وثائق حرب 1973 تزيد الغموض: “دونية العرب السبب الرئيسيّ لاعتقاد الكيان بخشية مصر وسوريّة بالهجوم”..
زهير أندراوس
وثائق حرب 1973 تزيد الغموض..ما زالت الحرب مُستعِّرة بين جهازيْ الموساد والاستخبارات الخارجيّة حول عدم معرفتهما باستعداد كلٍّ من مصر وسوريّة للهجوم المُباغِت على الكيان في حرب 1973، وأنّ مرد ذلك يعود إلى الشعور بالاستعلاء والقوّة والعربدة والبلطجيّة التي سادت الكيان بعد النكسة العربيّة في عدوان العام 1967.
وأكّدت الوثائق الإسرائيليّة الجديدة التي نُشِرت بمناسبة مرور خمسين عامًا على حرب أكتوبر 1973 أنّ قادة الكيان فوجئوا بالهجوم المصريّ السوريّ المُشترك، وكان هناك إجماعًا أنّه ليس متوقعًا اندلاع الحرب، وأنّ الشكّ رافق قادة الدولة اعتراف وزير الأمن موشيه ديّانّ بأن التقييم استند لحرب 1967، وتبيّن لاحقًا أنّه غير صحيح.
وجاء أيضًا أنّ “رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)، إيلي زعيرا، قدّم لمحة عامة عن مصر وسوريّة، بزعم أنّ يقظتهما ترجع أساسًا للخوف من إسرائيل، دون تجاهل المناورات الروسية، وليس من الواضح سبب قيامهم بذلك”.
وتابع: “كان لرئيس الأركان ديفيد أليعازر (دادو) رأي مماثل أيضًا، زاعمًا أنّ اعتقاده بأنّ السوريين والمصريين لن يهاجموا، ليس لدينا أي دليل على ذلك، مع العلم أنّ رئيس جهاز الموساد تسفي زامير لم يكن حاضرًا في المناقشة، لأنّه غادر إلى لندن بشكل عاجل للقاء صديقه، وهو أشرف مروان، الذي كان أشهر وأغلى عميل عربيٍّ لكيان الاحتلال.
وذكرت الوثائق الرسميّة أنّ “ديّان أبلغ الحاضرين في الجلسة أنّ الصور الجويّة حددت معدات تابعة للقوات المصرية، ويبدو أنّ استكمال بناء الدبابات كان ناجحًا، وعرض نقل رسالة للأمريكيين جاء فيها أنّ السوريين سيهاجمون إسرائيل، وإبلاغ الروس أنّه ليس لدينا ميول عدوانية، وبعد ساعات قليلة، عقدت مشاورة أخرى في مكتب غولدا، وقدم زعيرا مراجعة أخرى، لكنه ظل ثابتًا في رأيه بأنّ الحرب لن تندلع، كما جاء بالوثائق.
أمّا رئيس هيئة الأركان العامّة، الجنرال دافيد إلعازر فنُقِل عنه قوله “ما زلنا نعتقد أنّه يحتمل جدًا أنْ يكون التأهب السوري والمصري نابعًا من الخوف منا، وأنّ تكون نواياهما الحقيقية القيام بأعمال عدوانية في اتجاهات محدودة، أي أنّ التقييم الأساسي لـ”أمان” بأننا لا نواجه حربًا هو التقييم الأكثر ترجيحًا، وما نراه من تشكيلات واستعدادات تحمل سمات الدفاع فقط، رغم أنه يمكنه الهجوم على الفور”.
وشدّدّ الجنرال: ” لكن ليس لدينا دليل كاف على أنهم لا ينوون الهجوم بناء على المعلومات، وقبل 18 ساعة من شن مصر وسوريّة هجومًا مشتركًا، قدر أننا سنتلقى المزيد من الأخبار باعتزامهم شن هجوم مباغت من نوع ما، فإذا علمنا بذلك قبل 12 أو 24 ساعة، فهذه أيضاً مفاجأة كبيرة”.
علاوة على ذلك، أوضحت الوثائق أنّه في “صباح يوم 6 أكتوبر، وفي تمام السابعة والنصف مساء، وصلت رئيسة الوزراء غولدا مائير لمكتبها في تل أبيب، وقرأ سكرتيرها العسكري في أذنها برقية أرسلها زامير أثناء الليل بعد لقائه أشرف مروان، وتلقى الحاضرون في الغرفة رسالة واضحة بأن الحرب مع مصر وسوريّة لا مفر منها، وبعد نصف ساعة، جرت مناقشة خاصة بحضور ديان وإلعازر وزعيرا، والوزيرين يغآل آلون ويسرائيل غليلي، وكان أحد الأسئلة الرئيسية التي تم طرحها ما إذا كان ممكنًا توجيه ضربة وقائية ضد المصريين والسوريين، لكن ديّان أكّد أنّه لا يمكننا تحمل تكلفتها هذه المرة من وجهة نظرٍ سياسيّةٍ“.
وطبقًا للوثائق، ذكر مدير مكتب رئيسة الوزراء إيلي مزراحي أنّه “في يوم 25 أيلول (سبتمبر)، قبل أسبوعيْن من اندلاع الحرب، عقدت غولدا لقاء مع (ليفت) وهو لقب الملك حسين، الذي أبلغها أنّه علم من مصدرٍ حساسٍ للغاية أنّ جميع الاستعدادات والخطط المتعلقة بالعملية السورية اكتملت، وأنّ الوحدات موجودة في مواقعها لمدة يومين، بما يشمل سلاح الجو والصواريخ، والاستعدادات المذكورة متخفية في شكل تدريب“.
وأضاف مزراحي: “سألته غولدا عمّا إذا كان ممكنًا أنْ يقوم السوريون بالهجوم بدون التعاون الكامل من المصريين، فأجاب الملك بأنّه لا يعتقد أنهم لن يتعاونون، وفي نهاية اللقاء مع (ليفت) اتصلت غولدا بديّان وأبلغته بحديث الملك عن احتمال الحرب“.
وتابع مزراحي: “عديدة هي الاعترافات الإسرائيليّة التي سنقرأها في قادم الأيام وما زالت حتى اللحظة محتفظًا بالعديد منها في أرشيف دولة الاحتلال، بما فيها سجلات الأحداث في مكتب رئيسة الوزراء، والمحادثات والمشاورات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين، وملخصات الاجتماعات، ومحاضر الجلسات الحكومية“.
كما شدّدّ على أنّ “جميع تلك الاعترافات مكتوبة بخط اليد، حتى أصبحت قراءتها صعبة للغاية، لأنّ خمسين عاما مرت على تدوينها، ولعل هذا التوثيق يكشف خطورة تلك الأحداث ساعة بساعة، والحاجة لتوثيقها، لأنه يقدم لمحة نادرة عن عمليات صنع القرار“.
جديرٌ بالذكر أنّ مزراحي مدير مكتب غولدا احتفظ بآلاف الوثائق السرية، وهدد بنشر كتاب فيها، وكشف أسرار الدولة، وبدلاً من اتهامه بالتجسس والخيانة، فقد دفعت له دولة الاحتلال مبالغ ضخمة كرسومٍ لصمته، لكنّه توفي في 2001، وحتى الآن، وفقًا لأرشيف الدولة، لم يتّم نشر المذكرات الكاملة التي كتبها أثناء الحرب.
وفي الخُلاصة يُمكِن القول الفصل إنّه على الرغم من نشر الوثائق حول الإخفاق الإسرائيليّ في حرب 73 فما زال المخفي أعظم حول الأسرار التي ما زالت طيّ الكتمان لأسبابٍ تمسّ بأمن الكيان، كما يزعم أقطاب دولة الاحتلال.