نهاية السلطــة
أربعة مسارات تؤدي السلطة عبرها مهامها
عدد الصفحات: 306 صفحات
تأليف: مواسيس نعيم
عرض ومناقشة: محمد الخولي
الناشر: مؤسسة بازيك، نيويورك، 2013
يعتبر هذا الكتاب دراسة تجمع بين العبرة المستفادة من الممارسات السابقة للسلطة، على اختلاف تعريفاتها وأوضاعها، وبين واقع السلطة الراهن، فضلاً عن محاولة استشراف مستقبل السلطة في المراحل المقبلة من هذا القرن الحادي والعشرين.
ويركز الكتاب الاهتمام بالذات على الأجيال الطالعة وعلى مواقفها الراهنة إزاء واقع ممارسة السلطة.
وفي هذا السياق يرصد الكتاب المتغيرات التي طرأت، وما برحت تطرأ، على مواقف وسلوكيات هذه الأجيال، التي نشأت في كنف المتغيرات الجذرية التي تجسدت بالذات في ثورة التقنية، وهو ما أتاح لأفرادها أن يصطنعوا ما يمكن وصفه بأنه «الواقع الافتراضي» (فيرتوال) بكل ما يتيحه أيضاً من متغيرات في نظرة الأجيال الشابة إلى السلطة وممارساتها المختلفة، وخاصة في ضوء ما يسجله هذا الكتاب من متغيرات طرأت على قيم هذه الأجيال ونظرتها إلى المستقبل، ومع تزايد حجمها العددي وارتفاع مستواها الصحي والثقافي المعرفي، ودينامية نزعة الحراك بين صفوف أفرادها، سواء بالهجرة الفعلية عبر الحدود أو بالهجرة الإلكترونية عبر أجواء الفضاء الافتراضي ومن خلال سبل التواصل اللحظي على المستوى الكوكبي في إطار ظاهرة العولمة.
من هنا ترصد فصول هذا الكتاب واقع المستجدات التي شهدتها، وما برحت تشهدها، الدولة القومية بكل ما تنطوي عليه هذه الظواهر من تحولات تنقل هذه الدولة من ممارسة السلطة أو السلطات التي عهدها الناس عبر عصور مختلفة، حيث يدعو الكتاب إلى ممارسة السلطة التي تقوم على أساس التوافق والتخلي عن الاستخدام لسلطة «الفرْض» لصالح استخدام سلطة «الإقناع» مشفوعة بطرح وإتاحة منظومات الحوافز والمكافآت، وعلى أساس اتباع مدونات مقنّنة لقواعد السلوك العام بما يتفق مع المتغيرات التي طرأت على عقليات الخاضعين لسلطة الدولة في شكلها الجديد.
في المعجم الإنجليزي تحار الأفهام أو تكاد في ترجمة واستيعاب مصطلح «Power»، ذلك لأن الكلمة تنصرف إلى معان مختلفة وتكاد تصدق على أغراض شتى، وإن جاء في مقدمة هذا كله المعنى الغالب وهو «القـــــوة»، وهي بدورها تمثل إشكالية من حيث أنها تنصرف إلى معنى «الهيلمان»، «الأبهة»، «الجاه» (مقابل المال)، «النفوذ»، «المَنَعة»، وما إلى ذلك.
بيد أن الأمر الغالب في هذا كله يمكن أن يتركز على معنى جوهري وهو «السلطــــة»، وهذا ما تتوقف عنده بالعرض والدرس والتحليل والاستشراف، فصول الكتاب الذي نعايش طروحاته في السطور التالية، بعد أن اختار له مؤلفه العنوان الرئيسي التالي: «نهاية السلطــة».
ولأن مؤلف كتابنا مثقف كبير وسياسي محنك وكاتب مقتدر، ويستند إلى ممارسة حافلة في عالم الصحافة والكتابة التحليلية إلا أنه لم يكد يسلم، في تصورنا، من تأثير ما سَبَق وأن ذهب إليه المفكر الأميركي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما.
وغير بعيدة تلك الحقبة التي طالع فيها «فوكوياما» جماهير القارئين في العالم بدراسته المحورية التي حملت عنوانها الشهير وهو «نهاية التاريخ».
كان ذلك في مطلع التسعينات من القرن الماضي، يومها عمد «فوكوياما» إلى رصد أحدث تطورات العالم على ضوء سقوط وزوال «الاتحاد السوفييتي»، ومن ثم اختتام الصراع السياسي ــ الأيديولوجي الذي ظل محتدماً على مدار 45 عاماً أو نحوها بين قطبي النفوذ في الشرق والغرب.
موضة النهايات
كانت تلك «نهاية» هذا الصراع، «نهاية» الحرب الباردة التي تصورها «فوكوياما» نهاية للتاريخ كما عرفه العالم بكل تطوراته وحروبه وإنجازاته وإخفاقاته على مدار سنوات القرن العشرين، بعدها أصبح مصطلح «نهاية كذا» أقرب إلى «الموضة» الشائعة في الخطاب السياسي ــ الفكري العام على مستوى العالم، ولم يسلم من اتباع هذا الاتجاه مفكرون وأكاديميون اختاروا لدراساتهم وإصداراتهم عناوين منها مثلاً «نهاية الإمبراطورية»، ولا سلم منها مؤلف كتابنا المفكر الأميركي وهو السياسي الفنزويلي السابق «مواسيه نعيم»، فيما سبق هؤلاء جميعاً المفكر الياباني كينيشي أوهماي، في دراسته المهمة الصادرة في منتصف التسعينات بعنوان له دلالته التي لا تخفى وهو «نهاية الدولة القومية».
إنها الدولة التي عرفناها ولا نزال نعيش جميعاً في كَنَفها وتحت سلطانها منذ أن اصطلح العالم الحديث على تأسيسها وعلى أسلوب إدارتها للمجتمع البشري، في أعقاب حروب ضروس طال أمدها في أوروبا، وانتهت بميلاد «الدولة القومية» من خلال توقيع وصدور معاهدة «وستفاليا» في عام 1648.
من هنا يتفق الأكاديمي الأميركي المرموق جون أكنبري مع ما يذهب إليه مؤلف كتابنا من أن ثمة ظواهر حالّة (بتشديد اللام) في الوقت الراهن تشهد بالتحول من كيان الدول إلى فعاليات اللادول أو من نفوذ سلطة المؤسسات إلى نفوذ أو سلطة الشبكات وما في حكمها من كيانات بديلة تشهدها لحظتنا الزمانية الراهنة، فيما تشهد تناميها وانتشارها مع تزايد ما أصبحت تتمتع به من تأثير وفعالية ونفوذ.
انحدار القوة
هي ظاهرة يطلق عليها مؤلف هذا الكتاب الوصف التالي: «انحدار القوة»، بمعنى تضاؤل السلطة كما يعرفها العالم وتدهور النفوذ، والمؤلف يحاول تبرير أو تكييف هذا التضاؤل لنفوذ الدولة كما نعرفها، فيقف بنا كقارئين عند محاور أساسية يمكن أن نترجمها في «الحاءات» الثلاث التالية:
(1) حجم أكبر
(2) حراك أسرع
(3) حالة ذهنية فكرية أحدث
الحجم الأكبر هو الترجمة التي ما برح العالم يشهدها من حيث تزايد عدد المهتمين بالشأن العام واتساع مطالبهم، ومن ثم ضغوطهم على مؤسسة السلطة المتمثلة بداهة في الدولة بكل مرافقها وفروعها وهيئاتها ودوائرها الحاكمة، وبشكل يخرج أحياناً عن نطاق السيطرة وقدرة الدولة، مع اختلاف مؤسساتها وفروعها، على تلبية تلك المطالب المطروحة في تزايد لا يمكن أن تحده حدود في بعض الأحيان.
الحراك الأسرع يصدق على حركة الناس والأفكار على السواء، فالأجيال الراهنة والمتطلعة التي بدأت تطرق في زماننا الراهن أبواب الاهتمام بالشأن العام لم تعد تقنع بجدوى السكون أو الهدوء أو الركون إلى الاستقرار بقدر ما أصبحت في حال من القلق المستمر والتوجس المتواصل والتطلع دون توقف إلى زمان مختلف عما سبق إليه الآباء، وإلى مكان مختلف بمعنى واقع مختلف عما درجوا عليه في مراحل سبقت.
وليس أصدق على ظاهرة اتساع هذا الحراك من حكاية «الواقع الافتراضي» (فيرتوال) الذي أصبح ساحة افتراضية بحكم التعريف تجوس في أنحائها وترتاد تخومها وربوعها أجيال الشباب من الجنسين وفي سياحة تقرن الماضي بالحاضر وتجتاز كل الفواصل والحدود عبر حواجز اللغات والثقافات والخصائص الأثنية والتقسيمات الاقتصادية والطبقية كي تجسد ما أصبح العالم يسلّم بوجوده وتأثيره تحت العنوان المعروف: العولمة.
أما الحالة الفكرية المستجدة والوضعية الذهنية الأحدث عهداً والأوسع طموحاً واستشرافاً فيتعامل معها كتابنا من منظور ما طرأ في زماننا الحالي من تحولات على طموحات الناس وعلى الأفكار التي يصدُرون عنها، وبحيث لم يعد أحد وخاصة في الجيل الطالع – يأخذ شيئاً، أي شيء، مأخذ التسليم بغير مناقشة، أو دون أخذ وردّ، ولا عاد أي منهم يعتبر نفسه جزءاً ممن يصفهم مؤلفنا بأنهم «الجمهور الأسير» بمعنى الجماعات التي يخلب لبها، أو تقع بالانجذاب أو الافتتان تحت تأثير فكرة خلابة أو دعوة بالغة الروعة أو شخصية آسرة كاريزمية على نحو ما أصبح الكثيرون يرددون، إلى حد المبالغة غير الراشدة أحياناً، دون إدراك علمي لكل الشروط التي سبق إلى تعدادها المفكر الألماني الأشهر ماكس فيبر (1864- 1920) حين طرح على الفكر السياسي العالمي مصطلح «كاريزما» مع مطالع القرن العشرين.
بين السهولة والصعوبة
المهم أن هذه المتغيرات التي رصدها مؤلف كتابنا شملت كذلك تحولات طرأت على طموحات الناس وتوقعاتهم وعلى القيم التي يعتنقونها، والحاصل بالتالي أن هذه الظواهر الثلاث من التحولات المستجدة في زماننا هي التي أدت، في حال من تشابكها وتفاعلها، إلى وضعية تلخصها كلمات مؤلف الكتاب كما يلي: لقد جَعلْت السلطة «أسهل» من حيث نيْلها، ولكن «أصعب» من حيث استخدامها، ومن ثم «أيسر» من حيث فقدانها.
لكن من باب الاحتراز يستدرك كتابنا، موضِّحاً أن هذه التصورات التي يتوقعها المؤلف ليس معناها بحال من الأحوال نهاية الدول بشكلها الحالي الذي نعرفه، ولا نهاية مؤسساتها العسكرية في إطارها المتعارف عليه، ولا نهاية المشاريع أو المؤسسات الاقتصادية الكبرى بكل فعاليتها النافذة على صعيد الاقتصادات الوطنية والنظام الاقتصادي العالمي، ولا نهاية المؤسسة الدينية ــ العقيدية على اختلاف مناهجها ومذاهبها من الكنيسة إلى المسجد إلى الهيكل إلى المعبد.. إلخ.
لكن بعد هذا التحوّط المنهجي، كما قد نسميه، يعود كتابنا إلى مقولاته المحورية، موضحاً أن هذه المؤسسات ما برحت قائمة في مجتمع البشر، إلا أن الكتاب يتوقع أن تواصل مهامها، ولكن عبر طريق محفوف بالمصاعب والقيود والعراقيل وبما يجعل مراكزها ومواقعها ونفوذها في حياة هذا المجتمع البشري أقل استقراراً وتأميناً عما درجت عليه في سالف الأيام.
من هنا يرى المؤلف أن نفوذ هذه المؤسسات الأصيلة في حياة الناس لن يتمثل مستقبلاً في «قدرتها على السيطرة» على نحو ما درجت عليه في الماضي، ولكن في «قدرتها على الإقناع».
رأي اقتصادي مرموق
هنا يتراءى لمفكر اقتصادي مرموق هو روبرت زوليك، الرئيس السابق للبنك الدولي، أن يطرح سؤالاً بالغ الأهمية، على نحو ما فعل في مقال نقدي لهذا الكتاب والسؤال هو: هل معني هذه التطورات التي تعرض لها فصول الكتاب أن شحوب السلطة وتضاؤل نفوذ الدولة -القومية كما نعرفها- أنها تفضي إلى عالم أفضل – إلى «يوتوبيا» القرن الواحد والعشرين على سبيل المثال؟
في هذا المضمار لا يتورع روبرت زوليك (جريدة وول ستريت جورنال، عدد 14\3\2013) عن الاتفاق مع ما تذهب إليه الفصول الأخيرة من الكتاب، وخاصة ما يتعلق بالتحذير من التحول من سلطة الدولة إلى سلطة ونفوذ أو هيلمان فعاليات اللادولة – يمكن أن يجلب معه أخطاراً يحذّر المؤلف من مغبتها، ومنها مثلاً تجمعات الرفض الدائم لأي قرار أو أي مسار بغير روية ولكن بمنطق الاعتراض على طول الخط، وهو ما يطلق عليه المؤلف مصطلحاً مبتكراً هو : «فيتوكراسي»
والمعنى أنه فيما تعرف «الديموكراسي» في اشتقاقها اليوناني بأنها الديمقراطية أي – حكم «الديموس» أي حكم الجماهير أو حكم الشعب، فإن «الفيتوكراسي» هي في مصطلح مؤلف كتابنا حكم «الفيتو» أو حكم الاعتراض أو الرفض أو النقض الذي لا ينجم عنه سوى تعطيل المصالح وإعاقة المسار.
وبالمقياس نفسه، يحذر المؤلف أيضاً من السياسات التي تعتمد التطرف والغلو منهجاً وأسلوباً، وهو ما يحول دون التوصل إلى أي توافق يفضي بحكم التعريف إلى تحقيق مصالح الجموع، فيما يحذر أيضاً من أن يفضي تهاوي السلطة إلى حال أقرب إلى الفوضى التي تعد ساحة ترتع في جنباتها قوى اللادولة سواء لتحقيق مصالحها الفئوية أو لممارسة أساليب التجارة والأنشطة الاقتصادية غير المشروعة أو لمجرد الركون إلى حال أقرب إلى الفوضى أو اللانظام.
لهذا تركز فصول الكتاب على تذكير القارئ بأهمية الإحالة المستمرة إلى ما يطرحه المؤلف في تعريفه لمعنى السلطة، حيث يقضي هذا التعريف بما يلي:
السلطة هي القدرة على توجيه، أو الحيلولة دون توجيه، ما يحدث في الحاضر وما يتوقع حدوثه في المستقبل، والسلطة لا يمكن أن تؤدي هذه المهمة إلا من خلال أربع مسارات للعمل تتلخص في:
(1) التهديد باستخدام القوة
(2) اتباع قواعد مقننة للسلوك المقبول
(3) القدرة على الإقناع
(4) توافر الحوافز الدافعة للعمل وإتاحة إمكانات الإثابة
من هنا يرى المؤلف أن استخدام أساليب القمع أو التعنّت أو الإكراه في ممارسة السلطة لم يعد مقبولاً في عصر تزايدت فيه أعداد الناس، البشر الذين أصبحوا ينعمون برعاية أوفر وحالة صحية أفضل، فضلاً عن مستويات ثقافية وآفاق معرفية أوسع مدى وأكثر عمقاً، وبحيث أصبح من حقهم أن يعيشوا في ظل نظم للحكم والإدارة تتصف بالمزيد من الشفافية والأقل القليل من نزعة الفرض أو القمع أو مركزية القرار.
وصايا الحكم الرشيد
والحاصل أن يوصي الكتاب قرب نهاية طروحاته بأن يحلّ محل هذا الأسلوب – من الفرض أو السيطرة القمعية أسلوب آخر يراه المؤلف تجسيداً معبراً عما أصبح يعرف في القاموس السياسي الدولي الحالي بأنه «الحكم الرشيد».
هنا يوضح الكتاب أن «الحكم الرشيد» لا يحتاج باستمرار إلى الاستخدام المباشر والمتواصل لـسلطة الدولة أو «شوكة» الدولة (على حد تعبير المفكر المسلم عبدالرحمن بن خلدون) هنا أيضاً يتصور مؤلف الكتاب أن بوسع قادة الدول في عصرنا أن يعتمدوا على أساليب ودوافع وربما جواذب أخرى، ومنها مثلاً استخدام حوافز السوق وتلبية طموحات وتطلعات الأفراد (المشروعة بطبيعة الحال) وتشجيع روح التجديد والابتكار الشخصي وهو ما يكفل، في تصورات المؤلف، ربط الفعاليات الخاصة بالأهداف العامة.
وعلى المستوى الدولي، وعلى غرار هذه المساعي للربط بين مصالح الشأن الخاص ومصالح الشأن العام، يحثّ المؤلف قادة دول العالم على أن يستحدثوا من الأطر السليمة والمبتكرة ما يكفل تحديد المصالح المتبادلة – المشتركة لتلك الأقطار وشعوبها.
في السياق نفسه يحيل المؤلف إلى التاريخ الأميركي وبالذات إلى رئيسهم الأشهر إبراهام لينكولن (1809-1865) وبالتحديد إلى مشهد من الفيلم الذي نال أخيراً جائزة الأوسكار باعتبار أن «لينكولن» مازال يحمل لقباً أثيراً في عامود الثقافة السياسة الأميركية وهذا اللقب هو: المحرّر العظيــم، لأن هذا الرئيس الزعيم ينسب إليه الفضل في إصدار مرسوم «تحرير العبيد» بعد أن ظل يناضل كي يصدر التعديل الثالث عشر للدستور الأميركي، وبموجبه تم إنهاء نظام الاسترقاق الذي طالما رسفت في أغلاله أجيال من الأفارقة السود المجلوبين إلى الأرض الأميركية على متن سفن الشقاء من القارة الإفريقية العذراء، يومها لجأ «لينكولن» إلى «سلطة» الدولة التي يتمتع بها كرئيس وأرسل مقولته التاريخية: «أنا رئيس الولايات المتحدة، ومن ثم فأنا أتشح برداء من السلطة الهائلة».
برغم هذا كله، ورغم حكاية «رداء السلطة الهائلة»، ورغم كفاح «لينكولن» لصدور التعديل رقم 13 للدستور، إلا أن ذلك ما لبث أن تحول إلى حالة من النكوص أو الانحسار، حيث ظلت فئات من مواطني أميركا البِيض تمارس أسوأ أنماط التمييز العنصري بحق السود المفروض أن حررتهم جهود «لينكولن» ولدرجة أن ظل الكفاح المرير متواصلاً من خلال «حركة الحقوق المدنية» التي استوجبت معاناة وتضحيات بل ومآسي رهيبة لم يكن أقلها اغتيال الزعيم الأسود مارتن لوثر كنغ في منتصف ستينات القرن العشرين.
كان هذا درساً مستفاداً يمكن تلخيصه من واقع كتابنا في سطور تقول: إن محك الاختبار بالنسبة للقادة والزعماء هو قدرتهم على توزيع وممارسة السلطة، في حدود العقبات التي يصادفونها في حاضرهم، وبهدف صياغة وتشكيل ما ستؤول إليه الأوضاع في مستقبل الأيام.
المؤلف في سطور
السيرة الشخصية لمؤلف هذا الكتاب تعكس عدداً من التحولات والمتغيرات اللافتة للنظر.
فالبروفيسور مواسيس (أو مواسيه) نعيم، مولود في ليبيا في عام 1952 ويحمل جنسية فنزويلا التي نشأ في مجتمعها الهسباني، وعمل في أكبر مؤسساتها الأكاديمية أستاذاً وعميداً في «معهد الدراسات العليا للإدارة» في العاصمة كاراكاس.
أما البُعد الأميركي في هذه السيرة الشخصية للمؤلف فيتصل بموقعه كمدير لمشاريع الإصلاح الاقتصادي بأميركا اللاتينية في مؤسسة «كارنيغي» الأميركية للبحوث والسلام الدولي، إضافة إلى فترة الخدمة الوظيفية التي أمضاها المؤلف بموقع المدير التنفيذي في «البنك الدولي للإنشاء والتعمير» في العاصمة الأميركية واشنطن.
وكان المؤلف قد حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من مؤسسة علمية مرموقة في الولايات المتحدة وهي معهد «ماساشوستس للتكنولوجيا» (إم. آي. تي) وبعدها واصلت مسيرته تحولاتها، حيث تولى منصباً رفيعاً في كاراكاس وزيراً للتجارة والصناعة، ثم وزيراً للتنمية خلال ولاية الرئيس الفنزويلي الأسبق كارلوس أندريز بيريز، ثم شاءت هذه التحولات أن تفضي بالمؤلف إلى احتراف مهنة العمل الصحافي، حيث كان كاتب العمود الرئيسي في جريدتي «البايس» و«لا ريببليكا» الناطقتين بالإسبانية، وإن عرفته جماهير قراء الإنجليزية حين نشر مقالاته كمفكر اقتصادي في جريدة «فاينانشيال تايمز» إلى أن تولى موقع رئيس تحرير مجلة «السياسة الخارجية» (فورين بوليسي) على مدار 14 سنة، نشر خلالها عدداً من الكتب، كان أشهرها كتابه بعنوان «غير المشروع: كيف قام المهربون والمروجون والغشاشون باختطاف الاقتصاد العالمي»، وقد ترجم ذلك الكتاب إلى 18 لغة.
صحيفة البيان الأماراتية