هل أنهت قمة طهران مغامرة إردوغان في سوريا أمّ أنه ماضٍ بها؟
ما استجد بعد قمة طهران الثلاثية الأخيرة، بحضور الرئيسين الروسي والتركي وبضيافة الرئيس الإيراني، أن الأمر ظهر، وخاصة بعد بيان القمة النهائي، وبعد ما كُشف عنه من مباحثات خلالها، أن العملية التركية في سوريا تأجلت، أو حتى تم إلغاؤها نهائياً.
عندما كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتكلم مؤخراً، بجدية وبثقة، عن قراره النهائي بتنفيذ عملية أمنية – عسكرية في شمال وشمال شرق سوريا، لإكمال ادعائه بتنفيذ حزام أمني لحماية الداخل التركي من “الإرهابيين ” ( حزب العمال الكردستاني والمجموعات الكردية القريبة منه)، بدا الأمر حينها وكأنه سوف ينفذها حتماً، وبأنه ماض في العملية مهما كانت الظروف والمستجدات، ورغماً عن كل المعترضين على العملية.
في الواقع، هناك أكثر من سابقة حول عمليات تركية في شمال وشمال شرق سوريا، مثل عمليات ” درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام “، والعمليات الثلاث نفذتها الوحدات التركية حينها، رغم الاعتراضات الواسعة ومن أطراف فاعلة، دولية وإقليمية، مثل الروس والإيرانيين وبعض الأوروبيين، ولم يأخذ حينها إردوغان بعين الاعتبار تلك المعارضات، مع تفهمه حينها لبعض ملاحظات تلك الأطراف، وبالتحديد الملاحظات ذات الطابع الإنساني، الأمر الذي يرفع اليوم من نسبة إمكانية ذهابه حتى النهاية في العملية المرتقبة في سوريا.
ما استجد بعد قمة طهران الثلاثية الأخيرة، بحضور الرئيسين الروسي والتركي وبضيافة الرئيس الإيراني، أن الأمر ظهر، وخاصة بعد بيان القمة النهائي، وبعد ما كُشف عنه من مباحثات خلالها، أن العملية تأجلت أو حتى تم إلغاؤها نهائياً، خاصة أن الرئيسين الروسي والإيراني كانا دائماً من معارضي التدخل التركي في سوريا، السياسي والعسكري، إذ يعدان (الرئيسان الروسي والإيراني) ربما، الوحيدين في العالم كداعمين جديين وعمليين للدولة السورية، فكان التحرك الميداني للجيش العربي السوري، والذي سبق قليلاً بقسم منه القمة، وتزامن القسم الآخر منه مع انعقادها، باتجاه مناطق حدودية تنتشر فيها وحدات تركية، مؤشراً لافتاً يوحي باستبعاد السير التركي بالعملية، خاصة أن هذا التحرك الميداني للجيش العربي السوري، جاء إلى مناطق حساسة مثل منبج وتل رفعت وعين العرب وعين عيسى، و التي تعدّ أساساً، الأهداف الأهم بالنسبة إلى العملية التركية المرتقبة.
طبعاً، هناك الكثير من المعطيات والأسباب الجدية أيضاً، تجعلنا نضع هذه العملية في مستوى معقد وصعب التنفيذ، وربما أكثر من كل العمليات التي نفذتها تركيا حتى الآن في سوريا، وهذه المعطيات والأسباب يمكن تلخيصها بالتالي :
في البعد العسكري:
قد يكون الجيش العربي السوري اليوم في أرفع جهوزية ميدانية وعسكرية، مقارنة مع تلك التي كانت لديه في أثناء تنفيذ تركيا للعمليات الثلاث السابقة: درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فهو اليوم، وباستثناء بعض التوترات الأمنية في درعا، والتي يبدو أنه قادر على السيطرة عليها، جاهز ويتمتع بقدرة تدخل ومواجهة مرتفعة، بالإضافة إلى القرار الوطني بمواجهة الاحتلال والاعتداءات التركية، وتحركاته الأخيرة شمالاً، وطريقة انتشار وحداته في المواقع الحساسة، والتي تشكل نقاطاً مفصلية لأي عملية مدافعة أو مواجهة قتالية، ضد الوحدات التركية مباشرة، أو ضد المجموعات المسلحة التابعة لها، تؤكد هذا المستوى المرتفع من الجهوزية القتالية والعسكرية والميدانية.
من الناحية العسكرية، التي أيضاً لها بعد استراتيجي، يمكن وضع زيادة الانتشار الروسي مؤخراً في شرق سوريا، وخاصة في الحسكة والقامشلي، ونشر قدرات جوية روسية في تلك المنطقة، والتي هي الأكبر حتى الآن منذ بدء الوجود الروسي العسكري شرق سوريا، في إطار تقوية جبهة المدافعة والتدخل للجيش العربي السوري بمواجهة العملية التركية المرتقبة، وبالتالي، فإن هذه النقطة الحساسة ( زيادة الانتشار الروسي )، تعقّد وتصعّب الوضع أكثر وأكثر على الوحدات التركية، إذا تدخلت الأخيرة مباشرة، وطبعاً سيكون الأمر أصعب بكثير على المجموعات المسلحة التي سوف تُطلقها تركيا في العملية المرتقبة.
في البعد الوطني السوري:
قد تكون أيضاً اليوم، العلاقة المتقدمة أكثر بين الجيشين العربي السوري وأجهزته الاستخبارية من جهة، وبين مجموعات سورية، كردية أو عربية، من التي لها نفوذ غير بسيط في الشرق السوري، وخاصة بعض العشائر، نقطة إيجابية لمصلحة معركة هذا الجيش في الدفاع ومواجهة أي عملية تركية مرتقبة، وخاصة أنه ظهر بعض التباين مؤخراً بين مجموعات كردية فاعلة في الشرق السوري، على خلفية نصيحة روسية لفتح باب التواصل أكثر مع القيادة السورية، وإمكانية تسليم الدولة والجيش مناطق حدودية وصلاحيات ونفوذاً أكبر، ليكون الأمر نواة حل، يؤخر أو يلغي العملية التركية المرتقبة.
في البعدين الروسي والإيراني:
قد يكون أيضاً اليوم، الموقفان الروسي والإيراني في موقع ٍ أكثر تشدداً من السابق، حيث يعارضان بشدة ولا يسمحان لأي تغيير ميداني في شمال وشمال شرق سوريا، يعيد مستوى نفوذ الدولة السورية وسيطرتها إلى الوراء، بعد أن كانت الأخيرة قد رفعت من مستوى هذا النفوذ رويداً رويداً، رغماً عن الدور الأميركي السلبي في عرقلة ذلك، و الذي يحصل عبر اتجاهين، الأول عبر “قسد” ومشاريعها المدفوعة والموجهة أميركياً، والاتجاه الثاني وهو الأخطر، عبر إطلاق “داعش” والمجموعات الإرهابية الأخرى ودفعها وتوجيهها وتقويتها، انطلاقاً من قاعدة التنف المحتلة من قبل الأميركيين، ومناورات هؤلاء الإرهابيين في القاعدة المذكورة وعملياتهم في البادية، خير دليل على هذا الدور الأميركي.
من جهة أخرى، وأمام كل هذه المعطيات المذكورة أعلاه، والتي تُظهر بوضوح صعوبة نجاح العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال وشمال شرق سوريا، الأمر الذي يصب بقوة في خانة استبعادها أو إلغائها نهائياً، ولكن…
هناك سؤال أساسي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله: أين هو موقف الأميركيين من الموضوع؟ وهل يمر عليهم بسهولة أمر نجاح الروس والإيرانيين في إجبار إردوغان أو في إقناعه، بتغيير قراره والعدول عنه؟ أو بمعنى آخر، هل تقبل واشنطن وبهذه البساطة، أن تنقاد دولة أساسية في حلف الناتو (تركيا ) لسياسة روسيا وإيران؟
طبعاً، لن يكون الموقف الأميركي متساهلاً إلى هذا الحد مع إردوغان، ولن يرتاح الأميركيون وهم يشاهدون الجيش العربي السوري وحلفاءه ربما، يتمددون شمالاً وشمال شرق سوريا، ويزيدون من جغرافية الدولة السورية ونفوذها، في الوقت الذي تعمل واشنطن، ومن خلال استراتيجية مركبة ومعقدة، لإضعاف هذا النفوذ للدولة السورية.
هذا أولاً، ولكن الأمر الآخر، والذي يعدّ اليوم حاجة استراتيجية أميركية ملحة، لن يقبل الأميركيون بأن يتقدم النفوذ الروسي أكثر وأكثر على سواحل المتوسط وعلى الحدود مع تركيا، والذي هو عملياً مرتبط حتماً بتقدم نفوذ الدولة السورية الحليفة للروس، وما يمكن أن يؤمن هذا الأمر للروس من نفوذ إقليمي ودولي انطلاقاً من الشرق الأوسط، ليضاف إلى النفوذ الروسي الذي يتقدم ويتطور يوماً بعد يوم في شرق أوروبا، وبالتحديد انطلاقاً من شرق وجنوب أوكرانيا، حيث أغلب تلك المناطق، على موعد قريب مع استفتاءات، تشرّع لها الانضمام إلى الاتحاد الروسي.
إذن، وحيث من الطبيعي أن لا يقبل الأميركيون، ولا يمكن بتاتاً، رغم ادعاءات الرئيس إردوغان ومسرحياته وتمثيلياته بأنه يعاندهم، بأن تلغي تركيا عمليتها وتتراجع عنها أمام الموقفين الروسي والإيراني، وبأن يربح بوتين أكثر وأكثر في سوريا وفي الشرق الأوسط، وبالتالي :
أصبح وارداً جداً، ولا يمكن استبعاده بتاتاً، بأن تتابع تركيا تنفيذ عمليتها المرتقبة في شمال وشمال شرق سوريا، ولكن من خلال القيام بمناورة حساسة مركبة، تأخذ بعين الاعتبار كل النقاط التالية :
– عدم السماح للدولة السورية بأن تتمدد أكثر وأكثر شمالاً وشمال شرق، وذلك نزولاً عند رغبة الأميركيين في هذا الموضوع، وبهدف عدم إغضابهم واتخاذ قرار يناسب الروس والإيرانيين.
– عدم الاصطدام قدر الإمكان مع الجيش العربي السوري مباشرة، وذلك من خلال تنفيذ عمليات خاصة تستهدف مواقع ومراكز عسكرية لـ”قسد” فقط، و في أمكنة بعيدة عن إمكانية الاحتكاك مباشرة مع الجيش العربي السوري أو حتى مع الوحدات الروسية.
– العمل (من قبل الأتراك) على إلحاق هذه العملية، ولحفظ العلاقة والموقف مع الروس والإيرانيين، بفتح حوار – مباشر أو غير مباشر – مع الدولة السورية، وبداية عبر الوحدات العسكرية والأمنية والاستخبارية للطرفين، والموجودة في شمال وشمال شرق سوريا، بهدف خلق ” ربط نزاع ” بأسس أمنية وعسكرية، قد يكون لاحقاً، وبرعاية روسية – إيرانية، نواة لبدء تسوية مباشرة بين الدولتين السورية والتركية، وبحيث لا يكون اتفاق أضنة وبنوده المعروفة، بعيداً عن هذه التسوية.