هل ستعرقل واشنطن المفاوضات بين سوريا وتركيا؟
تضاعفت التوترات بسبب الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، إذ يجري استغلال منطقة شمال شرق سوريا اقتصادياً كورقة للضغط على الدولة السورية، وعلى الروس الموجودين على حدود المنطقة.
التواصل بين رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، ونظيره السوري علي مملوك، فتح مجال التفاهم أمام الدولتين وطرح الشروط المتبادلة لبدء استعادة العلاقات بينهما.
تبدي تركيا رغبتها في الانفتاح على دمشق ترجمةً للجهود التي تبذلها موسكو بالتعاون مع طهران، والتي تهدف إلى إزالة العوائق بين دمشق وأنقرة، لكن مع مسارعة موسكو إلى اقتراح عقد لقاء على مستوى وزيرَي الخارجية تمهيداً للقاء الرئيسين، برزت عوائق أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية، فتركيا تعمل على سيناريو تطبيع جزئي للعلاقات الاقتصادية مع دمشق، لكن استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة في هذا التوقيت تبدو صعبة لأسباب تتعلق بسياسة أنقرة في موازنة علاقاتها بين المعارضة، والعودة التدريجية للعلاقة مع سوريا الرسمية.
لا سيما أن الدول العربية، وبالتحديد الدول الحليفة لتركيا، تعدّ الائتلاف الوطني المعارض “الممثل الشرعي” للشعب السوري، ما يصعّب على تركيا الدخول في علاقات دبلوماسية مع دمشق في الظرف الحالي.
يصطدم الأمر كذلك بمصير مقاتلي المعارضة والناس الذين لجأوا إلى الشمال السوري، وهو أمر بحاجة إلى تفاهمات دقيقة، فالشروط التركية في هذا المجال تندرج ضمن رغبة أنقرة في عودة اللاجئين السوريين ووضع البنية التحتية لعودتهم، وإعادة الممتلكات، التي تركوها في مناطقهم الأصلية وضمانات عدم الملاحقة القانونية.
إلا أن بادرة حسن النية بدأت بوقف الإعلام المعارض عن تناول الحكومة السورية بالقدح، وتعليق بعض القنوات التلفزيونية السورية العاملة في تركيا.
سوريا، من جهتها، طالبت بوقف الدعم العسكري والمالي والاستخباري للجماعات التي تعدّها إرهابية، وأصرت على سيطرتها الكاملة على إدلب وطريق “إم 4”.
أنقرة، بدورها، تعتقد بأن البداية يمكن أن تكون في الانفتاح التجاري، بما يتيح التبادل بين البلدين، فتركيا مستفيدة من التجارة في المنطقة الحدودية، ودخلها السنوي شبيه بما كانت تحصله قبل الأزمة السورية، وإذا تم فتح المعابر، فستعمل نقاط التفتيش وتنشط حركة البضائع والخدمات، ما سيؤدي بالطبع إلى بداية علاقات مرنة ويتيح لسوريا الحصول على المنتجات التي لا يمكنها الوصول إليها، ويفتح باب التجارة إلى الأردن بعد أن فتحت الحدود في الرمتا.
المسألة الأساسية بالنسبة إلى أنقرة هي العمل على ضبط الحدود السورية من اعتداءات “قوات سوريا الديمقراطية”، وإبعادها عن الحدود التركية، وهو موضوع أمني وسياسي بامتياز، وهي تسعى إلى اتفاقية بهذا الشأن كتوسيع إطار اتفاقية “أضنة” وتفاصيلها في هذا الشأن، ما سيحتم على الحكومة السورية إرساء ضمانات أمنية، ربما لن تكون قادرة على الإيفاء بها حالياً في ظل وجود القوات الأميركية في شرق الفرات.
تركيا في هذه الحالة تريد الإبقاء على قوّاتها في الشمال السوري حتى يتم التوافق على الشروط والانسحاب في وقت لاحق، ولا شك أنها تريد التخلص من عبء اللاجئين، فيما تقوم موسكو وسوريا ببذل الجهود من أجل إعادة اللاجئين من دول الجوار، (لبنان والأردن وتركيا).
في هذه الأثناء، يستمر المشهد الميداني في الشمال السوري في تعقيداته، حيث يكثف الجيشَان السوري والروسي عمليات قصف تجمّعات مسلّحي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) وفصائل راديكالية أخرى منتشرة في ريف إدلب، بينما يستمر القصف التركي على مناطق “قسد”.
هل تريد واشنطن إبقاء الوضع بين سوريا وتركيا على حاله؟
الولايات المتحدة موجودة في سوريا منذ 2015، إذ ينتشر 900 جندي أميركي في شرق سوريا، إلى جانب تمركز نحو 2500 عسكري في العراق. وقد حددت في أواخر عام 2021 أربع أولويات تمثلت في:
– رغبتها في الحفاظ على زخم مكافحة “داعش”.
– المساعدة في تدريب المقاتلين الكرد السوريين، الذين يسيطرون الآن على هذا الجزء من سوريا، وتسليحهم.
– تحقيق الاستقرار، والعمل على وصول المساعدات الإنسانية.
– ضمان وقف إطلاق النار.
تضاعفت التوترات بسبب الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، إذ يجري استغلال المنطقة اقتصادياً كورقة للضغط على الدولة السورية، وعلى الروس الموجودين على حدود المنطقة، وممارسة نوع من الحصار غير المعلن، من خلال وقف تدفق النفط والقمح من مناطق سيطرتها، والاحتفاظ بالسيطرة على حقول النفط الرئيسة في المنطقة (حقل العمر، كونيكو، رميلان، التنك).
إضافة إلى تمركز القوات الأميركية في قواعد رئيسة شرق الفرات، وتأسيس قواعد عسكرية جديدة في دير الزور وقرب الحدود العراقية من أجل الرقابة على نشاط القوى المدعومة من إيران؛ التي تحاول الدفع باتجاه الانسحاب الأميركي الكامل.
أما وحدات الحماية الكردية فهي تسيطر، إلى جانب فصائل عربية، على نحو ثلث مساحة سوريا الواقعة في مناطق شمال سوريا وشرق نهر الفرات، كما تسيطر على نحو %90 من الثروة النفطية، بالإضافة إلى 45 % من إنتاج الغاز.
دخلت القوات الأميركية بشكل مباشر في ساحة الصراع عندما نشرت جنوداً في منطقة منبج، إلى جانب قوات “قسد”، التي تسيطر على المدينة؛ لردع أي تحركات للقوات الروسية والقوات الحكومية، أو القوات التركية والفصائل المتحالفة معها.
ترغب واشنطن في إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، بما يخدم مصالحها، ويضمن استمرار وجودها العسكري في المناطق النفطية. ومع ذلك، تُظهر أنقرة، رغبة في إنجاح عملية التطبيع مع دمشق، واعترافاً ضمنياً بفشل السياسة المتّبعة سابقاً تجاه سوريا.
بينما ترى الحكومة السورية أن الوجود الأميركي على أراضيها غير شرعي، وهو بمنزلة احتلال، تركز الولايات المتحدة أهدافها على خلق توازن بوجه وجود القوات الروسية في القاعدة الجوية في محافظة اللاذقية، وفي القاعدة البحرية في محافظة طرطوس حيث يتعزز وجود روسي طويل المدى غرب سوريا، وعلى الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط.
يتركز الانتشار الأميركي والقوات الدولية المتحالفة معه وقوات المعارضة المسلحة في منطقة المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، في منفذ التنف الحدودي على مقربة من انتشار القوات السورية وحلفائها، وهو معبر ذو أهمية كبيرة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالصراع السوري. فهل يمكن أن تعرقل الولايات المتحدة المفاوضات بين سوريا وتركيا أم ستعوّل على عرقلة بعض الدول العربية هذه المفاوضات من أجل استعادة نفوذها في سوريا؟
الميادين نت