وانغ جوه جن حياة حافلة بالشعر والموسيقى
يعد وانغ جوه جن أسطورة الشعر الصيني المعاصر، أطلق عليه لقب “أمير شعر العصر”، تعد أشعاره الأكثر قراءة وتأثيرا بين الشعر الصيني المعاصر، حتى أنه أثر تأثيرا كبيرا في جيلي الستينيات والسبعينيات، كما أن معظم شباب المدارس والجامعات، يحفظون أشعاره عن ظهر قلب؛ وذلك بسبب ما تتسم به من البساطة والعمق، كما أنها تشع تفاؤلا، وأملا، وإقبالا على الحياة، وتتناول مواضع مختلفة، يعيشها كل إنسان ويقابلها، في هذه الحياة.
هذا ما أكدت عليه المترجمة مي عاشور في مقدمتها لمختارات من أعمال الشاعر وانغ جوه جن وعنونتها بـ “براعم الأمل.. مختارات شعرية” وصدرت ضمن سلسلة كتاب الدوحة، وأضافت”أينما وجد “وانغ جوه جن” وجدت الحماسة، وروح الشباب، وطاقة الأمل. إنه مبدع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو ليس شاعرا فقطـ بل رساما، وخطاكا، وملحنا أيضا.
وقالت عاشور أن أشعار “وانغ جوه جن” أثارت جدلا كبيرا في عالم الشعر المعاصر، حتى أن بعض النقاد المتشديين قاموا بانتقاده نقدا لاذعا، وأشاروا إلى أنه لا يعد شاعرا، بداية من المحتوى الذي يقدمه ومرورا بالمهارة الفنية، ولكن الوقت أثبت خالف ذلك تمامالأن أشعاره تركت بصمة عميقة جدا، في وجدان جيل كامل من الشباب، لدرجة أنه يقال، دائما، إن أعماله موجهة إلى جيل جديد من الشباب العاشق للفن والأدب. لم يلمع “وانغ جوه جن” في أفق الشعر المعاصر في بداية الأمر، كسائر زملائه من الجيل نفسه، والذين ينتمون إلى “تيار الشعر الجديد”، و”تيار الشعر الضبابي”، كما أن وسائل الإعلام المختلفة وضعت أشعاره في مقارنة مع أشعار شعراء جيله، مثل: خاي زي، وشو تينغ، وجو تشنغ، ورددت أن أشعاره لا ترقى إلى مستوى أشعارهم، لكن”وانغ جوه جن” رد على ذلك مستشهدا بأبيات من قصيدته “احترام الذات”، إذ يقول:
“منظر الخريف ليس فتانا كسحر الربيع،
وسحر الربيع، لا يقارن بجمال منظر الخريف”.
ورأت عاشور أنه رغم كل العقبات التي قابلته، أصبح وانغ جوه جن واحدا من أشهر الشعراء المعاصرين الأكثر بروزا وتميزا وشهرة، تصنف كتبه من الكتب الأكثر مبيعا في الصين، بشكل متواصل، فالعديد من الشباب وطلاب المدارس تأثروا به وبقصائده، بشكل ملحوظ، لدرجة أنهم أخذوا يكتبون اقتباسات من أشعاره في دفاترهم، ومذكراتهم وبطاقات المعايدة، وحتى في الرسائل الغرامية، ليس هذا كل شئ، فقد قام الرئيس الصيني شي تجين بينغ بالاستشهاد بمقطع شعري “لا يوجد طريق أطول من الأقدام، ولا جبل أعلى من الإنسان”، من قصيدة “جبل شاهق.. طريق بعيد” للشاعر وانغ جوه جن، في أثناء إلقاء كلمته، في مؤتمر التعاون الاقتصادي للدول الآسيوية والمحيط الهادي، والذي عقد في أندونيسيا، عام 2013.
وقالت “لا يدري أي منا متى ستكون نقطة التحول في حياته، والتي ستغير مسار طريقه كله، فربما تتغير حياتنا، بين عشية وضحاها، في وقت لا نكون متوقعين فيه أن يحدث أي تغيير. في إحدى المدارس الإعدادية في ربيع عام 1990، اكتشفت مدرسة أن الطلاب يكتبون، في حصتها، أشعارا لشاعر يدعى “وانغ جوه جن”، ويتبادلون خلسة، فأخذت هذه الأشعار، وعرضتها على زوجها، الذي كان ـللصدفة الغريبة ـ يعمل رئيس قسم التحرير في إحدى دور النشر، وعندما اطلع زوجها على هذه الأشعار، أي أنها مادة صالح جدا للنشر، فبادرت دار النشر تلك بالاتصال بـ “وانغ جوه جن” وعرضت عليه نشر مجموعة من قصائده في كتاب. ومن هنا كانت البداية الحقيقة لـ “وانغ جوه جن”، وعرضت عليه نشر مجموعة من قصائده في كتاب. ومن هنا، كانت البداية الحقيقة لـ “وانغ جوه چن”، بل يمكننا أن نقول إنها نقطة تحول جلية في حياته، وذلك بعدما نشر أول كتاب له، يجمع قصائده، والذي حمل عنوان “موجة الشباب”. حينها حقق هذا الكتاب نجاحا كبيرا وشهرة واسعة، لدرجة أنه بيع منه 150 ألف نسخة، وأعيدت طباعته عدة مرات، ليصل عدد النسخ المباعة إلى أكثر من 600 ألف نسخة، ودعي “وانغ جوه” لإلقاء محاضرات في أكثر من 40 جامعة وأكاديمية ومدرسة”.
ولفتت عاشور إلى أن نجاح وانغ جوه لم يكن وليد الحظ، بل جاء بعد عناء وتعب، وطريق شاق طويل. استمرت أعماله تطبع بلا توقف، منذ عام 1990 حتى عام 2014.. وأوضحت أن “وانغ جوه” بدأ في مطلع 1993 في تعلم فن الخط الصيني، وكان الدافع الأساسي وراء ذلك كثرة مشاركته في الأمسيات الشعرية والمحاضرات والندوات المختلفة. فهناك، كان يسعى عدد غفير من قرائه إلى الحصول على توقيعه، لكنه كان يشعر بأنه خطه غير منمق أو جميل بتاتا، فعزم على تعلم الخط الصيني، وكان يتمرن ساعة كاملة يوميا على كتابته، مستخدما الفرشاة الصينية، وظل على هذا التمرين عاما كاملا، بلا توقف حتى أتقن الخط الصيني، حتى قيل إن خط “وانغ جوه” هو الأفضل بين الشعراء أجمعين، كما اختيرت أعماله لتعرض في معارض مختلفة، بل ولتجمع في الكتب أيضا.
من أبرز أعمال وانغ جوه: “الولع بالحياة”، و”أفكار الشباب”، و”خواطر عشوائية للمطر” في عام 2015، نشر آخر عمل له تحت عنوان “شباب على الطريق” وقد جمعت فيه الأشعار، والنصوص النثر، واللوحات الخطية والفنية التي قام بإنتاجها في السنوات الأخيرة. وقد أعماله إلى العديد من اللغات منها الكورية واليابانية والإنكليزية.
يقول وانغ جوه أنه لم يتأثر كثيرا بالشعر الصيني الحديث أو المعاصر، وأنه تأثر بشكل أكبر بالشعر الصيني القديم، كما أنه تأثر بأمير شعراء روسيا، الشاعر ألكسندر بوشكين، وبالشاعر الإنكليزي بايرون.
تعلم وانغ جوه العزف عىل البيانو، بعدما تخطى الأربعين من عمره، وبدأ ممارسة التلحين في عام 2001 حتى وصلت عدد الألحان التي لحنها للشعر الصيني القديم، إلى 400لحن، عام 2008. ويقول إنه تعلم العزف منذ صغره على آلتي الأكورديون، والفلوت؛ لذلك فإن لديه خلفية موسيقية لا بأس بها. وعندما عزم عىل العمل في المجال الموسيقي. اشترى كما كبيرا من الكتب المختلفة المتعلقة بالموسيقي. ويضيف وانغ “أمارس كتابة الشعر منذ زمن طويل، فعندي إحساس بكل من موسيقى الشعر، ووزنه، وقافيته؛ لذلك لم أجد صعوبة في تأليف الألحان”.
نماذج من المختارات
قصيدة “أحبك، ولا أحتاج إلى أسباب“
أحبك، ولا أحتاج إلى أسباب سوى أنه،
حين أتت العاصفة الثلجية،
لم تغادري.
وجودنا معا، في الشتاء؛
وذلك يوضح لنا
أن الحياة تحتاج إلى بداية جديدة،
ولا يشير إلى
أن الأمل قد وصل منتهاه.
قصيدة ابنة البحر
بدأت أحب البحر
ثم أحببتك أنتِ
فيك رائحة البحر،
وتمتلكين كل ما لا يملكه من
تفاهم، وتسامح، وشغب.
يحمل القارب الصغير آمال الناس في الإبحار…
داخل القارب الحزوني أنفاس لازوردية، تعلو وتهبط.
عفوية ونقاء، ورحابة صدر ابنة البحر،
والأشرعة البيضاء والصدف الحلزوني،
تجعلنا، نحن ـ الذين نعيش منهكين ـ
لا تعجب بها فحسب، بل نفتن أيضا.
قصيدة الذات
ليس لديك سبب لتحزن،
وتتأرجح حائرا، لأنك الخريف،
وكذلك، ليس لديك سبب لتتكبر،
تصعر خدك، لأنك الربيع.
منظر الخريف ليس فتانا كسحر الربيع،
وسحر الربيع لا يقارن بجمال منظر الخريف.
قصيدة يكفي أن تعطيني ابتسامة
لا تمنحني مشاعر فياضة؛
فكيف لي أن أردها لك؟
فديون المشاعر هي الأثقل؛
لا سبيل لي كي أنساها أو أسددها.
يكفي أن تعطيني ابتسامة،
فهذا التصريح هو الأكثر تحريكا للمشاعر:
كأنه ربيع دافيء، عذب وجميل.
قصيدة أنت هو أنت
إذا كنت نهرا كبيرا
فلماذا تبالي أن يعتبرك الآخرون نهيرا؟!
إذا كنت قمة جبل شاهق،
فلماذا تهتم بأن ينظر الآخرون إليك على أنك سهل؟!
إذا كنت ربيعا،
فلماذا تتنهد على تساقط بتلة من الزهور؟!
إذا كنت بذرة،
فلماذا ينشغل بالك لأنها لم تثمر بعد؟!
إذا كنت أنت،
فالتزم الصمت وتبسم في هدوء.
قصيدة بعد الفراق
أريد أن أنساك.
وحدي،
أذهب صوب مكان بعيد،
أو ربما أدعو رفيقا لمرافقتي
في الطريق
قد يكون هذا موسم تساقط الأوراق الأبدي،
وآخر مشهد للمطر البارد!.
التعارف
دائما جميل جدا.
أما الفراق،
فمن الصعب أن يكون كذلك.
إن طيفك
مثل طائر نعّار.. لا يبرح!
أكثر ما أود تناسيه
هي الذكريات الأكثر عمقا.