
تستكمل الادارة الأمريكية هندسة المنطقة العربية ضمن إطارها الجيواستراتيجي المسمى “الشرق الأوسط”. ومع إنضاج كل مرحلة تتضح سمات ما ستؤول إليه المنطقة العربية. وتتضح أكثر الحال الذي ستنتظم وفقه. وفي المؤتمر الاحتفالي الذي عقد في شرم الشيخ، والذي أداره نجم النظام الإقليمي الجديد الرئيس ترامب، في هذا المؤتمر تبين أن ترامب أطلق على النظام الذي يركبه لمنطقتنا والشرق الأوسط اسم “السلام” لذلك سمى مؤتمر شرم الشيخ مؤتمر السلام”. فما هي سمات هذا النظام التي تكشفت حتى الآن؟؟
كما اتضح في شرم الشيخ فإن ترامب يعتمد ويستعين بالحكام. وحسب تفضيلاته التي أعلنها على منصة شرم الشيخ فإنه يفضل التعاون والتحالف والمشاركة مع الحكام المستبدين والشعبويين واليمينيين سواء من الحكام الأوروبيين أو العرب ملوكا وأمراء ورؤساء. سلام ترامب يصنعه مستبدون يمينيون وفاشيون. يمكن اختصارهم بماركة الرئيس ترامب في الحكم والإدارة وفي التفرد الانفراد.
طبعا وقبل كل الحلفاء الذين ظهروا في شرم الشيخ هناك شريك لترامب في ترتيب وإنجاز هندسة الشرق الأوسط وضمنه المنطقة العربية. هذا الشريك هو نتنياهو الذي حقق لمشروع ترامب (تمهيد الميدان الاستراتيجي) بقوة النار. فقد كسر حماس ودمر قطاع غزة، وهد قوة حزب الله وأحرق جنوب لبنان، وأسقط أوهيأ لسقوط نظام الأسد وانهك إمكانيات القوة في الجيش السوري. واحتل جنوب سورية وقمة جبل الشيخ، وحطم قوة الإندفاع في المشروع النووي الإيراني. وأنهى قوة الحوثيين بضرب موانئهم ومواقعهم الفاعلة. وجمد المليشيات العراقية بالتهديد والوعيد. كل ذلك بالتوازي مع اغتيال رموز محور المقاومة، من نصر الله وصفيي الدين إلى اسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، إلى جميع أعضاء حكومة الحوثي ومعظم علماء إيران وقادتها العسكريين والأمنيين، إلى الصف الأول من حزب الله وفيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني. نتنياهو جهز وأنجز وهيأ الميدان الاستراتيجي للنظام الإقليمي الجديد بحيث لم يعد هناك أي دور أو فعالية للمليشيات المقاومة. كما لم يعد هناك أي إمكانية لدور إيراني في المنطقة. مع تغيير في اتجاه الدور الروسي خاصة في سورية. وهكذا صار واضحا أن فوق كل الحلفاء من القادة والحكام المستبدين والشعبويين هناك شريك فاعل لأمريكا وينفذ بالنار ما يلزم لمشاريعها هو نتنياهو المعبر عن إسرائيل ودورها.
في إعلان خطته لوقف النار في غزة أصر الرئيس ترامب على تسميتها “خطة السلام” وعن اللجنة الدولية لإدارتها أصر أيضا على تسميتها “مجلس السلام”. وكرر تأكيده أن هذه الخطة ليست محصورة في غزة فقط بل هي “خطة سلام للشرق الاوسط كله”. وهي (النموذج والمنطلق لتحقيق السلام في المنطقة العربية والشرق الأوسط). وكما جرى الحديث عن إقامة “منطقة اقتصادية” في غزة يجري الحديث عن إقامة “منطقة اقتصادية” في الجولان السوري المحتل. وهناك حديث واضح عن “منطقة اقتصادية” في جنوب لبنان، كما لم تغب تماما فكرة “ريفييرا” غزة، لكنها أوجلت لامتصاص الرفض الشعبي الذي قوبلت به. ولا غرابة أبدا إذا سمعنا عن ريفييرا في لبنان. لا نستغرب طرح ريفيييرا في الساحل السوري. وكلها، المناطق الاقتصادية وريفييرا ، من أسس النظام الإقليمي الترامبي المسمى ب (السلام).
كما هو واضح في التسميات، من السلام إلى المناطق الاقتصادية، إلى الريفيرا، كلها تسميات تحمل عوامل جذب ومختارة بحنكة تسويقية للإيحاء بأنها تحمل الخير والرفاه لشعوب المنطقة. خير يحرم او يريح شعوب المنطقة من أعباء خيارات سياسية واستراتيجية تحقق ما بـ “السيادة والاستقلال”. وخير يريح أهل وأصحاب البلاد من أعباء الحكم والإدارة بتحميل كل ذلك إلى ما يشبه لجان “إدارة المناطق الاقتصادية” المشتركة مع إسرائيل وأمريكا. أو ما يمثل “مجلس السلام” في غزة. انها وصاية سياسية “خيرية” تقدمها أمريكا للمنطقة. تستثمر في مواردها وثرواتها، وتستحوذ على مكاسبها وقرارها السياسي، وتحول شعوبها الى “سكان” توفر لهم فرص عمل تقيم أودهم وتشبعهم لقمة العيش دون ان تتعبهم بالهموم الوطنية أو الحقوق القومية أو مسائل السيادة والاستقلال المتعبة للقلب والعقل.
حتى الآن المنطقة على أبواب نظام لا مقاومة فيه. نظام يحذف الدور الإيراني ويعدل الدور الروسي. نظام بلا جيوش قوية. نظام مؤمن عبر حكامة بضرورة الاندفاع نحو السلام مع إسرائيل، والانخراط في العائلة الإبراهيمية. انه نظام المناطق الاقتصادية بإشراف أمريكي إسرائيلي، وريفييرات مشمسة بإدارة جاريد كوشنر اليهودي الإسرائيلي الأمريكي.
لا تنسوا الاسم التجاري التسويقي وماركة هذا النظام “السلام الأمريكي” القائم على مناطق اقتصادية، وريفييرات مشمسة بدون وطنيات متعبة ومكلفة وخالية من هذيانات الديمقراطية أو حقوق الإنسان. وعلى الجميع الاستعداد لهذا السلام الأميركي الخيري الذي يمكن لترامب ان يطالب بإيجاد ونيل جائزة (نوبل للخير الإستراتيجي).
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



