هاقد قبضت ابنتي راتبها الأول!

“اطمئن!”

هذا ما قلته لنفسي قبل أسابيع، فقد تخرجت ابنتي أكّاد وستتخرج الثانية جالا بعد أسابيع، وهذا يعني أن آخر الواجبات الهامة في حياة أسرتي قد نُفّدتْ، وأن بإمكانك أيها الإنسان أن ترحل عن هذه الدنيا متى يشاء الله مطمئنا إلى حال ما بعدك، فما قبلك لم يطمئنوا على حالك عندما رحلوا عن هذه الدنيا!

الأسئلة تكبر في بلادنا على صعيد هموم الأسرة وقلق الآباء تجاه الأبناء، فالأب والأم لا يطمئنان إلا عندما يتخرج الابن أو الابنة من الجامعة، ثم ينشأ قلق جديد، يتعلق بالعمل، ثم قلق يتعلق بالزواج، ثم قلق آخر يتعلق بالأحفاد، ثم هناك من يتمنى أن يتزوج حفيده وهو حي لتقر عينه بولد الولد!!

السلسلة توحي أن التماسك في الأسرة يبدأ مع الولادة وينتهي مع الموت، وهذا مايميز الأسرة في الشرق، هي أسرة تقوم على الترابط الروحي والعضوي وحتى الاقتصادي، وقد يظن بعضهم أن هناك استثناءات ، ومع ذلك: التماسك يبقى وإن اختلفت درجاته!

الحياة ستستمر..

ليس مهما أبدا أن تفكر أيها الإنسان بجمع كنز لمن يأتي بعدك، فالحياة ماكينة كل مافيها مرتب على البقاء والاستمرار، وما عليك إلا أن تضع ابنك على السكة . وتضعه عليها عندما تعلمه، وعندما تقوم بتربيته تربية حسنة ..

وهناك محطات في العلاقة بين الآباء والأبناء: واحدة تتعلق بذكرى الولادة، وأخرى تتعلق بالمدرسة، وثالثة تتعلق بالزواج .. لكن هناك محطة لفتتني كثيرا، وجعلتني أشعر من خلالها بمشاعر لم أعتد عليها من قبل، وهي تتعلق بشعور الأب بمعنى أول راتب أو أجر يجنيه ابنه بعد تخرجه من الجامعة ودخوله معترك الحياة، وماذا يفعل الابن بأول راتب أو أجر يقبضه بعد أن يتخرج، وأين يكون موقع الأسرة منه؟!

ذلك هو السؤال الذي أريد أن أجيب عليه من خلال ما تركته الأيام في ذاكرتي، فعندما قبضتُ أول راتب في حياتي أعطيته كاملا لأبي، فأخذه بترحاب، وأحسستُ وأنا أراقبه بالسعادة تغمره لا لأنه شعر أنني أصبحت رجلا ومنتجا، بل لأنه ربما كان بحاجة إليه في زمن صعب وقاس غير هذا الزمن الذي نعيش فيه..

وسألت نفسي : ” كيف ستتكرر الصورة معي، وقد أصبحتُ أبا؟!”

عندما تخرجت ابنتي من الجامعة، والتحقت بعملها، راقبت تلك اللحظة التي تعيد نفسها بطريقة أخرى، فعندما استلمت أول راتب لها بعد التخرج، اشترت هدية للبيت، والهدية عبارة عن كمية من الفواكه الغالية التي لانأتي بها عادة، ثم قدمت لشقيقتها مبلغا من المال كانت وعدتها به، ثم صمتت ، وانتهى الأمر !

استلقيت على سريري أفكر بما حصل ..

شعرت باطمئنان غريب . فقد أضحت ابنتي قادرة على مواجهة الحياة، وكذلك ستفعل الأخرى، أما نحن، فبإمكاننا أن نرحل عن هذه الدنيا متى يشاء الله ، فدورة الحياة لابد أن تستمر !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى