هل تفكك رصانة المغرب أزمة صامتة مع فرنسا؟
تحدث تقرير مغربي عن أزمة صامتة بين المغرب وفرنسا، مشيرا إلى عدة أسباب وراء التوتر بين البلدين وهو التوتر الذي فجرته أزمة التأشيرات في خطوة لا يبدو أن باريس تقف على عواقبها وتداعياتها على علاقات الشراكة مع المملكة، بينما تتعالى أصوات سياسيين فرنسيين مستعجلة تسوية الخلاف أو سوء الفهم كما سبق وأن وصفه الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند.
والحقيقة أن الأزمة لم تعد خافية لكنها أقرب للهدوء والتريث في المعالجة خاصة مع اعتماد الرباط دبلوماسية هادئة أرسى توجهاتها العاهل المغربي الملك محمد السادس في تفكيك الأزمات بعيدا عن الضجيج الإعلامي وصخب السجالات التي قد لا تفيد في التعاطي مع مثل هذه القضايا الخلافية.
وفي المقابل فإن الدبلوماسية المغربية الهادئة رسمت منذ سنوات خطوطا حمراء في ما يتعلق بالتعاطي مع ثوابت وطنية من بينها قضية مغربية الصحراء وهي قضية أكدت المملكة مرارا أنها غير قابلة للتفاوض أو المساومة وجعل منها الملك محمد السادس المنظار الذي ينظر به المغرب لعلاقاته الخارجية.
وبالعودة لأصل التوتر بين الشريكين، نقل موقع ‘هسبريس’ الإخباري المغربي عن رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي تأكيده على أهمية البحث في الأسباب العميقة للأزمة، معددا عدة أسباب جعلت التوتر أو الفتور في العلاقات يتحول إلى أزمة صامتة تجلت في سحب السفيرين وإن كانت عناوين السحب تبتعد عن الأزمة بمفهومها السياسي.
وعزا إطلاق توصيف ‘الأزمة الصامتة’ إلى أن البلدين بادرا بسحب سفيريهما بشكل غير معلن وإن تحت عناوين بعيدة عن السبب المباشر للتوتر، فالشغور الدبلوماسي الناشئ منذ بعد أن غادرت السفيرة الفرنسية لدى الرباط هلين لوغال منصبها قبل أسابيع وإعلان المملكة تعيين السفير المغربي لدى باريس محمد بنعشبون مديرا لصندوق محمد السادس للاستثمار ليصبح منصب السفير شاغرا، يعتبر في كل الحالات علامة على حالة الفتور في العلاقات.
وتبدو الأزمة صامتة كانت أو غير صامتة على صلة بالموقف الفرنسي البارد من قضية مغربية الصحراء مقارنة بمواقف نظرائها الأوروبيين وهو مواقف أكثر وضوحا وأقرب للطرح المغربي لحل النزاع بل وتتناغم مع مبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية.
والحلقة المفقودة على أرجح التقديرات في هذه السياقات هو ميل الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للموقف الجزائري وان لم يعلن ذلك، بينما يتلمس طريقه لانتزاع حصص أكبر من الغاز الجزائري في خضم أزمة طاقة تهدد أوروبا بسبب تقلص إمدادات الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأشار عزيز غالي إلى التقارب الفرنسي الجزائري وتدشين البلدين مرحلة جديدة في العلاقات بعد زيارة الرئيس ماكرون للجزائر التي يبدو أنها فرضت شروطها في مصالحة مرغوبة أكثر من باريس.
كما يبدو أيضا أن ثمة أسباب اقتصادية وراء حالة الفتور بعد أن عدل المغرب بوصلته في تعزيز قدرات قواته المسلحة واتجاهه لتنويع مصادر التسلح من إسرائيل والولايات المتحدة.
ويقول غالي إن لدى المملكة رغبة في إنفاق نحو 17 مليار دولار لتحسين وتعزيز قدراتها الدفاعية في محيط إقليمي مضطرب ووسط توترات جيوسياسية متناثرة في منطقة الساحل الإفريقي زيادة على تنامي نشاط الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وكلها شواغل تضعها الرباط ضمن الأولويات في إستراتيجيتها الدفاعية وتحصين أمنها القومي.
يرى غالي أن فرنسا تنظر لتوجه المغرب نحو إسرائيل والولايات المتحدة لتحديث وتعزيز قدراته الدفاعية عبر صفقات أسلحة من الوجهتين، أن فرصة قد ضاعت.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية حسن بلون في تصريح للموقع المغربي إلى أن الأزمة الناشئة بين فرنسا والمغرب لا تزال “أزمة صامتة” وتثير الكثير من النقاشات السياسية والتساؤلات بينما ترخي بظلالها على الشؤون الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.
واعتبر أن خطوة الرباط الدبلوماسية بسحب السفير المغربي لدى باريس وتعيينه في منصب مدير صندوق محمد السادس للاستثمار دون تعويضه بدبلوماسي آخر، رد ذكي على الشغور الدبلوماسي الفرنسي في الرباط.
وقال “الجديد في الخلاف الصامت الحالي بين المغرب وفرنسا أنه جاء في سياقات إقليمية متقلبة، كما أن أمده طال دون الخروج إلى العلن أو التموقع الرسمي وهو ما حث مجموعة من الفعاليات السياسية والمدنية والثقافية الفرنسية على التعبير على ضرورة دفع الأمور نحو إعادة تصحيح المسار في العلاقات بين البلدين. سواء تعلق الأمر برؤساء سابقين (هولاند وساركوزي) أو وزراء ودبلوماسيين ورجال أعمال ومؤسسات البحث والفكر والثقافة”.
وحفز الهدوء المغربي نخبة من السياسيين الفرنسيين على إعادة طرح ضرورة تجاوز ما يعتبره شق منهم سوء فهم مؤثر على العلاقات أو ما يعتبره شق آخر أزمة وجب حلها في أسرع وقت.
ويلتقي حسن بلون أستاذ العلاقات الدولية مع هذا الرأي، مؤكدا أن على فرنسا أن “تقدم مواقف أكثر وضوحا وقوة في قضية الصحراء المغربية، خاصة بعد تطور الموقف الدولي الداعم لمغربية الصحراء والاقتناع العام بضرورة حسم الملف في ظل السيادة المغربية”.
وشدد كذلك على أن تجاوز الأزمة يقتضي “أن تقتنع فرنسا بأن من حق المغرب تنويع شركائه الدوليين خدمة لمصالحه العليا والإستراتيجية دون التأثير على علاقاته مع حلفائه التقليديين”.
واعتبر أيضا أن تنامي الدعوات الفرنسية والمغربية لإنهاء الخلاف الصامت مرده قناعة هذه الأطراف بأهمية علاقة الشراكة الوثيقة بين المغرب وفرنسا وأنه لا يجب أن تكون هناك شبه قطيعة.
وقال إن “ارتفاع أصوات الفعاليات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والثقافية الفرنسية بضرورة إنهاء الخلاف الصامت، نابع من أهمية العلاقات المغربية الفرنسية بالنسبة للبلدين والمنطقة، ناهيك عن أهميتها البالغة في العلاقات المغربية الأوروبية”.
ورأى أن “خروج هذه الدعوات بهذه القوة والوضوح، دليل واضح على قرب انتهاء الأزمة الصامتة بين البلدين، خاصة مع وجود مؤشرات حقيقية وملموسة لتجاوزها بدءا بإعادة طرح زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب قبل نهاية السنة والحديث عن الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس ايمانويل ماكرون، دون إغفال التصويت الإيجابي لفرنسا على قرار مجلس الأمن الداعم لمواقف المغرب في قضية الصحراء”.
والمغرب شريك مهم للاتحاد الأوروبي في أكثر من مجال ويكفي أنه بفضل نشاط أمني واستخباراتي أنقذ فرنسا وبلجيكا من هجمات إرهابية دموية في تحرك تم دون ضجيج إعلامي أو استعراضات إلى أن كشفت عواصم غربية عن حجم الدور الذي لعبه الشريك المغربي في تجنيب باريس وبروكسل حمام دم في السنوات القليلة الماضية حين ساعد في كشف عن مكان تواجد إرهابيين على الأقل من المجموعة التي نفذت في 2015 اعتداءات باريس الدموية التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى.
وينظر سياسيون أوروبيون بعين الرضا والثناء أيضا على الجهود المغربية في مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تهدد أوروبا وتثقل كاهلها بمشاكل أمنية ومالية إضافة إلى دوره في التصدي مع الشركاء (الأوروبيين) للجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ويستدعي كل هذا الجهد وهذا الدور الوازن بحسب أغلب القراءات، مبادرة من فرنسا لإعادة تصحيح مسار العلاقات مع المغرب بالتحرك لإنهاء أزمة التأشيرات للمغاربة وإصدار موقف واضح وصريح من قضية الصحراء المغربية يتناغم في مضامينه مع ما ذهبت إليه اسبانيا والسويد وعدد من الدول الغربية.