هل بدأت الفوضى المُمنهجة في لبنان من أجل حُصول تسوية تأتي برئيس للجمهورية؟
قضت السياسة على كل شيء في لبنان وحرقت الأخضر واليابس من الاقتصاد الى الطبابة إلى التعليم إلى كل ماتبقى من مؤسسات، فالإدارات العامة في إضراب، والمدارس الرسمية عاطلة عن التعليم، وطلاب الجامعة اللبنانية عاجزون عن الذهاب إلى جامعاتهم، ومرضى السرطان يموتون في فراشهم بسبب انقطاع الأدوية وارتفاع كلفة علاجهم، ومرضى غسيل الكلى حياتهم على المحك بسبب ارتفاع كلفة الغسيل، والمواد الغذائية ستسعر بالدولار الأسبوع المقبل، والمحروقات كذلك، والقضاء معطّل وإذا عمل فهو مسيس، فماذا أبقت السياسة؟
سلسلة تحركات سياسية شهدها الأسبوع الجاري في لبنان لكنها لا ترقى إلى خرق جدار الجمود الذي يسيطر على المشهد الداخلي، وأهم هذه التحركات عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المؤقتة إلى لبنان للمشاركة في الذكرى الثامنة عشرة لاغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عودةٌ أثبتت أن سعد الحريري لا يزال الرجل الأول سنيًا وهو يتمتع بقوة وازنة في الحياة السياسية وهذا ما ظهر سواء شعبيًا من خلال الوفود الشعبية التي احتشدت في بيت الوسط (مقر الحريري ) وسط بيروت، أو على الصعيد السياسي حيث حصلت لقاءات بين الحريري وغالبية القوى السياسية، وصحيحٌ أن الحريري حرك المياه الراكدة في الطائفة السنية إلا أن الفيتو السعودي-الأمريكي المفروض عليه منع الرجل الأول سنيًا من التأثير في المشهد السياسي المتأزم، مايطرح علامات استفهام حول التوقيت الذي ستسمح فيه السعودية من عودة الحريري إلى ممارسة حياته السياسية وإعادة التوازن في بلد قائمٍ على الطائفية والتي كانت في وقت من الأوقات صحية للمشهد السياسي، إلا أن المبالغة في الفساد حولت هذه الميزة إلى نقمة انقلبت على الطبقة السياسية التي تقف عاجزة اليوم عن ممارسة السياسة التي طبقتها على مدى ثلاثة عقود وكان نتيجتها ودائع مجهولة المصير، وفوضى تطل برأسها بين الفينة والأخرى، وآخرها وليس آخراً إحراق عدد من المصارف في ضواحي بيروت، فهل بدأت الفوضى الممنهجة لجني تسوية ترضي الخارج والداخل على حد سواء؟
لكن إذا كانت هذه الفوضى ستنتج رئيسًا للجمهورية، وحكومة جديدة هل سيستطيع اللبنانيون الذين جلسوا على أعصابهم بسبب هول الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا، أن يتحملوا نتائج الزلزال التخريبي الذي يقال أنه من صنع أدوات خارجية؟ لا فرق أمام المواطن القلق من زلزال الدولار الذي تخطى الثمانين ألف ليرة لأول مرة في تاريخ لبنان بعدما كان حوالي ألفي ليرة منذ حوالي ثلاث سنوات، لكن ثمة من يريد الزلزال الشعبي ليجني تسوية تحقق طموحاته السياسية، وهو حتمًا ليس الخارج لأن الخارج يعرقل لكن لا يعطل، من يعطل هم قوى سياسية تضع أجندات مدروسة بعناية لتحقق مآربها بأقل خسارة ممكنة، واليوم أكثر من يريد هذا الانفجار هي القوى المسيحية أي التيار الوطني الحر و القوات اللبنانية التي وصلت إلى طلاق خلعي، وخفتت شعبيتها، وكل طرف يريد الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وإلى حين توافق القوى المسيحية لا ندري كيف سيقاوم المواطن اللبناني كل هذا التدهور الاقتصادي، وقد ننتظر اجتماع خماسي باريسي ثان وثالث وألف دون جدوى إذا لم يغير السياسيون ما في أنفسهم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية
