هل سيُشعل بايدن فتيل الاحتِجاجات وأعمال العُنف في إيران في الذّكرى السنويّة الأولى لوفاة مهسا أميني؟
عبد الباري عطوان
عندما يُؤكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن بلاده ستدعم الإيرانيين في الذّكرى الأولى لانطِلاق الاحتِجاجات التي أشعلها وفاة الفتاة مهسا أميني، وفرض عُقوبات جديدة بحقّ مُنتهكي حُقوق الإنسان، فهذا يعني أن إيران قد تكون مُقبلة في الأيّام والأشهر القادمة على أحداثِ عُنفٍ، وصِداماتٍ دمويّة في شوارع المُدُن وميادينها، خاصّةً العاصمة طِهران ربّما تكون أضخم من نظيراتها قبل عام.
ذِكرى وفاة الفتاة مهسا أميني السنويّة الأولى تُصادف السبت، وجاءت هذه الوفاة بعد توقيفها بتُهمة خرق قواعد اللّباس الصّارمة من قِبَل المُؤسّسة الدينيّة، والمفروضة على النساء في إيران، وتضاربت الآراء حول هذه الوفاة الغامضة في الحجز، فالسّلطة قالت إنها جاءت نتيجة متاعب قلبيّة بينما قال مُحتجّون إنها ماتت تحت التّعذيب.
السّلطات الإيرانيّة نجحت في السّيطرة على الاحتِجاجات، سواءً السّابقة أيّ قبل عام، أو غيرها، مثلما نجحت في التّعايش مع العُقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة لأكثر من 40 عامًا مضت وتوظيفها في تحقيق الاكتِفاء الذّاتي، من خِلال سياسة النّفس الطّويل، والتّركيز على تطوير ترسانتها العسكريّة، وبرامجها النوويّة والصّاروخيّة، ولهذا من المُؤكّد أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في مُواجهةِ هذا التدخّل الأمريكي الأوروبي السّافر في شُؤونها الداخليّة.
إعلان ثلاث دول أوروبيّة اليوم، وفي تزامنٍ مع بيان دعم بايدن للاحتِجاجات الإيرانيّة المُتوقّعة، هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تجديد عُقوباتها الاقتصاديّة على إيران التي من المُفترض أن تنتهي في شهر تشرين أوّل (أكتوبر) القادم، يُؤكّد أن هُناك تنسيقًا بين التّحالف الغربي بزعامة أمريكا لزعزعة أمن واستِقرار إيران، وربّما افتِعال “ذريعةٍ ما” لخوضِ حربٍ ضدّها رُضوخًا لضُغوطٍ إسرائيليّةٍ في هذا المِضمار.
مِن المُؤكّد أن القِيادة الإيرانيّة تُراقب هذه التحرّشات الأمريكيّة الأوروبيّة، ويَدرُس خُبراؤها الاستراتيجيّون والعسكريّون، جميع السّيناريوهات المُحتملة، ووضع الخطط لمُواجهتها، لأنّ أيّ اعتداءٍ غربيٍّ على إيران سيُشعِل فتيل حربٍ إقليميّةٍ عُظمى مع محور المُقاومة الذي تتزعّمه، ويملك هذا المِحور ترسانةً مُزدحمةً بمِئات آلاف الصّواريخ فرط صوت، والباليستيّة، والمُجنّحة، ومُسيرّات مُتطوّرة غيّرت قواعد الاشتِباك في الحرب الأوكرانيّة لصالحِ روسيا.
يُمكن تلخيص الرّد الإيراني على هذه الاستِفزازات الأمريكيّة في النقاط التالية:
- أوّلًا: رفع مُعدّلات تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 90 بالمِئة، وبِما يُؤهّل إيران من امتِلاكِ أسلحةٍ نوويّة في غُضونِ أيّامٍ أو أسابيع في إطارِ الدّفاع عن النّفس بكُلّ الطّرق والوسائل، فالولايات المتحدة لم تستطع أن تفعل شيئًا ضدّ كوريا الشماليّة بعد امتِلاكها أسلحة نوويّة وصواريخ عابرة للقارّات.
- ثانيًا: وضع جميع الأذرع العسكريّة الحليفة في حالة تأهُّبٍ قُصوى، خاصَّةً في العِراق وسورية ولبنان واليمن وفِلسطين المُحتلّة، للانخِراطِ في أيّ حربٍ قادمةٍ ضدّ إيران، لأنّها قد تكون الحرب الأخيرة في المِنطقة في حالِ اندِلاعها.
- ثالثًا: وضع جميع القواعد العسكريّة في المِنطقة في دائرة الاستِهداف الانتِقامي الصّاروخي المُباشر، وتعطيل خُطوط المِلاحة التجاريّة العالميّة في مضيق هرمز وباب المندب وبحر العرب.
- رابعًا: احتِمال قصف وتدمير البُنَى التحتيّة الإسرائيليّة بآلافِ الصّواريخ الدّقيقة، باعتبارِ أن دولة الاحتِلال ستكون رأس حربة أيّ عُدوانٍ أمريكيّ غربيّ مع إيران، والهدف الأسهل والأقرب.
- خامسًا: تعطيل مُعظم إمدادات الطّاقة من غاز ونفط إلى العالم الغربيّ، وإحياء أو تفعيل الاتّفاقات الدفاعيّة العسكريّة مع دُولٍ عُظمى مِثل الصين وروسيا.
زعزعة أمن إيران واستِقرارها قد يُعطي نتائج عكسيّة بالنّسبة إلى الولايات المتحدة وحُلفائها، ومِنطقة الشّرق الأوسط بأسْرِها وبِما يُؤدّي إلى إغلاق كُلّ قنوات الحِوار معها، خاصَّةً بعد الاتّفاق الأخير الذي تمّ التوصّل إليه بين إيران والولايات المتحدة بوساطةٍ قطريّة وأدّى إلى صفقة الإفراج عن خمسة مُواطنين أمريكيين مُحتَجزين في طِهران، مُقابل العدد نفسه من مُعتقلين إيرانيين في الولايات المتحدة، وفكّ تجميد 6 مِليارات دولار ثمن شُحنات نفط إيرانيّة إلى كوريا الشماليّة، وهي الصّفقة التي أحيَتْ الآمال باحتِمالِ استِئناف مُفاوضات فيينا النوويّة.
إدارة الرئيس بايدن تلعبُ بالنّار من خِلال رُضوخها لبعض الضّغوط الإسرائيليّة علاوةً على تفاقم أزماتها الداخليّة، وتصاعُد التحرّكات بعزلِ الرئيس الجمهوري لفساده وأبنائه، علاوةً على ضعف قُدرته على التّركيز وتدهور حالته الصحيّة، ولهذا لا نستبعد أن يُقدم على حماقةٍ مِثل ضرب إيران، لأنّه باتَ مِثل “النّمر” الجريح، أدرك أنّ نهايته قريبة، وباتَ يَضرِب في جميع الاتّجاهات.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية