هل سُقوط بايدن عن درّاجته انعكاسًا لسُقوط أمريكي كارثي اقتصاديًّا وقياديًّا؟
انقسمت رُدود فعل الكثيرين وتعدّدت تُجاه منظر سُقوط بايدن الرئيس الأمريكي من على متن درّاجته الهوائيّة بين ساخرٍ وشامت، كُلٌّ حسب موقعه السّياسي والحزبي والعقائدي، فالرّجل برُكوبه الدرّاجة أراد أن يُوَصِّل رسالةً إلى الجماهير الأمريكيّة، خاصَّةً تلك التي انفضّت من حوله، وخاب أملها برئاسته، تقول مُفرداتها بأنّه ما زال يتمتّع بالحيويّة والشّباب، ولكنّ النتائج جاءت عكسيّةً تمامًا، أو هكذا تقول مُعظم التّعليقات في الصّحافة ووسائل الإعلام الأمريكيّة بعد مُتابعة مئات الملايين لسُقوطه على وسائل التواصل الاجتماعي.
الكاتب نايل غاردنير في صحيفة “الصّنداي تلغراف” البريطانيّة المُحافظة، كان له رأيٌ أكثر تشاؤمًا في مقاله الذي نشره اليوم الأحد عندما وصف عهد الرئيس جو بايدن بأنّه كارثيّ ألحق ضررًا لا حُدود له بالغرب والعالم الحُر، وقال بالحرف الواحد “لم أرَ على مدى 20 عامًا من عملي في واشنطن مِثل هذه الفوضى الدّائرة حاليًّا في البيت الأبيض، وما هو أسوأ من ذلك رؤية أُفول الدولة الأعظم في العالم”.
هذه الصّورة المُتشائمة تُعزّزها الأرقام الاقتصاديّة التي تُؤكّد الدّخول بشَكلٍ مُتسارع للاقتِصاد الأمريكي في حالةٍ من الرّكود مع ارتفاع نسبة التضخّم (8.6 بالمئة)، ووصول أسعار البنزين إلى أرقامٍ فلكيّةٍ غير مسبوقة، (5.5 دولار للغالون)، والشّيء نفسه يُقال عن السّلع الاستهلاكيّة الرئيسيّة، ومحو تريليونات الدّولارات من قيمة حسابات التّقاعد الأمريكيّة نظرًا لانهيار الأسواق الماليّة الأمريكيّة.
استطلاع أجرته منظومة SSRS بتكليفٍ من محطّة “سي إن إن” ونُشِر الأربعاء الماضي، أظهر أن الاقتصاد الأمريكي في أسوأ حالاته مُنذ عشر سنوات وأقل من 23 بالمئة من الأمريكيين فقط يُبدون تفاؤلًا باحتمال تحسّن الأوضاع، بينما قال 55 بالمِئة إن سياسة الرئيس بايدن أدّت إلى تفاقم الأوضاع للأسوأ.
لا نحتاج لمِثل هذه الاستطلاعات، والأرقام التي تخرج عنها، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على كيفيّة فشل هذه السّياسات في منطقة الشّرق الأوسط التي كانت واحة النّفوذ الأمريكي لأكثر من مئة عام، حيث تمرّد عليها الحُلفاء الذين تنعّموا بحِمايتها في الخليج، وانحازوا لموقف الخصم الروسي في حرب أوكرانيا، ممّا دفع بايدن إلى التراجع عن كُل قيمه ومواقفه والتوجّه إلى الرياض مُكْرَهًا ذليلًا الشّهر المُقبل في مُحاولةِ إنقاذٍ يائسة، وتشكيل “ناتو عربي سنّي” للتصدّي لمحور المُقاومة، والاستعداد لضرب إيران حماية للأمن القومي المُنهار لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي باتت تُواجه خطرًا وجوديًّا للمرّة الأُولى مُنذ 74 عامًا من قيامها.
أمريكا حكمت العالم لأنها خرجت مُنتصرة في الحرب العالميّة الثانية، وعلى أكتاف الحُلفاء الأوروبيين المُنهكين، ومعهم روسيا الشيوعيّة التي خسرت أكثر من 27 مِليون قتيل من خيرة أبنائها، الآن تتغيّر الصّورة، حيث تشهد صُعود قِوى عُظمى جديدة في الصين وروسيا، بزعامة قيادات أكثر دهاءً، ووطنيّة ورغبة في الانتقام من كُل مُؤامرات الهيمنة الأمريكيّة ضدّ بُلدانها وشُعوبها على مدى العُقود الماضية.
فليس صُدفةً أن تعترف صُحف غربيّة مثل “الغارديان” و”الفايننشال تايمز” بفوز “روسيا بوتين” بالحرب الاقتصاديّة بعد مئة يوم من الحرب الأوكرانيّة، وسيطرة القوّات الروسيّة على خُمس الأراضي في جنوب شرق أوكرانيا، واتّساع حدّة الانقسام بين أوروبا وأمريكا وانعكاسه في فشل سِياسات الحِصار والعُقوبات الاقتصاديّة.
بداية الانهيار الأمريكي بدأت قبل مجيء بايدن إلى البيت الأبيض وتحديدًا مُنذ أن انخرطت في حُروب أفغانستان والعراق وسورية وإيران واليمن، وانحازت للاحتِلال الإسرائيلي وجرائمه في فِلسطين المُحتلّة.
بايدن مُجرّد “خيال مآته” الذي يُجَسِّد بشيخوخته وسياساته كُل الأمراض التي طفحت بثورها فجأةً على الجسد الأمريكي لا أكثر ولا أقل، وهي أعراض الانهيار التي عانت منها جميع الامبراطوريّات السّابقة على مَرِّ التّاريخ ومهّدت لأُفولها وانقِراضها.
العظمة الأمريكيّة تُواجه سُقوطًا حُرًّا مِثل الحجر الذي يهوي من السّماء، والبداية سُقوط اقتصادي يليه سُقوط اجتماعي (الجريمة وصلت مُعدّلات قياسيّة وأصبحت واشنطن عاصمة سرقة السيّارات في العالم)، ولا يُوجد أيّ مُؤشِّر على إمكانيّة وقف هذا السُّقوط إلا بمُعجزةٍ، ولسنا في زمن المُعجزات، لأنّ هذا السّقوط يتم على الجبهتين الداخليّة والخارجيّة معًا.. والأيّام بيننا.