هل حان الوقت لتصبح جدران السجن مجرد ذكرى

المؤسسات العقابية الحديثة تحوّلت في البلدان المتطورة إلى مؤسسات تربوية وروافد اقتصادية يستفيد منها المجتمع بعد أن كانت تمثل عبء ثقيلا عليه، وهو الأمر الذي ينادي به حقوقيون كثيرون في العالم العربي، لكن واقع الحال يخيّب الآمال، ولأسباب متعددة مثل ضعف الإمكانيات وانعدام الخبرات وقلة الكفاءات.

العقوبات البديلة للسجن في المنظومة الجزائية نوعان، عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة حيث خول القانون للمحكمة عند إصدارها لعقوبة بالسجن في المخالفات والجنح المحكوم بها لمدة لا تتجاوز سنة بحضور المتهم غير العائد للجنحة واستبدالها بنفس الحكم بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة، والثانية عقوبة التعويض الجزائي حيث خول القانون للمحكمة عند إصدارها لعقوبة بالسجن في المخالفات والجنح المحكوم بها لمدة سنة بحضور المتهم والعائد واستبدالها بعقوبة تعويض مالي يتعين على المتهم دفعه لمتضرر ولا يحول هذا الإجراء دون ممارسة حق المطالبة بالتعويض المدني، ويحق للنيابة العمومية مواصلة إجراءات تنفيذ عقوبة السجن.

وتهدف العقوبات البديلة إلى الحد من ظاهرة الاكتظاظ بالسجون، والتخفيف من مصاريف الدولة على المنظومة السجنية، وإعطاء فرصة للمدانين في جنح بعينها من الإصلاح الذاتي وفق برنامج خاص، لاسيما وأن العقوبات البديلة أصبحت نظاماً دولياً، مما يستوجب تطوير التشريعات لمواكبة المسار الديمقراطي، وتفعيل حقوق الإنسان باعتبارها دعامة أساسية للأمن والعدالة، ويتطلب ذلك مرونة في التشريع والتطبيق.

وفي المقابل، لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن عقوبة السجن في حد ذاتها هي فكرة متطورة ومبتكرة، إذا ما نظرنا إلى تاريخ تطور القوانين الجزائية والمدنية، ذلك أن السجن كحيز مكاني، غالبا ما وجد في القديم لممارسة مهمات انتقامية بحتة كالتعذيب الجسدي أو الإعدام،

في العصور الوسطى أثرت المسيحية في نظم السجون حيث طالب رجال الدين ـ بناء على مبدأي التسامح والرحمة ـ بتحسين معاملة المساجين والعناية بهم وتعليمهم وتهذيبهم وتوجيه النصح إليهم

وفي العصور الحديثة ظهرت الحركات الإصلاحية التي تناولت القانون الجنائي برمته من المرحلة التشريعية فالقضائية ووصولا إلى التنفيذية. وتفاوتت المدارس القانونية واختلفت في أسبقية الغاية من المؤسسة السجنية: الردع أم الإصلاح.

المهمة الواضحة والمقصودة من السجن هي عزل المدانين بالإجرام عن المحيط الاجتماعي، وتقييد حرياتهم في التنقل والإقامة بقصد حماية المجتمع وحماية المجرم نفسه من احتمال تعرضه لعمليات انتقامية قد تصدر من طرف ذوي الضحية في الدولة التي يفترض أن يحكمها القانون، وتحتكر هي وحدها السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.

ويرى حقوقيون أن السجن لا ينبغي له أن يكون ” مكافأة” فهو عقوبة صادرة من جهة قضائية تحكم باسم الدستور، ويجب أن تنفذ أحكامها دون تعديلات أو تحريفات. وما يعرف بالعقوبات البديلة هو أمر جيد ومحمود في نظر هؤلاء الحقوقيين، لكنه يجب أن يخضع للفحص والنظر من طرف جهات مختصة.

ويشدد هؤلاء الحقوقيون على ضرورة المواءمة والتثبت مع أعراف وتقاليد وعادات المجتمع، فلا يعقل ـ في نظر هؤلاء ـ أن تطبق عقوبات بديلة مستوردة من مجتمع تختلف تقاليده بصفة جذرية عن تقاليد مجتمع عربي أو إسلامي.

العقوبة بالسجن أو ما بات يعرف عند المتحمسين للعقوبات البديلة، بالعقوبة التقليدية، وحين يكون المشرفون عليها أكفاء، تصبح لا بديل عليها بل ومثالية حين تتوفر حالة التفهم الإنساني.

وفي هذا الإطار، يقول اللواء خميس المزينة، القائد العام لشرطة دبي: بعض نزلاء المؤسسات العقابية أشخاص يقضون عقوبات في قضايا مالية، ربما يتورط فيها أي شخص لظروف خارجة عن إرادته، لذا هناك حرص كبير على توفير حياة كريمة له داخل السجون.

الجدل يبقى قائما بين المدافعين عن العقوبات البديلة، والتي أثبتت نجاعتها في بلدان كثيرة، وبين المتمسكين بعقوبة السجن الذي يحجب حرية الحركة والتنقل والإقامة، لكن الأهم من ذلك كله هو معالجة أسباب الجريمة، والحد من انتشارها عبر مجموعة نظم مترابطة بين المؤسسات والسلطات على جميع المستويات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى