هل يستطيع الائتلاف الوطني قيادة سورية؟ (يزيد صايغ)

 

يزيد صايغ

أصبح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الآن ممثل الشعب السوري المعترف به على نطاق واسع. بيد أنه من غير الواضح تماماً ما إذا كان هذا الائتلاف سيُثبت أنه أكثر فعّالية من سابقه، المجلس الوطني السوري، في تزويد المعارضة السورية بقيادة سياسية حقيقية.
المعارضة السورية في حاجة ماسّة إلى قيادة مقتدرة، في ظل تزايد المؤشّرات على أن ميزان القوى يميل بشكل حاسم لغير صالح نظام الرئيس بشار الأسد. ويتعيّن على المعارضة أن تعترف بأنها في حاجة إلى إستراتيجية سياسية فعّالة قادرة على شقّ النظام من داخله، الأمر الذي يفضي إلى حل نهائي للأزمة السورية وبناء سورية مستقرّة بعد الأسد.

ائتلاف مشوّش
كانت مجموعة أصدقاء سورية تأمل، من خلال اختيارها الائتلاف الوطني بوصفه "الممثل الشرعي للشعب السوري،"ربط غالبية نشطاء المعارضة والمجالس العسكرية والمدنية والمتمرّدين المسلّحين داخل سورية بالهيئة الجديدة. كانت الفكرة تنطوي على أن قوى المعارضة ستندمج عبر منح الائتلاف الوطني هذا المستوى من الاعتراف، وعبر التعهّد بزيادة الدعم المالي لأغراض الإغاثة الإنسانية، وإطلاق الوعود بجعله القناة الرئيسة للأموال الخارجية.
لاريب أن هذه الخطوة زادت من حجم الاهتمام الدولي بالائتلاف بشكل كبير، ومحضته دفعة قوية بين جماعات وهياكل المعارضة داخل سورية. بيد أنها وضعت الائتلاف أيضاً في موقف حرج إزاء كونه يعتمد على مجموعة أصدقاء سورية لضمان قبوله بين السوريين.
في الوقت الراهن، على الأقل، يمثّل الائتلاف الوطني المعارضة السورية أمام المجتمع الدولي ويضغط نيابة عن الشعب السوري. لكن على رغم الضجّة الإعلامية الكبيرة، فإنه يختلف قليلاً في تركيبته وبرنامجه السياسي عن المجلس الوطني السوري. وتبقى مسألة ما إذا كان الائتلاف أكثر تمثيلاً للمعارضة ككل من المجلس الوطني، خصوصاً داخل سورية، موضع جدل. فهو يعتمد عملياً وتنظيمياً على المجلس الوطني، الذي هو الآن جزء من الائتلاف الوطني، كما كان المجلس الوطني، ولايزال، يعتمد على مكوّنه الأساسي جماعة الإخوان المسلمين.
لن يسهم الانهيار السريع للنظام إلا في زيادة التحدّيات التي تواجهها المعارضة، سواء في المراحل النهائية للنزاع المسلح أو بعدها مباشرة. ويواجه الائتلاف الوطني الاحتمال الحقيقي في أن تتجاوزه الأحداث على أرض الواقع في سورية. ولايقلّ عن ذلك خطورة أن الائتلاف ربما يجد البساط مسحوباً من تحت قدميه بسبب مبادرات دبلوماسية جديدة، من قبيل أن تتوصّل الولايات المتحدة وروسيا في نهاية المطاف إلى تقارب ملموس في تقييمهما لاحتمالات بقاء النظام وأولوياتهما الاستراتيجية.

مؤشّرات التوصّل إلى حلّ سياسي
ثمّة دلائل على أن بعض الأعضاء البارزين في النظام السوري ربما يكونون مستعدين للتوصّل إلى تسوية سياسية. لكن الائتلاف الوطني حافظ حتى الآن على موقفه المعارض للحوار مع دمشق. ففي مقابلة ملفتة للانتباه نشرتها صحيفة صحيفة الأخبار اللبنانية في 17 كانون الأول (ديسمبر)، ألمح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى ما هو آت. فقد ذكر أنه على رغم أن الأسد لايزال مصمماً على "حسم الامور عسكرياً حتى تحقيق النصر النهائي، و عندها يصبح الحوار السياسي ممكناً . . . و كثيرون في الحزب [البعث] و الجبهة [الوطنية التقدمية الحاكمة] والقوات المسلحة يعتقدون منذ بداية الأزمة وحتى الآن أن لا بديل عن الحل السياسي، و لا عودة إلى الوراء".
من الواضح أن الشرع كان يعبّر عن ميله الخاص. وقد استند في ذلك إلى قناعته بأنه لا قوات النظام ولا متمرّدو المعارضة قادرون على إنهاء الأزمة وفقاً لشروطهم.
لايشارك الائتلاف الوطني الشرع في تقييمه، مستنداً في ذلك إلى النجاحات التي حققها المتمردون ضد قوات النظام حول حلب، وفي شمال شرق البلاد، وعلى نحو متزايد حول دمشق منذ تشرين الثاني (نوفمبر). وكان تعليقه الرسمي الوحيد هو الإشارة إلى مقابلة الشرع بوصفها واحداً من بين مؤشرات كثيرة على أن "النظام يعيش أيامه الأخيرة بصعوبة ويسعى أن لا يموت وحده". وهذا يتماشى مع تعهّد الائتلاف بـ"عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم".
من المفترض أن الائتلاف الوطني أيضاً لايتفق مع دعوة الشرع إلى "تسوية تاريخية" تبدأ بـ"وقف جميع أشكال العنف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة". غير أن الائتلاف ربما يتعرَّض الآن إلى ضغوط لتعديل موقفه، حيث يبدو أن الأزمة السورية تقترب من نهايتها.

إحياء بيان جنيف
كان المجتمع الدولي أيضاً يشعر بالضغط كي يتكيَّف مع الوضع من جديد نتيجة للأحداث على الأرض. فقد أكد سفير الولايات المتحدة لدى سورية روبرت فورد، الذي غادر دمشق في أوائل العام 2012، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) أن أولوية الولايات المتحدة لازالت تتمثّل في إبرام صفقة سياسية بين المعارضة وبين أعضاء الحكومة الذين "لم تتلطّخ أيديهم بالدماء". وقال: "نحن نعتقد أن الحل العسكري ليس هو أفضل وسيلة بالنسبة لسورية"، مضيفاً أن "الجهود المبذولة لتحقيق ذلك من خلال التغلّب على طرف أو آخر ستطيل أمد العنف وتفاقم الوضع الإنساني المروّع".
تشير هذه التصريحات بشكل مباشر إلى تسوية سياسية على غرار التسوية التي كانت مرتقبة في بيان جنيف الذي وقّعته الولايات المتحدة وروسيا، من بين دول أخرى، في 30 حزيران (يونيو). إذ دعا البيان إلى "إنشاء هيئة انتقالية حاكمة" يتم تشكيلها بموافقة متبادلة بين أعضاء الحكومة السورية الحالية إضافة إلى المعارضة والجماعات الأخرى.
وقد أصرّ المسؤولون الأميركيون على أن صياغة مثل هذا الحلّ السياسي لن تكون ممكنة إلا بعد سقوط نظام الأسد. مثل هذه التصريحات تنطوي على تناقض لفظي. فانهيار النظام هو حالة من النصر الكامل، وليس حلاً سياسياً. ومع ذلك، في ذلك الوقت، تعثّر اتفاق جنيف بشأن مسألة ما إذا كان الأسد سيبقى في منصبه أم لا، ولاسيّما مع إصرار موسكو على أنه لا يمكن حرمانه مسبقاً من أن يكون جزءاً من المفاوضات.
لكن يبدو أن روسيا قبلت أخيراً حقيقة أن أيام الأسد باتت معدودة. فقد اعترف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في 13 كانون الأول (ديسمبر) بأن المعارضة السورية يمكن أن تحقّق نصراً بالوسائل العسكرية. وبعد خمسة أيام، أكّدت البحرية الروسية أنها قد أرسلت سفناً إلى سورية "لاحتمال المشاركة في إجلاء المواطنين الروس".
وقد انعكس تقارب وجهات النظر بين الأميركيين والروس في بيان صدر في 9 كانون الأول (ديسمبر) عن الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسورية الأخضر الإبراهيمي بعد مناقشات أجراها في جنيف مع بوغدانوف ونظيره الأميركي، نائب وزيرة الخارجية وليام بيرنز. وأكّد البيان أن "العملية السياسية لإنهاء الأزمة في سورية ضرورية ولاتزال ممكنة"، وينبغي أن تستند إلى العناصر الأساسية الواردة في بيان جنيف.
ربما تستبق التطورات العسكرية هذا الحل الدبلوماسي، لكنه قد يكتسب جاذبية أيضاً عندما يبدأ نظام الأسد في الانهيار. ومن المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى إحراج الائتلاف الوطني، والذي سيجد صعوبة بمكان للتوصّل إلى توافق داخلي بشأن أي شكل من أشكال تقاسم السلطة المؤقتة في سورية، حتى لو تمّ استبعاد الأسد. ولكن لا يمكنه تجنّب الاستجابة إلى ما لا نهاية لما يمكن أن تكون فرصة سانحة لوضع حدّ لإراقة الدماء وضمان انتقال أكثر أمناً للسلطة.

المهام الفورية للائتلاف
لايمثّل التعاطي مع الفرص أو التهديدات الدبلوماسية بأي حال التحدّي السياسي الأكبر الذي يواجهه الائتلاف الوطني. وفيما تدخل الأزمة السورية مرحلتها الأكثر أهمية، والمؤكد تقريباً أنها الأكثر تعقيداً، فإن مهمة الائتلاف الفورية هي توكيد قيادتها الشاملة للمعركة التي تدور رحاها في جميع أنحاء البلاد. ويتعيّن عليه اتّخاذ قرارات إستراتيجية بشأن الطريقة التي تتم بها معركة دمشق وتوقيتها، وبشأن ما إذا كان ينبغي خوض مثل هذه المعركة بأي حال. وهذه مسألة سياسية في الأساس.
السوابق لاتبعث على الاطمئنان. إذ كانت الجماعات المحلية المتمرّدة على الدوام هي التي تتّخذ قرار نقل المعركة إلى المدن الكبرى. فقد نقل لواء التوحيد الإسلامي، على سبيل المثال، المعركة إلى حلب رغم عدم تفضيل قائد الجيش السوري الحر ورئيس المجلس العسكري العقيد عبدالجبار العكيدي ذلك. وكانت جبهة النصرة، التي أدرجتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية أجنبية في 11 كانون الأول (ديسمبر)، جنباً إلى جنب مع الجماعة الجهادية غرباء الشام وكتائب الفاروق، وسّعت العمليات العسكرية لتشمل محافظة الرقة. ودخلت هذه المجموعات أيضاً، إضافة إلى لواء عاصفة الشمال، المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، ما تسبّب في وقوع اشتباكات.
كما بدأ المتمردون المحليون أيضاً معركة دمشق المتواصلة، وعلى رأسهم كتائب أحرار الشام، التي وصفها أحد الخبراء بأنها "أكبر شبكة سورية من الجهاديين المحليين". ويتولّى عدد هائل من المجموعات الأخرى المنضوية بشكل فضفاض تحت لواء الجيش السوري الحر( يقال إن معظمها سلفيّة أو تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين) إدارة المعركة في معظم المناطق الميطة. و لكن لجان التنسيق المحلية الشعبية، لا الائتلاف الوطني، هي التي دعت مقاتلي المعارضة في 13 كانون الأول (ديسمبر) لضمان تجنيب العاصمة مصير "جميع المدن السورية الأخرى" على أيدي النظام.
كان الائتلاف الوطني أيضاً بطيئاً في اتّخاذ خطوات واضحة وملموسة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة. إذ يتعيّن عليه إيجاد السبل الكفيلة بمساعدة الأمم المتحدة في تقديم المساعدات لما يُقدَّر بأربعة ملايين شخص محتاج داخل سورية، نحو مليونين منهم من المشرّدين من منالهم. وقد رحّبت مجموعة أصدقاء سورية بإنشاء الائتلاف الوطني "وحدة تنسيق المساعدات" بهدف تنسيق عمليات إيصال الإغاثة، وتعهّدت بزيادة تمويل أنشطتها. لكن المجموعة أدركت أيضاً الحاجة إلى بناء القدرات المؤسّسية للائتلاف للاضطلاع بهذه المهام على نطاق واسع، وهو ما سيستغرق وقتاً طويلاً.
في 19 كانون الأول (ديسمبر)، دعا رئيس الائتلاف معاذ الخطيب الجيش السوري الحر إلى توفير ممرّات آمنة للوكالات الإنسانية الدولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن قدرة الائتلاف على ضمان تدفّق المساعدات تبقى موضع شك. إذ يعتمد ذلك الى حد كبير على نجاح الائتلاف بتشكيل حكومة مؤقتة داخل سورية للقيام بإدارة وتوفير الخدمات الأساسية والإمدادات في المناطق المحرّرة، وهو ما يتوقّف بدوره على تأمين التمويل. و يشكّ أعضاء الائتلاف في مجالسهم الخاصة بأن تضع مجموعة أصدقاء سورية أموالاً خارجية تحت التصرّف المباشر للائتلاف، ما يثير تساؤلات جدّية حول التأثير المحتمل لتلك الحكومة في المستقبل.
هذه الأسئلة لن تتلاشى إذا ما استولت المعارضة على دمشق. ولو حدث ذلك، فسيكون لزاماً على الائتلاف الوطني أن يقرّر ما إذا كان ينبغي الرد، وكيف، إذا انسحبت فلول نظام الأسد إلى المنطقة الساحلية حول اللاذقية وطرطوس وتحصّنت هناك، كما يتوقّع العديد من المراقبين. وإذا ما تمسّك النظام بمواقعه الحالية حتى ربيع العام 2013، فقد يجد الائتلاف بعد ذلك أن تأييده الشعبي في الداخل ومكانته لدى مجموعة أصدقاء سورية يتوقّفان بشكل متزايد على قدرته على توفير الإدارة الفعّالة والاحتياجات الإنسانية الأساسية للناس داخل سورية .

تحدّي القوة الثالثة
من المغري بالنسبة إلى المعارضة السورية أن تسمح للأحداث بأن تتابع تلقائياً على الأرض، لأنها واثقة من أن زوال نظام الأسد بشكل كامل أمر لامفرّ منه. لكن، مهما كانت طريقة وتوقيت نهاية الصراع في سورية، فإنها ستؤدي بالتأكيد إلى نتائج متقلّبة ومعقّدة للغاية سيكون الائتلاف الوطني في وضع صعب كي يتمكّن من احتوائها.
يفاخر الائتلاف الوطني بأنه يحظى بدعم من أشخاص مثل رئيس الوزراء السابق رياض حجاب والعميد مناف طلاس اللذين انشقا في الصيف الماضي. لكن مع وجود حوالي 1.2-1.5 مليون من الموظفين المدنيين في القطاع العام في سورية – بالإضافة إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي لاتخضع إلى إشراف وزارة الداخلية – و العدد الكبير من كوادر حزب البعث في جميع المستويات البيروقراطية -للدولة، من المؤكّد أنه سيكون هناك منافسون آخرون على السلطة. سيدّعي المسؤولون و الضباط الموالون الذين لم ينشقّوا بشكل فردي وينضمّوا إلى الائتلاف، بثقة، أنهم قادرون على جلب جهاز الدولة والجيش والمؤسسة الأمنية وحزب البعث وسدّ الفجوة المتّسعة مع العلويين الذين حكموا البلاد لفترة طويلة.
تعتقد مجموعة أصدقاء سورية وروسيا – وربما إيران أيضاً – أن من المهم تجنّب فشل الدولة في سورية والحفاظ على الجيش وتأمين الأسلحة الكيماوية. ومن المرجّح أن يلجأوا إلى هذه "القوة الثالثة"، إذا ما انبثقت، لإدارة البلاد وتحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية.
تبدو الخطوات التي يقوم بها الائتلاف الوطني للمنافسة على ضمان ولاء الاجهزة البيروقراطية غير كافية على الإطلاق. ففي 14 كانون الأول (ديسمبر)، أعلن حجاب عن إنشاء التجمع الوطني للعاملين في مؤسّسات الدولة، والذي سيتولّى رئاسته من مكاتب في العاصمة القطرية الدوحة. لم يحضر الاجتماع الافتتاحي للتجمع الذي عقد في عمان سوى 26 من المنشقين، معظمهم من السفراء والقضاة وأعضاء البرلمان الذين كان قد تم الإعلان عن انشقاقهم خلال السنة الفائتة. و تشي حقيقة أنه تم تخصيص مقعد واحد فقط من أصل 70 في الجمعية العامة للائتلاف، وهي الهيئة التي تتولّى وضع السياسات، لتمثيل المنشقّين المدنيين، بالكثير عن وضعهم داخل التجمع.
لايبدو الائتلاف مستعداً لمواجهة سماسرة السلطة الجدد الذين سيظهرون حتماً في جميع أنحاء البلاد. بعضهم سيكون تابعاً مباشرة للمعارضة مثل نشطاء الثورة والمتمردين المسلحين والزعماء المحليين، و بينهم من فرض نفوذه الاجتماعي والاقتصادي القوي حتى في ظل نظام الأسد، مثل زعماء العشائر، والمشغّلين في سوق العمال المهاجرين الكبيرة في سورية، ورؤساء شبكات التهريب. وقد ينبثق البعض الآخر من حزب البعث وجهاز الدولة، وخاصة على مستوى المحافظات، وحتى من الجيش والأجهزة الأمنية.
لن تكون صفوف الائتلاف الوطني نفسه بمنأى عن بيئة إعادة الاصطفاف المتعدّدة التي تتطوّر بسرعة والتي ستدفع إلى إقامة تحالفات جديدة وغير متوقّعة عبر الخطوط الحالية للصراع. هذا لايعني أن النظام سيبقى على قيد الحياة على نحو ما، بل أن المشهد السياسي في سورية قد يتغيّر في وقت أقلّ مما استغرقته عملية تجميع الائتلاف الوطني.

تقاسم السلطة ليس شعاراً قذراً
لكي يتمكن من تفكيك النظام بشكل حاسم، يجب على الائتلاف الوطني تقسيم صفوف هذا الأخير سياسياً. هذا يعني إقناع العلويين، وكذلك الطوائف الأخرى الصغيرة في سورية، وربما أعداد كبيرة من سكان المناطق الحضرية، بأن محاورين يحظون بثقتهم سيمثلونهم في المفاوضات الرامية إلى إقامة نظام جديد. بيد أن الائتلاف الوطني كرّر عزمه على بدء الفترة الانتقالية من خلال تطهير النظام والمرتبطين به في جهاز الدولة والجيش، وتفكيك الأجهزة الأمنية، وحلّ حزب البعث الذي يضم 2.5 مليون عضو.
هذا أمر مشروع تماماً، لكن هذه هي أيضاً الوسائل المؤسّسية الرئيسة التي قامت من خلالها الطوائف التي تخشى الآن على مستقبلها بالتعبير عن مصالحها و التفاوض عليها في الماضي. اعترض عضو في المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قابله الكاتب في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) قائلاً: "ولكن من الذي قال شيئاً عن حلً حزب البعث؟" فكان لا بدّ من تذكيره أن ذلك ورد في المادة الأولى من ورقة "الرؤية السياسية المشتركة" اللتي تمت الموافقة عليها من جانب اللقاء الموسّع للمعارضة المنعقد في القاهرة يوم 3 تموز (يوليو) وأكدها من جديد الائتلاف الوطني يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر). هذه الغفلة السياسية مثيرة للقلق.
قال السفير الأميركي فورد إن المعارضة السورية في حاجة "للعمل مع العلويين ومساعدتهم على أن يفهموا أن لهم مكاناً في سورية المستقبل، مكان يمكن لهم فيه. . . أن يعيشوا بأمان وأن يتمتّعوا بالحقوق التي يتمتّع بها جميع السوريين الآخرين". وردّت شخصيات بارزة في المعارضة على هذه الحاجة مراراً بالقول إنها تواصلت بعيداً عن الأنظار على مدى أشهر عدة مع "عشرات" من العلويين لإشراكهم في الحوار وطمأنتهم. بيد أن هذا يسلّط الضوء على عدم استعداد المعارضة لتقديم برنامج علني يتضمن عروضاً صريحة وتطمينات ملموسة.
إذا لم تقم المعارضة بذلك الآن، فلماذا ينبغي للعلويين أو أي مجموعة أخرى، أن تثق بها لإظهار المزيد من التصميم و الشجاعة في حمايتهم والدفاع عن حقوقهم علناً في الفترة الانتقالية، ناهيك عن القيام بذلك في سورية المستقبل؟ فقد أثبتت الضمانات الكلامية الجميلة بأنهم سيتمتعون بالمساواة الكاملة في ظل سيادة القانون في نظام ديمقراطي موعود أنها غير كافية لإقناعهم.
إن تغيير هذه الصورة هي مسؤولية المعارضة السياسية. وسيتعيّن على المعارضة أن تواجهها صراحة عاجلا أو آجلاً و أن تقترح صيغة لمشاركة محاورين ذوي صدقيّة نيابة عن الجهات الفاعلة الرئيسة المؤسّسية والمجتمعية التي تصطفّ حتى الآن ضدّها. ويجب أن يكون لهذه الجهات الفاعلة رأي في وضع تدابير بناء الثقة المؤقّتة، ووضع ضمانات جادّة لأمنها في الدولة السورية ما بعد الأسد.
هذا هو التحدّي الأصعب الذي تواجهه المعارضة، وفي نهاية المطاف التحدّي الأكثر أهمية، وذلك لأن تقاسم السلطة لايقتصر فقط على تسريع انهيار النظام. بل يتعلّق أيضا بالتأكد من أن جهاز الدولة ونواة الجيش وكوادر الحزب السابقة ومسؤولي النقابات، وغيرهم الكثير، سيتعاونون مع السلطات الحاكمة الجديدة. ويبدو أن المعارضة لاترى في ذلك إشكالية من أي نوع، على افتراض أن أجهزة الدولة ستنفّذ مخططاتها الخاصة بسورية الجديدة بعد أن تتولّى السلطة، لأنها واثقة من أن أغلبية كبيرة من السوريين تؤيّدها. لكن هكذا إستحكام سهل و متيسّر غير ممكن، كما أظهرت كل الحالات الانتقالية في "الربيع العربي".
ما لم تتبنّ المعارضة هذا النوع من المقاربة السياسية لهزيمة النظام، فإن خططها لـ"اليوم التالي"، المتمثّلة في تحقيق العدالة الانتقالية، والتعويض العاجل لضحايا العنف، وإعادة الخدمات العامة، وإعادة بناء الاقتصاد والبنية الأساسية، يمكن أن تتعطّل، ما يعيد سورية الى دوامّة العنف و الانهيار المؤسّسي.

مركز كارينغي للشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى