نتنياهو يجر إسرائيل نحو الهاوية..
ساعات قليلة ويبدأ بنيامين نتنياهو الفائز مؤخرًا في انتخابات “الكنيست” الإسرائيلي، بأولى خطوات تشكيل حكومته “المثيرة للجدل والقلق”، بعد أن حصوله على الضوء الأخضر من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، للبدء في هذه الخطوة الحاسمة والمصيرية.
ورغم أن الكثير من وسائل الإعلام العبرية والسياسيين والمراقبين داخل دولة الاحتلال وخارجها توقعوا منذ اللحظة الأول من فوز حزب نتنياهو بالانتخابات بـ”أيامًا سوداء” ستعيشها إسرائيل، بسبب توجهات وأفكار زعيم “الليكود” المتطرفة، وكذلك الشخصيات التي ينوي إدخالها للحكومة، إلا أن هناك من رسم أسوأ سيناريو سيمر على المنطقة بأكملها خلال فترة حكمه.
البعض توقع فتح حربًا جديدة وطاحنة مع قطاع غزة، بجانب اشتعال جبهة الداخل وارتفاع مستويات المقاومة في الضفة والقدس بعد تصعيد متعمد بأمر من نتنياهو، فيما ذهب آخرون إلى توجه نحو إشعال تصعيدًا ساخنًا على الحدود الشمالية مع حزب الله اللبناني، فيما رجح آخرون أن يقوم زعيم حزب الليكود باستفزاز إيران بضرب منشئاتها النووية، وهذا هو السيناريو الأخطر الذي تخشاه إسرائيل وتتجنبه منذ سنوات طويلة.
هذا الجدل الواسع سيستمر حتى بعد أيام وأشهر من إعلان نتنياهو تشكيل حكومته، فالتخوف من “الخطوات الصادمة والمفاجئة” من الحكومة “المتطرفة” التي ظهرت في ملامحها الأولى لم يقتصر على فلسطين والدول العربية وإيران، بل انتقل للحليف الأهم والأبرز وهو الإدارة الأمريكية التي عبرت صراحةً عن خشيتها من شكل الحكومة الإسرائيلية وتوجهاتها الجديدة.
مقامرة ستدمر إسرائيل
وأمس الجمعة أنهى الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ مشاوراته مع قادة الأحزاب الفائزة في الانتخابات الأخيرة، إذ أوصى 64 نائبا في الكنيست بتزكية زعيم الليكود بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة الجديدة، ومن المقرر أن يتسلم نتنياهو غدا الأحد كتاب تكليفه رسميا من هرتسوغ.
وستكون حكومة نتنياهو المرتقبة -وفق تكهنات- الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل نظرا للتحالفات المرتقبة مع الأحزاب الدينية المتشددة، خاصة احتمال ضمها إيتمار بن غفير اليميني المتطرف الذي كان عضوا سابقا في حركة “كاخ” المصنفة إرهابية.
وتثير مشاركة بن غفير في الحكومة المقبلة مخاوف شخصيات سياسية إسرائيلية بارزة على مستقبل إسرائيل.
ولعل آخر التحذيرات الإسرائيلية من حكومة نتنياهو المقبلة، ما تحدث به قائد أركان جيش الاحتلال الأسبق “غادي أيزنكوت” الذي انتخب عضواً جديداً للكنيست، فقال في مقابلة تلفزيونية الليلة على القناة “12” العبرية إن تعيين شخصية مثل “بتسليئيل سموتريتش” وزيراً للجيش تنطوي عليها مقامرة كبيرة على مستقبل أمن الكيان.
وعلّل ذلك لانعدام خبرة سموتريتش العسكرية وأنه خدم في الجيش لفترة قصيرة جداً ولا يمكنه إدارة التحديات الكبيرة التي يواجهها الكيان، مضيفًا “هذه مقامرة ليس فقط بسبب حقيقة قيامه بخدمة جزئية في الجيش ولكن لانعدام خبرته المهنية بهذا المجال، اطلعت خلال العشرين عام الأخيرة على أسلوب اتخاذ القرار في إسرائيل على المستوى الاستراتيجي، حسب رأيي فهو لا يملك المعرفة الأساسية للتأقلم مع التحديات الهائلة التي تواجهها المنظومة الأمنية”.
وفيما يتعلق بإمكانية تعيين زعيم حزب “القوة اليهودية” إيتمار بن غفير بمنصب وزير الأمن الداخلي قال أيزنكوت إن هذا التعيين بالغ التعقيد مبرراً ذلك بأن بن غفير بدون ضوابط ويطلق النار في جميع الاتجاهات وهو عاجز عن مواجهة التحديات، على حد تعبيره.
وأعرب عن قلقه من تعيين النائبين كونهما “يفتقدان لأدنى درجات الخبرة بهذا المجال ولديهما وجهة نظر خطيرة وفي حال كانا ينويان تحقيق ما وعدا به فتنتظر الشعب الإسرائيلي فترة ليست بالسهلة”، نافيًا الشائعات التي تحدثت عن إمكانية انضمام تحالفه إلى حكومة إسرائيلية مستقبلية برئاسة نتنياهو قائلاً إنه يفضل تحقيق نتنياهو لرؤيته بإدارة حكومة يمينية ومنحهم الفرصة لإدارة الأمور.
وعزا أيزنكوت، صعود اليمين الإسرائيلي لتأثير أحداث معركة سيف القدس في مايو/ أيار من العام الماضي داخل المدن المختلطة وميل المجتمع الإسرائيلي بعدها للتطرف وفقدانه الأمل بالتعايش وبالتالي انهيار أحزاب اليسار.
الأمر لم يتوقف عن تحذيرات “أيزنكوت”، بل أعرب كذلك الرئيس الإسرائيلي الأسبق “رؤوفين ريفلين”، عن خشيته على مستقبل إسرائيل بعد فوز تحالف اليمين في الانتخابات الأخيرة للكنيست، وقال في تصريحات نقلتها صحيفة “يديعوت احرونوت”: إن فوز اليمين بهذه التركيبة غير المسبوقة في تاريخ الكيان يشكل خطورة بالغة على مستقبل الكيان، مشيرًا إلى أن الانتخابات الأخيرة أفرزت فوز تحالف أحزاب اليمين معربًا عن قلقه الشديد إزاء انعكاسات ذلك على المجتمع الإسرائيلي وازدياد فرص الانشقاقات والشرخ الداخلي.
انهيار السلطة الفلسطينية
ويعتبر ريفلين من أشد المعارضين لعودة بنيامين نتنياهو لسدة الحكم؛ إذ سادت علاقات متوترة بين الجانبين خلال فترات حكم الأخير، سيما مع مطالبات ريفلين المتكررة بسن قانون يحظر ترشح من قدمت بحقه لائحة اتهام.
التخوف والتحذير من حكومة نتنياهو المرتقبة تجاوز حدود “دولة الاحتلال” فانتقل حتى حدود الحليف الأاهم والأبرز، فما زالت الولايات المتحدة تبعث برسائلها التحذيرية للاحتلال بشأن تركيبة الحكومة القادمة، وسط تسريبات عن تعيين متطرفين قوميين لمواقع وزارية مرموقة، ما سيترك تبعاته السلبية على العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، لاسيما في حال تحقق سيناريو حصول عضوي الكنيست بيتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على وزارات حساسة، بل إن التحذير الأمريكي وصل ذروته بالقول صراحة إن هوية وزير الحرب المقبل سيكون لها تأثير كبير على العلاقات الثنائية، وليس فقط العلاقات الأمنية.
وكشف باراك رافيد المراسل السياسي لموقع “واللا” العبري أن “إدارة بايدن، تتابع عن كثب السؤال حول من سيعينه نتنياهو وزيراً للحرب في الحكومة الجديدة، ويخشى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية من احتمال انتقال هذا المنصب إلى أحد قادة اليمين المتطرف، لاسيما سموتريتش، على اعتبار أن هذا المنصب هو المسؤول الأكبر عن إدارة العلاقة الأمنية العميقة مع الولايات المتحدة”.
وكذلك أكد السفير الأمريكي لدى إسرائيل، توم نيدس، أن الولايات المتحدة ستعارض بشدة أي تحركات من جانب الحكومة الإسرائيلية اليمينية المقبلة لضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة، موضحًا أنه سيعارض أي محاولة لضم مناطق بالضفة الغربية، زاعما أن “الولايات المتحدة ومعظم الدول العربية تعارض مثل هذه الخطوة”، وفق ما نقله موقع “i24” الإسرائيلي.
ونبه إلى أن “واشنطن ستعارض بشدة أي تحركات من جانب الحكومة الإسرائيلية المقبلة لضم مناطق في الضفة الغربية”، منوها إلى أنه على استعداد للعمل مع الحكومة الجديدة التي من المقرر تعيينها في الأيام المقبلة، برئاسة بنيامين نتنياهو.
والسلطة الفلسطينية ستكون كذلك أبرز المتضررين من هذه الحكومة المتطرفة، فقد أفاد مسؤول أمني إسرائيلي كبير، أن تعيين رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش لمنصب وزير الجيش، قد يؤدي إلى تصعيد خطير وحتى إلى تفكك السلطة الفلسطينية، جاء هذا بحسب متا نشرت هيئة البث العبرية الرسمية (كان 11).
وأضاف المسؤول، أن كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية نقلوا رسائل حول هذا الموضوع وقالوا، إنهم في الجانب الفلسطيني يخشون من السلطة والتفويض الواسع الذي سيكون لسموتريتش في أراضي الضفة الغربية.
من وجهة نظر الفلسطينيين، هناك خمس قضايا رئيسية يمكن أن تؤدي إلى مثل هذا السيناريو: تدريب وتجهيز لمدارس الدينية اليهودية في مستوطنة حومش، تجديد الاستيطان في أبتار، إخلاء الخان الأحمر، وضع التواجد الإسرائيلي الدائم في قبر يوسف في نابلس، وتجهيز عشرات المزارع والبؤر الاستيطانية في أنحاء الضفة الغربية كجزء من خطة الاستيطان الجديدة.
وقال مسؤول فلسطيني للمسؤول الإسرائيلي الرفيع نفسه إنه يشعر بخيبة أمل من الحكومة الأخيرة، التي قال إنها لم تقدم بشكل كافٍ المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين،
وقال: “كنا نتوقع أن تشرع حكومة التغيير في عملية جديدة، لكننا نشعر بخيبة أمل، من الأفضل أن نعود إلى الأيام عندما كان نتنياهو على رأس الحكومة، حينها على الأقل كنا نعرف ما يمكن توقعه، ما هو الأسود وما هو الأبيض “.
وطالب سموتريتش خلال محادثات تشكيل الحكومة، نتنياهو بحقيبتي الجيش أو المالية. وبحسب قوله “سأكتفي بواحد من الاثنين”.
هذا ويواصل نتنياهو اتصالاته مع شركائه المفترضين في التوليفة الجديدة، في مسعى للتوصل إلى تفاهمات بشأن توزيع الحقائب الوزارية، وقد التقى زعيم قائمة الصهيونية الدينية وزعيم حزب “يهدوت هتوراة” لليهود الغربيين، وإيتمار بن غفير رئيس فصيل “العظمة اليهودية” وعضو الكنيست.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن نتنياهو أبلغ زعماء الأحزاب التي ستشاركه الحكومة أنه يريد عرض تشكيلة حكومته، لنيل الثقة أمام الكنيست في أول جلسة له في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ويشار إلى أن لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية كانت قد أعلنت في بيان أصدرته في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن حزب الليكود -الذي يقوده نتنياهو- حصل على 32 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، في حين حصل حزب “يوجد مستقبل” -الذي يقوده لبيد- على 24 مقعدا.
وبذلك، حصلت كتلة نتنياهو المكونة من الليكود وشاس و”يهدوت هتوراة” والصهيونية الدينية على 64 مقعدا من أصل 120 المكونة للكنيست (البرلمان)، وحازت كتلة الحكومة الحالية بقيادة لبيد على 51 مقعدا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية