هل تبقى إدلب رهينة أنقرة؟
ربما جديد ترامب في خطاب التهدئة مع أنقرة، هو قوله في ختام قمة العشرين ولأول مرة، إن هناك 30 ألفاً إرهابياً في إدلب السورية. لكنه أردف لا يمكن السماح بمعركة قد تؤدي إلى تهجير مليوني مدني بحسب قوله من المحافظة.
ولمزيد من التقرّب الأميركي مع أنقرة، أشاد ترامب بدور الرئيس إردوغان في إيقاف المعركة وطلب من بوتين بالتعامل بهدوء، في إشارة إلى معارضة أميركية لمعركة إدلب بينما لا يوجد اتفاق روسي ــ تركي بالمقابل بشأن خاتمة مرضية لصناع سوتشي الذي يدخل شهره العاشر من دون أي إنجاز في تنفيذ بنوده على الأرض.
لكن التهدئة الامريكية تطول أيضاً صفقة الاس 400 الروسية التي لا تبدو مرفوضة من ترامب. وربما نستطيع الذهاب أبعد في الاعتقاد وبموجب ربط تصريحات ترامب بين الصفقة والهواجس التركية تجاه الكرد وكأنها جائزة الترضية لأردوغان، بأنه لا عقوبات أمريكية على أنقرة في حال إتمام الصفقة. ترامب وصف إردوغان بالحليف لكنه لم يجرّ الوصف نفسه على القوات الكردية التي كانت مجرد قوات عملت مع القوات الأميركية للقضاء على داعش.
وحين احتفل الكرد والأمريكيون بالانتصار على داعش بعد انتهاء معركة الباغوز في أبريل / نيسان الفائت، الذي اعتبرته واشنطن صفعة قوية بوجه التنظيم، كان هناك من يرحب بذلك ولأسباب مختلفة في إدلب.
فالمجموعات القاعدية وجدت فرصة استثنائية للبدء بتجنيد مسلحين مدربين لتوسيع مشروعها في سوريا وربما العراق بعد القضاء على المراكز الأساسية لمنافسها داعش، الذي لم يتبق له سوى بعد الجيوب الصغيرة في البادية السورية، كتنظيم حراس الدين الذي تشكل من منشقين عن داعش والنصرة ربما أكثر المستفيدين من هذه الفرصة الذهبية.
في دراسة لمعهد كارنيغي تقول: “منذ تأسيس حراس الدين في أوائل العام 2018، هيأ نفسه لاستمالة مجندي تنظيم الدولة الإسلامية، في خضم تضاؤل حجم الأراضي التي يسيطر عليها، علماً أن هذا الأخير قد يكون توقّع هذه الحملة الاستقطابية، وعمد خلال الصيف الماضي إلى تحذير أعضائه من الانضمام إلى حراس الدين. كما وصف هذه الأخيرة بـ”حماة المرتدين” وأسبغ على كوادرها نعت “دمى في أيدي الجولاني”، في إشارة إلى أمير هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني.
ومنذ بدء الجولاني بمحاولات تقديم فروض الطاعة والولاء لأنقرة ،بعد عقدها اتفاق سوتشي في أيلول/سبتمبر من العام الفائت، لجعل نفسه فصيلاً وحيداً قادراً على التحكم بالقرار العسكري للمعقل القاعدي، بدأت العلاقة بين الفصيلين بالافتراق. فحراس الدين السلفي الجهادي اكتسب شعبية كبيرة بين المسلحين المتشددين بسبب ولائه للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة، خاصة أن من أسسه هم قيادات من الجهاد الأفغاني. فالمشروع الذي صاغه أبو همام الشامي القيادي السابق في النصرة حاول إنقاذ القاعدة في إدلب بعد أن فقدت مظلة النصرة بفك ارتباط الجولاني بها وتصفيته لقياديين وشرعيين، والقيادة العسكرية لأبو القسام الأردني ومجلس الشورى لسامي العريدي وأبو جليبيب الأردني وأبو عبد الكريم المصري.
التركيبة القاعدية لتنظيم حراس الدين تنذر بانشقاقات عن النصرة لايجاد جيش من المجموعات المتشددة تسعى لإيجاد مساحة عملانية آمنة لتوسيع وجودها بما يتعدى الحدود على غرار ما فعل داعش قبل سنوات.
لا يتنافس حراس الدين مع هيئة تحرير الشام على الأراضي والمجندين الجدد وحسب، بل على التحالفات أيضاً. تضيف دراسة كارنيغي: “أن مسؤول الحزب الاسلامي التركستاني وهو أحد الفصائل القاعدية المتحالفة مع النصرة من دون الاندماج معها، عبد الحق التركستاني، كان قد دعا العلماء السلفيين- الجهاديين، بمن فيهم زعيم القاعدة أيمن الظواهري، إلى دعم نضال الأويغور في مواجهة القمع الصيني المتزايد، واحتجاز نحو مليون من الأويغور في معسكرات إعادة التأهيل المزعومة في إقليم شينجيانغ الواقع شمال غرب الصين. ويُعتبر هذا ذو أهمية ملحوظة لأن الحزب الإسلامي التركستاني حليف رئيس لهيئة تحرير الشام. وقد ثبت أنه لا غنى عنه في صراع هيئة تحرير الشام ضدّ الفصائل المحلية المدعومة من تركيا في محافظة إدلب وكذلك في ريف حماة وريف حلب”.
وبينما تتحوّل معركة إدلب إلى صراع إرادات دولية ومصالح معقدة، تعيد القاعدة إنتاج إمارتها. فهل تبقى رهينة سوتشي الذي لا يبدو أبعد من إطار لتعزيز نفوذ أنقرة على الأرض والمجموعات المسلحة المسيطرة فيها؟.
الميادين نت