هل باتت الطريق سالكة إلى دمشق؟

ما يعرفه معارضو المفاوضات اسورية هو أقل بكثير مما يعرفه مؤيدوها.
لذلك يشعر المعارضون أنهم خُدعوا حين لم يتم اطلاعهم على متغيرات الموقف الاقليمي والدولي. وهو السبب الذي يجعلهم يصرون على ثوابتهم التي تنطوي على شروط تنتسب إلى زمن، كان النظام فيه وحيدا في ممارسة القمع.
ما لا يريد أولئك المعارضون الاعتراف به أن شروط اللعبة قد تغيرت، بل اللعبة نفسها قد لحق بها الكثير من التغير.
فبعد خمس سنوات من الحرب المدمرة لم تتغير سوريا وحدها، بل تغيرت مواقف الدول المعنية بالشأن السوري أو تلك الدول التي وجدت في الفوضى فرصة سانحة لكي تتدخل في ذلك الشأن من غير أن تكون معنية بشكل مباشر بما يحدث.
ربما من الصادم أن يقال أن شعارات لا يزال بعض المعارضين يرفعها قد وضعت على الرف، بسبب عدم صلاحيتها للاستهلاك نظرا لما أصابها من هزال، كان نتيجة مباشرة لتطور الاحداث على الارض.
قد يكون من السهل أن تُلام الولايات المتحدة على صمتها على التدخل الروسي الذي قلب الموازين وصنع معادلات جديدة، لكن من الصعب على المعارضين المحليين فهم أسباب ذلك الصمت. وهو جهل ينبغي أن لا تُلام المعارضة بسببه، ذلك لأن دولا تمتلك علاقات قديمة ووثيقة بالولايات المتحدة أبدت عدم قدرتها على فهم الموقف الاميركي، بما انطوى عليه من غموض.
غير أن النتيجة لم تكن كما يشاع من صنع الروس وحدهم. فالهدنة وقد كانت أرقى ما يمكن التوصل إليه من حلول مؤقتة هي وليدة حوار أميركي ــ روسي طويل، كان الطرفان حريصين على أن يحبطا مسيرته، بالرغم من تباين وجهتي نظرهما.
ضمنيا فإن الولايات المتحدة قد اعترفت بحق روسيا بإعتبارها دولة عظمى في الدفاع عن مصالحها في سوريا. كما أن روسيا التي لم تبدأ غاراتها الجوية إلا بعد التنسيق مع اسرائيل، وهو امر ينظر إليه البعض بإعتباره مثلبة لم تنكر حق الولايات المتحدة في الاطمئنان على سلامة العبرية.
قبل أن تُنصب المائدة لإعلان الهدنة كان الطرفان الدوليان قد تبادلا الضمانات.
سيُقال إن ذلك انما جرى على حساب الشعب السوري، فما نفع الهدنة إذا كانت ملايين السوريين قد شردت بعد أن فقدت مدنها وقراها وانتهى كل شيء في سوريا إلى تراب؟
وهو قول يغفل أن خمس سنوات من الحرب قد مرت على سوريا بغبارها المهلك من غير أن يربح أي من الطرفين المتقاتلين صفحة واضحة من صفحات الحرب.
وقد يكون ضروريا التذكير هنا أن الولايات المتحدة وروسيا من خلال اتفاق الهدنة الذي فرضاه على الجميع لا تفكران بالحفاظ على ما تبقى من سوريا لأهلها بل يهمهما أن ينهيا حربا عبثية، خرجت منذ زمن طويل من نطاقها المحلي.
من خلال قرار الهدنة تاكدت الولايات المتحدة وروسيا من أن ما عجز المجتمع الدولي عن الوصول إليه قبل سنوات من خلال المفاوضات بين النظام ومعارضيه صار ممكنا الآن، بعد أن صار واضحا للمعارضة كما للنظام أنهما لن ينالا شيئا مما يحلمان به وأن الحرب التي سلمت سوريا للمنظمات الارهابية ستقضي عليهما معا.
ولهذا السبب وحده صمدت الهدنة.
بل أنني على يقين من أن وفد المعارضة متلهف للذهاب إلى جنيف للتفاوض بقدر تلهف وفد النظام. أما التصريحات الجانبية فهي ضرورية لإضفاء شيء من التشويق على الاحداث التي لن تكون من صنع المتفاوضين.
وقد لا يكون مستبعدا أن تكون جنيف هذه المرة هي البوابة التي سيدخل من خلالها المعارضون إلى دمشق، لا ليحكموا بل ليستمروا في مفاوضات يرعاها المجتمع الدولي.
توقع قد يسبب الكثير من الذعر لمعارضي المفاوضات. ولكنني أرى أن الطريق من جنيف إلى دمشق هي أقصر بكثير من تلك الطريق التي تفصل بين عاصمة الامويين والرقة، التي هي عاصمة الارهاب العالمي.
ميدل ايست أونلاين