واشنطن تستعد لرئاسة السيسي؟ (جويس كرم)

 

جويس كرم

قرار واشنطن هذا الأسبوع الافراج عن جزء كبير من المساعدات العسكرية لمصر، بينها عشر طائرات “أباتشي” وأكثر من ٦٠٠ مليون دولار، لا يمكن قراءته بالتوقيت والمعنى السياسي بمعزل عن الانتخابات الرئاسية نهاية الشهر المقبل في مصر، والتي يتصدر استطلاعاتها وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي .
السيسي الذي جمعته علاقة متقلبة مع واشنطن طوال العام الفائت ومنذ الاطاحة بالرئيس الاسلامي محمد مرسي، ليس بالضرورة الشخصية المفضلة للادارة الأميركية في مصر بعد أشهر من تجاهله نصائح وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل في أكثر من ٢٠ اتصال هاتفي، لوقف السياسة القمعية ضد حركة "الاخوان المسلمين". غير أن توقيت الاعلان عن القرار بارسال الأباتشي قبل أربعة أسابيع من الانتخابات، مع العلم بأنها لن تصل الى القاهرة قبل أشهر، يعزز موقف السيسي والانطباع بأن واشنطن تراجعت وتتعامل معه كأمر واقع، من دون أن يغير مواقفه الداخلية.
فالسبب الأساس لتجميد تسليم الطائرات قبل ثمانية أشهر كان للضغط على السيسي لاحتضان العملية الديموقراطية وابداء مرونة في السياسة الداخلية والتعامل "الاخوان" بعد عزلهم. ولم تأت هذه الاستراتيجية بنتيجة، لا بل بقي التشدد وقمع "الاخوان" سيد الموقف، ونشط في المقابل التهديد الارهابي في سيناء. وزاد هذا الواقع من مخاوف واشنطن على الأمن المصري والاقليمي، وصولا الى مراجعة واعادة ترتيب للأولويات الأميركية. اذ سبق الافراج عن مساعدات الأباتشي، وهي طائرة محورية في محاربة عناصر متمردة، قيام واشنطن بادراج مجموعة "أنصار بيت المقدس" على لائحة الارهاب في التاسع من الشهر الجاري. ورصد البيان يومها قيام المجموعة بالاعتداء على مدنيين وتهديدها للأمن المصري ولأمن اسرائيل. كما لفت بيان وزارة الدفاع الأميركية حول رفع التجميد عن الأباتشي الى اعتبار مكافحة الارهاب في مصر "مصلحة قومية أميركية"، وهذه المرة الأولى التي تربط واشنطن بين الاثنين.
الانعطاف الأميركي الى جانب أنه يضع أولوية للاستقرار ويتكيف مع مرحلة سياسية جديدة في مصر، تحوطه أيضا أسباب اقليمية ودولية. وترى واشنطن خطا أحمر في تنامي نفوذ المتطرفين في نقطة جيو-استراتيجية مثل مصر وعلى الحدود مع اسرائيل. ومن هنا فسر وزير الخارجية جون كيري الافراج عن المساعدات بالتزام مصر معاهدة السلام الموقعة في ١٩٧٩. وترتبط الخطوة أيضا بمحاولة ادارة باراك أوباما استعادة تأثيرها ووزنها الاقليمي أمام تنافس بين دول المنطقة ومحاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التودد الى السيسي والدخول على خط المبيعات العسكرية لمصر. ففي ضوء انتكاسات عملية السلام، وتحدي بوتين لواشنطن في سورية وأوكرانيا، لا تريد الادارة تراجعا لنفوذها أو مأزقا جديدا في مصر، على رغم أنها واثقة من تفوقها العسكري والاقتصادي في التأثير في الساحة المصرية.
وترسخ زيارة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي للعاصمة الأميركية والتي تبدأ اليوم بعد زيارة مدير الاستخبارات محمد فريد التهامي أول الأسبوع، هذه النقلة والحراك الديبلوماسي المتزايد بين الجانبين. كما قد يزور واشنطن الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، وهو من أبرز الداعمين لرئاسة السيسي. كل هذه العوامل تسهم في اعادة العلاقة المصرية – الأميركية الى اطارها الاستراتيجي، والتهيؤ لرئاسة السيسي من منطلق الشراكة البراغماتية، مع ابقاء التحفظات على برنامجه الداخلي.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى