وردة الدم القديمة
الحقيقه مرّه … بسبب سوء الطهي
ليس لدينا ذلك الفلاح الذي نظر إلى حقل “شقائق النعمان” وقال: إنها أزهار الدم. بل أحبها وحسب، وأعطته، مثل السنونو، إشارة صريحة على مجيء الربيع، فاستعد، مثل اخضرار الأشجار، لنشوة أنه حي ربيعاً آخر.
اليوم لعبت إسرائيل لعبة أسرار الجمال الصارخ في الأرض الفلسطينية. حيث قررت، من عندها، بعيداً عن الرب، وعن الأساطير…أن زهرة “شقائق النعمان” هي الزهرة الوطنية لإسرائيل!
لماذا اختارت إسرائيل ممتلكات غيرها لتستعملها في ترسيخ الحضورين في التاريخ والجغرافيا؟ هذا دأبها، مثلما صدرت، الفلافل، والزعتر، والتطريز الفلسطيني، على أن هذه النكهات إسرائيلية منذ العصور الأولى لليهودية.
الآن هذه الزهرة الحمراء الفاتنه؟
الطرافة أن هناك الآن من يثير أشد الضجيج، ليس على المخيم الذي يموت من تبقى فيه جوعاً إلى قرص فلافل، وسندويشة زعتر، وإنما على الزهرة. وأنا، رغم يرموكية أيامنا بالمعنى المأساوي… رحت أهتم بهذا الخبر.
تموز أو أدونيس ـ الإله، وليس الشاعر أدونيس، ذهب إلى الصيد في منطقة من جبيل ـ لبنان ، وهناك هاجمه خنزير بري فجرحه جرحاً بليغاً، جاءت الربه عشتروت (أفروديت في الأسطورة اليونانية) تسكب العطر على جرح أدونيس الذي ظل دمه يسيل حتى أصبح النهر المجاور مصطبغاً باللون الأحمر، وفي الأرض انتشرت من دمه شقائق النعمان، وفاح في فضاءات الربيع عطر عشتروت.
“إنانا” أحد أسماء عشتروت (حبيبة أدونيس) وهو الذي يعني باللغة الكنعانية في بلاد ما بين النهرين: “النائحة” أو التي تئن على حبيبها”.
الأسطورة إنوجدت لدى عدة شعوب متوسطية مثل الرومان والإغريق والفينيقيين، مثلما كانت في بلاد ما بين النهرين.
هذه الأسطورة، مثل غيرها، هي تسلية شعوب تهدهد في سريرها الموت، كي يبدو الميت كالنائم، الذي يهم بالاستيقاظ بعد قليل. لذلك كان أدونيس ميتاً من جرحه، وحياً بزهوره. إنه العائد من الموت عبر الخلود وتحول الدم إلى ورود.
اللافت في الأسطورة غياب بعض المعاني الكبرى فيها مثل تجاهل ارتباط أسماء القرى المنتشرة حول نهر أدونيس (نهر إبراهيم) في جبيل بمعاني الموت والانبعاث، وهذه القرى كلها تحت إسم حارسة النهر.
وهنا ترجمة لأسماء بعض هذه القرى:
النور آت ـ الذي أسلم الروح ـ الغيبة القصيرة ـ النواح على الإله ـ السيد المقتول ـ الغائب الحاضر ـ النوم والعودة ـ موت الملك ـ عالي ومات ـ الله المتألم ـ الحبيبة المخلصة ـ الروح الصالح ـ الحزن واليأس ـ المرأة الصابرة.
ما علاقة إسرائيل بهذه القرى، وبهذا النهر، وبالإلهين الجميلين : أدونيس وعشتروت؟
إنها محاولات لتطبيع العلاقة مع الجمال بيد بشعه … فلا بأس بزخرفة من هذا النوع، لعب من هذا النوع، تكون فيها زهرة الشقائق، في أرض مليئة بالدم، زهرة إسرئيلية تعزيزاً لفكرة : الدم ثمناً للأرض. والعودة من الغياب ( كما في الأسطورة). والشاعرية كغطاء لهدير البلدوزرالمشهور في اسرائيل بتجريف الحقول. أما على الضفة الأخرى من نهر المأساة، فالعرب لم يعودوا قادرين على تمجيد أي شيء، مع الهبوط المخيف لسعر الأشياء الخالدة، والإرتفاع المهول لسعر الأشياء التي تبقي الإنسان ، في حيونته ، على قيد الحياة.
في مخيم اليرموك خلال سنتين، أكلوا العشب، وأوراق الشجر.
وفي هذه الأيام وحول الركام توجد حقول صغيرة من الشقائق… باعثة كل عام، فكرة الربيع من الدم.
الأسطورة عند إسرائيل وفي إسرائيل خلال سنتين كانت تتسلى بالعرب وهم يقتتلون بكافة صنوف اليأس، فيما هي تدخل إلى مشغلها لتطريز زهرتها الوطنية المزعومه .
كم تبدو الحياة، هذه الأيام، مؤلفة من ثلاثة أشياء:
خنزير. إله. موت !