
ينظر الديموقراطيون إلى تدخل نتنياهو في الانتخابات الأميركية على أنه توسيع للفجوة القائمة بينهما. لقد عمد نتنياهو سابقاً إلى إشهار دعمه العلني للمرشح الجمهوري ميت رومني عام 2012 ضد الرئيس الأميركي الديموقراطي باراك أوباما، نتيجة معارضته لسياسة أوباما تجاه الملف النووي الإيراني، وموقف الإدارة الأميركية آنذاك من الإستيطان، بالإضافة إلى خطابه الشهير في الكونغرس الأميركي خلال عملية حشد معارضة داخلية ضد الرئيس أوباما داخل الكونغرس أزاء الإتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع إيران، ومن ثم دعم نتنياهو الرئيس دونالد ترامب بصورة علنية في انتخابات 2016، وتجاهل الديموقراطيين طوال فترة ولايته، وعمل على تعزيز علاقته بترامب.
ما سبق يطرح تساؤلاً حول طبيعة علاقة الإدارة الأمريكية المقبلة بالحكومة الإسرائيلية في عهد نتنياهو في حال فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية.
في البداية، ممكن تحديد ثلاث نقاط مفتاحية، تساعدنا في تشكيل رؤية استشرافية أكثر واقعية في إطار تحليل طبيعة علاقة جون بايدن بحكومة نتنياهو، وهي:
أولاً، بدأ يتشكل تيار يساري داخل الحزب الديموقراطي أكثر نقداً لـ”إسرائيل” عما سبق، خاصة تجاه قضايا تتعلق بالسياسات الإسرائيلية الإحتلالية في الأراضي المحتلة عام 1968، وخصوصاً في ظلّ الإستيطان الإسرائيلي الحالي. إذ يعتبر أصحاب هذا التيار ضمّ أراضي الضفة الغربية “للسيادة” الإسرائيلية قتلاً ونهايةً لطرح حل الدولتين الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى دعمهم غير المباشر لحملة ال B.D.S من خلال اعتبارها نوعاً من أنواع التعبيرعن حرية الرأي وغير المسموح مصادرته من خلال قوانين وتشريعات حكومية، الأمر الذي عبّر عنه البرنامج الإنتخابي للحزب.
ثانياً، شغل جون بايدن منصب نائب الرئيس طوال ثمانية سنوات فترة ولاية الرئيس باراك أوباما، التي تميّزت بالخط المعتدل مع إيران، بالإضافة إلى تراجع التدخل الأميركي في الشرق الأوسط على حساب الاهتمام بالشرق الأقصى وبحر الصين.
ثالثاً، من الواضح أن نتنياهو بات بالنسبة للديموقراطيين ورقة محروقة، لا يمكن الثقة به، مما سيؤثر سلباً على العلاقات في المرحلة المقبلة، لكن الأمر قد يختلف في حال تشكيل حكومة جديدة في “إسرائيل”.
سيعمل جون بايدن كأي رئيس أميركي سابق على الحفاظ على أمن “إسرائيل” الكامل، وضمان تفوّقها العسكري النوعي، وسيعمل على تدفق المساعدات الأميركية لها دون شروط، ولكن من المتوقع أن ينتهج خطاً مختلفاً عن سياسة ترامب بالنسبة لـ”إسرائيل” في بعض القضايا التي تميّز نظرة الحزب الديموقراطي التاريخية لكيان الاحتلال تحت قاعدة الأخ الكبير الذي يعلم مصلحة أخيه الأصغر.. فكيف سيكون سلوك وسياسة الإدارة الديموقراطية إذا فاز بايدن تجاه “صفقة القرن” والملف النووي الإيراني الذي يؤرق صناع القرار في “إسرائيل”؟
صفقة القرن والقضية الفلسطينية
صفقة القرن الذي قدّمها ترامب، رغم اعتقادنا أنها نتاج الفكر المؤسساتي الأميركي، أثبتت أنها أكثر من كونها خطة أميركية، لأنها ارتبطت مباشرة باسم ترامب ونتاجه، لشمولها قضية الضمّ، وقفزها عن حلّ الدولتين، الأمران اللّذان يحظيان بمعارضة داخل صفوف الحزب الديموقراطي، لذا من المتوقع ألاّ يكون بايدن متحمساً في تطبيق “صفقة القرن”، ومن الممكن تجاهلها إلى حد كبير.
بالتأكيد، بايدن لن يعيد السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب، ولن يقوم بالعودة عن أي إجراء تم تنفيذه في عهد ترامب في إطار “صفقة القرن” في الاتجاه الإسرائيلي، لكن من المتوقع جداً أن يوقف جون بايدن على المستوى الفلسطيني، معظم الضغوطات التي مارسها ترامب على الفلسطينيين للقبول “بصفقة القرن”، مثل إعادة الدعم المالي الأميركي للسلطة الفلسطينية، وفتح مكتب م.ت.ف (مكتب منظمة التحرير الفلسطينية) في واشنطن مجدداً، وإعادة الدعم المالي للأونروا “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين،” أو على الأقل تحت شروط ومعايير مقبولة بالنسبة للسلطة الفلسطينية.
أما على صعيد التطبيع العربي مع “إسرائيل”، من المتوقع أن يحافظ بايدن على عملية التطبيع العربي الإسرائيلي كورقة سياسية عند الحاجة، لكن لا نعتقد أنه سيمارس الضغوطات نفسها التي مارسها ترامب على الدول العربية للإعلان عن التطبيع مع “إسرائيل”، كون اتفاقيات التطبيع مع “إسرائيل” لا تمثل سوى عملية تمويه في توقيت انتخابي حساس بعد فشل أربع سنوات في إدارة السياسة الخارجية الأميركية في عهد إدارة ترامب.
في الملف النووي الإيراني
أوضحت تصريحات بايدن موقفه من قضية الملف النووي الإيراني، والتي ستُعتبر نقطة الخلاف المركزية مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، حيث أبدى بايدن استنكاره لانسحاب ترامب من الإتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى إعلان نيته إدارة المفاوضات مع إيران على أسس اتفاق جديد يراعي التغيرات المستجدة التي حدثت من لحظة التوقيع على الإتفاق الذي أُلغي. أبدى بايدن استعداده تطبيق الإتفاق في حال موافقة إيران للعودة له، ناهيك عن إعطاء إشارات عن نيّته إلغاء سياسة الضغط المتزايد من خلال العقوبات الخانقة التي يمارسها ترامب على إيران والذي أطلق عليها بايدن سياسة “الفشل الخطير”.
نتنياهو ومستقبله السياسي
بالتأكيد، إنّ الخاسر الأكبر من فوز جون بايدن هو نتنياهو وليس “إسرائيل” كدولة، نتنياهو السياسي الذي استغلّ علاقاته القوية بترامب كرئيس للولايات المتحدة الأميركية للحصول على هدايا سياسية من الطراز الثقيل، في توقيتات انتخابية في غاية الحساسية بالنسبة لمستقبله السياسي، في ظلّ قضايا الفساد الموجهة ضده. هذه الهدايا تبدأ من نقل السفارة الاميركية إلى القدس، وتمر بالاعتراف بهضبة الجولان السورية أرضاً تحت “السيادة” الإسرائيلية، إضافة إلى تأجيل الإعلان عن مضمون “صفقة القرن” عدة مرات خلال الفترات الإنتخابية التي كان من الممكن أن تؤثر سلباً على حظوظ نتنياهو الإنتخابية، وليس أخيراً اغتيال الفريق الشهيد قاسم سليماني قبل الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
أضف إلى ذلك احتمالية أن يردّ بايدن الصفعة لنتنياهو بسبب تدخله في الانتخابات الأميركية لصالح الجمهوريين، وأن يقوم بدعم أحد منافسي نتنياهو السياسيين بطريقة غير مباشرة، من خلال حرمان نتنياهو من ورقة العلاقات الدافئة مع البيت الأبيض، التي تؤثر سلباً على ثقة الجمهور الإسرائيلي في استمرار توليه منصب رئيس الوزراء في الحكومة الإسرائيلية.
الميادين نت