ماذا سيضيف «الزعيم» للدراما التلفزيونية في عمله الجديد «فرقة ناجي عطالله» بعد غياب عنها دام نحو ثلاثة عقود، وهل ستراعي العودة التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية التي شهدها العالم العربي، وكيف سيتعامل مع المشاكل التي تلاحقه والدعاوى المرفوعة ضده؟
أسئلة لا بد منها لما يمثله إمام من قيمة فنيّة وحضور لافت وكاريزما.
قبل 30 سنة، قدّم إمام «دموع في عيون وقحة» وهو من أوائل المسلسلات المصرية التي كشفت عن الجواسيس وأنشطة الاستخبارات العامة، ودورهم في حرب أكتوبر.
بعد هذا العمل غاب «الزعيم» عن التلفزيون، وتفرغ كلياً للسينما، حاصداً نجاحات ملحوظة، مقدماً أعمالاً أثارت نقاشاً، طارحاً قضايا شائكة، مهاجماً الشيوعيين و«الاخوان المسلمين»، الى أن وصلت به الأمور لتقديم أعمال تجارية بحتة خلال العقد الأخير، لم تحقق نجاحاً في شباك التذاكر، ولم تضف شيئاً الى رصيده السينمائي أو قيمته الفنية.
وقد يكون الدور الذي لعبه في «عمارة يعقوبيان» (2006) للمخرج مروان حامد، من أهم الأدوار التي قدمها في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع فشل أفلامه الأخيرة «بوبوس» و»حسن ومرقص» و»الزهايمر». كما شهدت الفترة الأخيرة، توجهاً كبيراً من نجوم السينما المصرية صوب الدراما التلفزيونية، خصوصاً في موسم رمضان، لما تحققه من نجاح ومتابعة، كما أن هجرة الممثلين السوريين الى القاهرة، أعطى هذه الأعمال بعداً جديداً، وأفقاً أوسع.
كل هذه الأسباب جعلت صاحب «النوم في العسل» يوجّه بوصلته نحو التلفزيون مجدداً، بحثاً عن تلميع صورته السينمائية التي لم تقدر على المنافسة حديثاً لأسباب كثيرة منها، إعتماد الأسلوب الكوميدي ذاته في عدد من أعماله وعدم التجديد، ومعالجة قضايا بطريقة سطحية، وتكرار النكات التي بات يحفظها الجمهور غيباً، أو ضربة الكف التي باتت تميز أعمال «الزعيم»، وصعوبة مجاراة نجوم كوميديين شبان عالجوا قضايا مجتمعهم معتمدين على الذكاء والحنكة في إيصال الطرفة، وعلى مواقف كوميدية سوداء.
يدخل إمام سباق رمضان هذا الموسم بمسلسل «فرقة ناجي عطالله» للكاتب يوسف معاطي والمخرج رامي إمام، وتعرضه قناة «ام بي سي»، إضافة الى عدد من القنوات العربية والمحلية. وتدور القصة حول الصراع العربي – الاسرائيلي.
ولكن لماذا إختار إمام لعودته هذا الموضوع، وهل راعى التطورات السياسية والثقافية والاجتماعية التي غاب عنها طوال 30 سنة؟ ولماذا أهمل مثلاً الربيع العربي، وشباب ميدان التحرير الذين يُكتب عنهم عشرات المسلسلات، علماً أن «الزعيم» كان من مناصري نظام حسني مبارك، وكان له رأي سلبي تجاه ثورة 25 يناير.
قد يكون امام إستسهل فكرة التعاطي مع الصراع العربي – الاسرائيلي من خلال حبك قصة مثيرة، وبذلك قد يكون لعب على الحالة النفسية للمشاهد باستحضاره مواقف تثير العاطفة والتضامن مع شعب (الفلسطيني) تُنتهك حقوقه في ظل صمت عربي.
من الصعب الحكم على العمل قبل مشاهدته ومعرفة تفاصيله، لكن الفكرة العامة للمسلسل لن تحتاج إلى متابعة، خصوصاً أن أعمالاً مشابهة الى حد ما حققت نجاحات باهرة كمسلسل رأفت الهجان وبعض أفلام نادية الجندي ومحمود عبدالعزيز.
لكن الأعمال المذكورة غاصت في الصراع، وبحثت عن مواقف جديدة آنذاك، ولكن ما الجديد الذي سيقدمه إمام غير التذكير بمعاناة الفلسطينيين في التنقل، وصعوبة المرور في الأنفاق، والمجاهرة بالذكاء والحنكة العربية في التسلل الى الأراضي المحتلة وسرقة بنك للعدو.
قد تكون فكرة العمل، ضربة معلم بالنسبة الى إمام، لما فيها من ايجابيات وأهمها، الطريقة التي سيجذب فيها الجيل الجديد من خلال فكرته الاستعطافية. هذا الجيل الذي لم يعرف من أعماله سوى الضحك والمواقف الساخرة والمثيرة والقبل، ولم يعاصر أعمالاً مثل «الإرهابي» و»الارهاب والكباب» و»طيور الظلام».
ومن خلال «فرقة ناجي عطالله» يكون «الواد سيد الشغال» حاكى الشباب ولعب على مشاعرهم، وأخبرهم أن ثمة قضية اسمها فلسطين يجب ألا ننساها، وبذلك يكون أيضاً طرح موضوعاً مثيراً خلال شهر يتسمّر فيه ملايين المشاهدين أمام الشاشات.
شهدت الفترة التي غاب فيها إمام عن التلفزيون، تطوراً لافتاً على صعيد الدراما والاخراج والانتاج والديكور والنص (طبعاً لا نقصد كل الاعمال).
وغاصت بعض الأعمال في مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وعشائرية، وكانت إنعكاساً للواقع العربي. كما شهدت تلك الفترة جرأة في طرح المواضيع، وإنتقاد الأنظمة العربية، والدخول في أدق التفاصيل العائلية، من دون أن ننسى طبعاً فورة الدراما السورية، وتقديمها أعمالاً تحاكي البيئة الشامية القديمة.
وتخطت الأعمال المنتجة المواضيع الاجتماعية الى السير الذاتية لشخصيات مهمة، وسير بعض الصحابة، والغوص في روايات تاريخية مع الاستعانة بمؤثرات خاصة وخبراء أجانب لتقديم أعمال ضخمة. كما شهدت الفترة التي غاب عنها «صاحب البيجاما الحمراء» فورة في الدبلجة من المكسيك وتركيا وايران والهند، ما ساعد الدراما العربية في توسيع بيكار خياراتها الفنية وتعرّفها الى صناعة، باتت متطورة جداً في الخارج.
أهمل إمام كل ذلك، ولعب على نفسيّة المشاهد، مراهناً على الموضوع الذي إختاره ليعود به الى التلفزيون. لم يراع التطور الذي شهده العالم العربي، ولا الحرية التي نالتها بعض الشعوب. والملاحظ أن ثمة إصراراً لدى إمام على الأدوار الشبابية، فغالباً ما يكون في أعماله، الرجل صاحب القدرات الخارقة، والقادر على سحر أجمل الصبايا، والعارف دوماً بخفايا الأمور. ويتطلب دوره في «فرقة ناجي عطالله» جهداً مضاعفاً لكثرة المشاهد الخارجية، وتنقلاً دائماً من منطقة الى أخرى، علماً أن بعض نجوم هوليوود حين يكبر في السن يتجه صوب أدوار خفيفة الظل، كالأب والواعظ والحكيم والمولع بالرياضة، إنما ضمن قالب كوميدي.
ويبقى السؤال الأبرز، هل سيتخلل العمل مواكبة للأحداث التي مرت بها المنطقة، خصوصاً في مصر وسورية؟