نيسان شهر الذكريات

 

تعاودني في ” نيسان” مع إقتراب عيد الجلاء أحلى الذكريات إذ أتذكر فيه كيف كان لنا عيد وطني شعبي حقيقي في زماننا الرمادي الذي وئدت فيه أعيادنا إلا عيد الجلاء في السابع عشر من نيسان !.

أتذكر كيف كانت دمشق بأسرها تنهض من نومها مع الفجر و يتسابق أفراد الأسرة نساء و رجالا و أطفالا في إرتداء ملابسهم للخروج مبكرين و هم يحملون زوادة الطعام لنهار كامل مستعجلين في إتجاه ضفاف “بردى ” كي يجدوا لهم مكانا يشرف على العروض الإحتفالية التي سوف تمر في شارع شكري القوتلي عند الساعة العاشرة ، فإذا و صلوا وجدوا أن الذين سبقوهم يكادون يشغلون الأمكنة كلها مع أنه ما يزال أكثر من خمس ساعات على إبتداء العرض العسكري فالشعبي من بعده . فإذا بدأ العرض صار لكل المواطنين تقريبا المتزاحمين على الطرف الأعلى للشارع و كأنما هو عرض يخص الواحد منهم شخصيا فإذا به يصرخ عاليا و هو ينادي أحد الجنود أو الضباط المشاركين في العرض و هو ينبه أقرباءه المتحفزين للفرجة إلى جانبه أن أحد أقربائهم يشارك في العرض فتستجيب الأسرة كلها للنداء و يشرعون بالصراخ باسم العسكري قريبهم و هم يصفقون و كأن العرض العسكري قد بات عرضا عائليا..

و أتذكر في هذه المناسبة أيام الإنتخابات للمجلس النيابي عام 1954 بعد عام من سقوط الحكم العسكري الديكتاتوري و الإستعدادات للإنتخابات المفتوحة لكل الأحزاب الوطنية – حتى الحزب الشيوعي – لأول مرة في تاريخ البلاد و أتذكر على الأخص في هذا السياق خالد العظم هذا الرجل الوطني الذي نال أعلى عدد للأصوات و الذي كان معروفا بخدماته وسعة أفقه كأفضل رئيس للوزراء مر على البلاد و كان قادرا بحق لو تركوه يعمل بحرية أن ينهض بسوريا إلى مصاف الدول المتقدمة غير أن العسكر الإنقلابي مع الأسف الشديد لم يسمحوا له بالعمل كما كان يريد بل غضبوا عليه فغادر البلاد منفيا و مات خارج وطنه .

أتذكر كل هذا مع إقتراب عيد الجلاء في اليوم السابع عشر من نيسان و أنا أحلم أن يسترد بلدنا الحبيب تقاليده الديمقراطية وأن تنهض دمشق لتسابق عصرها مبكرة كي تحتفل بشوق شمس عيد الجلاء الذي يبدو في هذه الأيام العسيرة  كأنه يوما عاديا فقد صفة الأعياد.

فيا إلهي أين أنت الأن أيها العيد المجيد و أين إحتفالاتك الكبرى و الأفراح الشعبية التي كانت تهب لها البلاد بأكملها ؟!.

أتذكر نيسان ربيع دمشق و سجناء الرأي الذين ما يزالون يعانون في سجونهم و أنا أهتف أطلقوا سراحهم في نيسان أيها السادة الأكارم …و لكن هيهات…!!

يالنيسان ! ياللشهر الجميل ! كم من ذكريات حلوة أو مرة تعاودني فيه !!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى