وصلت صواريخ “اس 400” الروسية الى انقرة.. والصدام بين اردوغان وترامب بات حتميا..
باستلامها الدفعتين الأولى والثانية من صواريخ “اس 400” الروسية المتقدمة، قد تكون القيادة التركية قطعت الشريان الأخير فيما تبقى لها من علاقات تحالفية استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية استمرت لحوالي 70 عاما، ولمصلحة العدو الذي قامت من اجل مواجهته، أي روسيا.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حسم امره، ورفض الرضوخ لكل الضغوط والتهديدات، بل والاغراءات الامريكية، ومضى قدما في قراره لشراء هذه الصواريخ الروسية، وادار ظهره بالتالي لزعيمة حلف “الناتو”.
حجج الإدارة الامريكية وذرائعها لفك الارتباط العسكري مع تركيا استنادا الى النظرية التي تقول بأن الجمع بين هذه الصواريخ الروسية وطائرات “اف 35” الامريكية المتطورة غير ممكن، لان هذه الصواريخ “اس 400” تعّرض هذا النوع من الطائرات للخطر، هذه الحجج والذرائع غير مقنعة على الاطلاق، فاليونان العضو في حلف “الناتو” اشترت هذه الصواريخ الروسية، ولم تواجه أي ضغوط أمريكية مماثلة لتلك التي مورست على تركيا.
الإدارة الامريكية لا تثق بأي دولة إسلامية، ومهما بلغت درجة خنوعها لها ولإملاءاتها، وما ينطبق على ايران ينطبق على تركيا وسورية والعراق ومصر، وحتى السعودية ودول الخليج، لأنها تريدنا ان نكون تابعين اذلاء، أمريكا تثق في دولة واحدة فقط، هي إسرائيل، ومعارضتها لامتلاك تركيا لهذه الصواريخ هو الخوف على امن إسرائيل، وحفاظا على تفوقها العسكري في المنطقة، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك طائرة “اف 35” بعد الولايات المتحدة الامريكية.
ما يقلق أمريكا وإسرائيل معا ان تركيا وقعت اتفاقات مع روسيا ليس لشراء هذا النوع من المنظومات الصاروخية فقط، وانما المشاركة في انتاجها على أراضيها، والتعرف على كل اسرارها التكنولوجية، وهذا يعتبر خطا احمر بالنسبة الى البلدين.
الإدارة الامريكية عرضت منظومات صواريخ “الباتريوت” الدفاعية كبديل، ولكن اسطورة هذه الصواريخ انهارت على ايدي الجيش اليمني وقوات المقاومة التابعين لحركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها، مثلما انهارت على ايدي حركات المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، حيث فشلت القبب الحديدية التي تتكون من صواريخ الباتريوت هذه، وإن بأسماء إسرائيلية، في التصدي لهذه الصواريخ التي تتطور قدراتها التفجيرية ودقتها في إصابة أهدافها يوما بعد يوم.
صاروخ الباتريوت يصل ثمنه الى ستة ملايين دولار على الاقل، بينما لا يزيد تكلفة انتاج صواريخ المقاومة بشقيها اليمني والفلسطيني واللبناني عن الفي دولار على الأكثر وصول هذه الصواريخ الروسية المتطورة الى قواعد الجيش التركي ستترتب عليه تبعات على درجة كبيرة من الخطورة، أبرزها احتمال فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية على الحكومة التركية، وهذا ما يفسر انخفاض سعر الليرة التركية بحوالي 1.6 بالمئة.
الحكومة التركية بإصرارها على المضي قدما في شراء هذا النوع من الصواريخ تؤكد على استقلالية قرارها، ورفضها التبعية للولايات المتحدة، ووضع مصالح امنها القومي فوق كل الاعتبارات الأخرى.
انتقال تركيا الى المعسكر الروسي الصيني الايراني وابتعادها عن التبعية الامريكية يعرضها لمخاطر كثيرة ابرزها العقوبات الاقتصادية الامريكية الانتقامية، وتمويل وتسليح واشنطن بعض الجماعات الانفصالية الكردية، ومواجهة هذه الاخطار تحتاج الى مراجعات سياسية جذرية، خاصة في المحيط الإقليمي، وفي ملفين أساسيين، هما الملف السوري، والملف العراقي، فهل يعود الرئيس اردوغان الى سياسية “صفر مشاكل” التي تقف خلف النهضتين السياسية والاقتصادية التي عاشتها تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم عام 2002؟
لا بديل لتركيا، وبعد ان بدأت روابطها مع أمريكا والغرب تتقطع، او اوشكت، من التوجه نحو الشمال والشرق، وتوثق علاقاتها مع جيرانها العرب والروسي وحلفائها الصينيين وباقي الدول الإسلامية، حتى لا تنفرد بها أمريكا وتغرقها في حروب استنزاف اقتصادية وامنية جربت بعض فصولها قبل عامين عندما وصلت قيمة الليرة التركية الى أدنى مستوياتها، أي حوالي سبعة ليرات مقابل الدولار.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية