هل يتغيّر العرب والعالم فعلا حيال سورية، أم ينتظرون بايدن وإيران ؟
يقول مسؤول عربي قريب من مركز القرار السعودي :” كل ما يتردد هذه الأيام عن لقاءات أمنية سعودية-سورية ليس جديدا، فاللقاءات تكرّرت إنطلاقا من المبدأ الذي عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكثر من مرة، ومفاده أنه ليس المسؤول عن التورط الخليجي في سورية والذي بدأ قبل وصوله الى منصبه، وهو لا يعتبر الرئيس بشار الأسد خصماً، وأن كل ما تريده الرياض هو معرفة مستقبل الوجود الإيراني على الأرضي السورية ذلك أنه لا يُمكن تقديم أي مساعدة أو الإقدام على إنفتاح جدي طالما لم يُحسم هذا الأمر، كي لا يتكرر الخطأ اللبناني بحيث أن المساعدات الخليجية كانت تذهب الى بيروت ويفيد منها حزب الله“
ثمة من يعتقد أنه في حال تقدّم الحوار الإيراني السعودي الذي إنعقد مرارا في العراق، صوب مناخاتِ إنفراجٍ أكثر، فإن الجانب العربي سيكون أكثر إستعدادا لإعادة سورية الى جامعة الدول العربية مع ما سيعكسه ذلك من تسهيل مساعدات عربية الى دمشق، خصوصا أن دولا خليجية أخرى مثل الإمارات والبحرين وسلطنة عُمان والكويت، إما أعادت فتح سفاراتها أو فعّلتها أو تقيم حوارات دائمة مع القيادة السورية. ناهيك عن أن مصر كانت السبّاقة في الإبقاء على سفارتها وكان المسؤول عن السفارة في دمشق تقريبا برتبة سفير منذ الدبلوماسي العريق محمد ثروت سليم ( الذي انتقل الى الخارجية المصرية ) حتى اليوم. والجزائر التي ساندت دمشق طيلة فترة الحرب بقرار من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تريد مع قيادتها الجديد أن تكون القمة العربية المقبلة على أرضها مُفتاحا لعودة لسورية.
على المستوى الدولي،عزّزت الدبلوماسية الروسية منذ تولي الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم، حركتها الإقليمية والدولية قبيل الإنتخابات الرئاسية السورية، في محاولة لطمأنة كل الأطراف بشأن المراحل المقبلة، لكن الواضح أنها باتت أكثر تشددا في تثبيت دعائم الحصون الدبلوماسية حول حليفها السوري نظرا لضبابية الموقف الأميركي وخشية تعديل في موقف واشنطن للتأثير سلبا على الدور الروسي في الشرق الأوسط، رغم استمرار الاتصالات بين الجانبين.
كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف واضحا قبل أيام بعدم ربط الانتخابات بتوصل السلطة والمعارضة السوريتين الى إتفاق حول اللجنة الدستورية العتيدة، فهو قال :” إن موسكو ترفض الربط بين تنظيم الانتخابات وانتهاء عمل اللجنة الدستورية، وان الغرب يتحمّل مسؤولية التأخير في التوصل إلى تسوية سياسية، وتشجيع نزعات انفصالية شرق الفرات عبر استخدام موارد النفط والقمح السوري المنهوب”
وأضاف ” نحن لا ننظر إلى القرار 2245 على أنه يتطلب تنظيم أي انتخابات بعد الموافقة على دستور جديد فقط و أن المبعوث الأممي غير بيدرسون أكد للجانب الروسي بعد تشكيل اللجنة الدستورية أنه يتفهم تماما عدم وجود أي سقوف زمنية لانتهاء عمل اللجنة الدستورية”.
كما أن موسكو نجحت في عملية تبادل أسرى بين الجانبين السوري والإسرائيلي، وظهّرت رحلة طائرتها الأخيرة من موسكو الى تل أبيب فقاعدة حميميم، مع تسريب أجواء عن عزمها لعب دور في ضبط الحدود العربية الفلسطينية من الجولان حتى جنوب لبنان، وهذا لا شك كأن أحد محاور اهتمامها بإستقبال وفود لبنانية على أراضيها وبينها وفد حزب الله. فالهدف ليس تأليف حكومة لبنانية أو فض نزاعات سطحية داخل لبنان، وإنما تحريك وتوسيع الدور الروسي في المنطقة، وتحضير الأرضية لاي ضغوط أميركية محتملة في حال فشلت مناخات الإنفراج في المنطقة.
وقد كان لافتا أن إجتماع وزراء خارجية ” مجموعة السبع” الذي عُقد يوم الأربعاء في العاصمة البريطانية، عدّل من لهجته حيال القيادة السورية، فبعد أن كانت المجموعة تقول سابقا إن ” لا مكان لرئيس النظام السوري بشّار الأسد في مستقبل سورية” ، قالت في لندن إننا ” نحث جميع الأطراف، لا سيما النظام، على المشاركة بشكل هادف في العملية السياسية الشاملة .. تمهيدا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة”. وقد أُرفق هذا الإعتراف الدولي المتجدّد بالنظام ودوره في العملية السياسية، بمطالب مكرّرة حول وقف إطلاق النار وعودة اللاجئين الطوعية الى بيئة آمنة ومحايدة . وتم تقديم مغريات للنظام بالقول :” عندما نتاكد من حصول عملية سياسية ذات مصداقية وحازمة، نبحث المساعدات لإعادة إعمار سورية”.
واذا كانت المجموعة الدولية ذكّرت بالقرار الدولي 2254، وبأن الذين استخدموا السلاح الكيماوي لن يفلتوا من العقاب، فإنها لم ترفض مبدأ الانتخابات في ظل الأسد حتى مع الشكوك بأنها “لن تكون حرة ولا نزيهة” وفق بيانات سابقة، ولم تقل أي شيء عن ” رفض استئناف أي علاقات مع النظام” خلافا لما أراد بعض المجتمعين. يبدو أن باريس نفسها كانت أقل تشددا بكثير من السابق حيال ” تطبيع بعض الدول مع دمشق” لكن بشروط.
في تفسير بداية هذا التحوّل، يقول دبلوماسي أوروبي له علاقة مباشرة بالملف السوري :” إن الهدف الحالي، هو إقناع النظام السوري بضرورة تفعيل آلية وصول المساعدات، وحث روسيا على الضغط على حليفها السوري بغية إجراء انتخابات شفّافة بمراقبة دولية، ذلك أن إستمرار الأوضاع على ما هي عليه غير ممكن خصوصا أن أمد الحرب السورية طال كثيرا وما عاد محتملا”.
يضيف المسؤول نفسه :” إننا ما زلنا في مرحلة الضباب الأميركي الداكن حيال مستقبل تعاطي واشنطن مع الأزمة السورية، فحتى الآن لا نعرف بالضبط ماذا تريد أميركا، ذلك أن مبعوثي الرئيس بايدن للقاءات مع الأوروبيين يقولون لنا دائما إننا في مرحلة دراسة الملف ومراجعة السياسات السابقة وإن ثمة قرارا سيُتخذ قبل الانتخابات السورية، أي مبدئيا قبل مطلع شهر حزيران المقبل، وحتى الساعة لم يُعيّن بايدن أي مبعوث خاص لسورية، ونحن نعلم أن بايدن سيُبقي على التشدد ضد الأسد من منطلق الشعارات التي أطلقها بعد أن اصبح في البيت الأبيض من حرص على حقوق الانسان والديمقراطيات، لكن الضبابية ما زالت سيدة الموقف”
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال بعد إجتماع لندن :”أكدنا التزامنا بالتوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع في سوريا ويدعم إعادة تفويض آلية الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود. و سنواصل العمل من أجل تنفيذ جميع جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وإنهاء معاناة السوريين”.
اللافت أنه رغم بدء حملة الانتخابات الرئاسية السورية، وتقدّم مرشحين لها غير الأسد، ( رغم حتمية فوز الأخير فيها )، لم تُقدم إدارة بايدن على أي تهديد أو وعيد أو عقوبات، وهنا ثمة من يقول إنها ستُعبّر عن موقف واضح في الأسابيع المقبلة، وآخرون يؤكدون أنها لا تريد مواجهة روسيا على الأراضي السورية، وقسم ثالث يرى أن الأولوية الآن هي في ملف الانسحاب من أفغانستان واستكمال محاربة داعش، وهذه أمور لا تتماشى مع صدام مواز على الأراضي السورية.
كل ما تقدّم، لا يشي بحصول تحولات جذرية، لكن الأكيد أن ثمة مناخات تتغيّر وأن حجر الرحى فيها سيكون مستقبل العلاقات الأميركية –الإيرانية، والإيرانية السعودية، والتركية العربية، فإحتمالات الصفقات قائمة بشدة في الوقت الراهن خصوصا ان أميركا وشركائها في مجموعة الدول السبع أكدوا على الحل السياسي وليس العسكري بمعنى ان الحرب انتهت، لكن إنهيار المفاوضات يبقى إحتمالا أيضا، وإسرائيل ستحاول الدخول مرارا على الخط لقلب الطاولة… لذلك ينبغي عدم المغالاة في أي من الإحتمالين.
خمس نجوم