نكبة بيروت تعود بلبنان إلى دائرة الاحتجاجات العنيفة
نزل آلاف اللبنانيين السبت إلى شوارع العاصمة بيروت وساحة الشهداء للمطالبة بمحاسبة كل المسؤولين عن انفجار بيروت المروع الذي دفع إلى الشارع اللبناني إلى العودة للاحتجاجات بعد تراجع زخمها بسبب انتشار فيروس كورونا الذي فرض حظرا للتجول لأكثر من شهيرين.
وجاءت الاحتجاجات بعد دعوة نشطاء لبنانيون للتظاهر السبت في العاصمة بيروت التي اُعلنت مدينة “منكوبة”، تعبيرا عن غضبهم من رد فعل الحكومة على انفجار المرفأ الأسبوع الماضي، فيما لا تزال المدينة تشيع قتلاها وتبذل قصارى الجهود لاستيعاب حجم إعادة الإعمار.
ورفع المتظاهرون شعارات “ثورة، ثورة”، داعين على استقالة الطبقة السياسية كاملة وإعادة بناء لبنان جديد من القطع من الماضي، ومعاقبة كل المسؤولين عن الكارثة مهما كانت مكانتهم ونفوذهم بالدولة.
وذكرت مصادر إعلامية محلية أن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على متظاهرين بساحة الشهداء، فيما حدثت مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات مكافحة الشغب بالقرب من مدخل مجلس النواب الجنوبي في بيروت، وسط أنباء عن حدوث إصابات من الطرفين، في وقت يحاول فيه المتظاهرون اقتحام مقر البرلمان.
وحصد انفجار المرفأ الذي وقع يوم الثلاثاء، وهو الأكبر في تاريخ بيروت، أرواح ما لا يقل عن 160 شخصا وأصاب أكثر من 6 آلاف ودمر قطاعا من المدينة، فيما لايزال البحث عن عشرات المفقودين، علما وأن الكارثة جعلت كثيرا من اللبنانيين بلا مأوى.
ويشعر بعض السكان الذين يواجهون صعوبات لإعادة بيوتهم المدمرة إلى حالها، أن الدولة التي يعتبرونها فاسدة خذلتهم مرة أخرى. وخرجت احتجاجات لأشهر قبل كارثة الأسبوع الماضي اعتراضا على الطريقة التي تعالج بها الحكومة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
وقالت الطالبة الجامعية سيلين ديبو وهي تنظف بقع الدماء عن جدران المبنى السكني الذي تعيش فيه وتضرر بفعل الانفجار “ليست لدينا ثقة في حكومتنا أتمنى لو تتسلم الأمم المتحدة دفة الأمور في لبنان”.
وقال كثيرون إنهم لم يندهشوا على الإطلاق عندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحياءهم المدمرة قرب مركز الانفجار بينما لم يفعل ذلك زعماء لبنان.
وقالت ماريز حايك (48 عاما) وهي أخصائية نفسية دمر الانفجار منزل والديها “نحن نعيش في مركز الانفجار. أتمنى لو تتولى دولة أخرى شؤوننا. إن زعماءنا حفنة من الفاسدة”.
وكتب أحدهم على غبار غطى نافذة سيارة “الناس يقومون بعملكم.، ياللعار” في إشارة للزعماء اللبنانيين، فيما يبدو أن الاحتجاجات التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب تردي الأوضاع المعيشية وانقطعت بسبب فيروس كورونا، ستعود بزخم أكبر في وقت يتشبث فيه اللبنانيون برحيل الطبقة السياسية كاملة، محملين إياها ما آل إليه لبنان اليوم من أزمات متناثرة.
وقال رئيس الوزراء حسان دياب إن 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، وهي مادة تستخدم في صناعة الأسمدة والقنابل، كانت مخزنة لست سنوات في مستودع بالمرفأ دون إجراءات للسلامة.
وقال الرئيس اللبناني ميشال عون الجمعة إن التحقيق في الانفجار سيبحث أيضا إن كان ناتجا عن قنبلة أو أي تدخل خارجي آخر. وأضاف أن التحقيق سيبحث ما إذا كان الانفجار ناجما عن الإهمال أم قضاء وقدر، مشيرا إلى أن 20 شخصا جرى توقيفهم حتى الآن.
وتساءل بعض السكان عما إذا كان بمقدورهم في يوم من الأيام إعادة بناء حياتهم، فليس لدى بلال حسن سوى يديه ليحاول وهو يغالب دموعه أن يزيل الحطام في منزله الذي يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من موقع الانفجار. ومنذ الكارثة، ينام الليل على أريكة مغبرة بجوار شظايا الزجاج.
وعندما فر أبناؤه الثلاثة الجرحى وهم في سن المراهقة، للنجاة بحياتهم خلفوا وراءهم بقعا من الدماء على الجدران والدرج.
وقال حسن وهو يقف بجوار صورة محطمة له مع زوجته “ليس هناك ما بوسعنا فعله في الواقع. لا نملك تكلفة إعادة البناء ولا أحد يساعدنا”.
تهدر الجرافات عبر حطام المنازل المهدمة وبجوار صفوف طويلة من السيارات المهشمة فيما وقف جنود على جانب الطريق. ويسير في الشوارع متطوعون يحملون الجواريف للمساعدة في إزالة الحطام.
وقالت دانييلا شمالي إن منظمتها الخيرية، التي دمر الانفجار مقرها، قدمت مساعدات إلى 70 أسرة ممن شردتهم الكارثة، مضيفة “قدمنا مساعدة مبدئية لكن لا نعلم ما بمقدورنا فعله للأسر في المستقبل. الأمر يتطلب مشروعات كبرى”.
وقال مسؤولون إن الانفجار ربما تسبب في خسائر تصل إلى 15 مليار دولار وهذه فاتورة لا يستطيع لبنان تحملها بعد أن تخلف بالفعل عن سداد ديون تتجاوز نسبتها 150 بالمئة من الناتج الاقتصادي وفي ظل جمود محادثاته مع صندوق النقد الدولي.
ميدل إيست أونلاين