صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية تكشف تفاصيلاً جديدة للإخفاق الأمني الإسرائيلي الذي أوضحه “طوفان الأقصى”، مُشدّدةً على انهيار وفشل كل التقديرات والمعلومات التي كانت قدمتها الجهات الأمنية الإسرائيلية بأنّ حركة حماس “ليس لديها مصلحة في مواجهة واسعة مقبلة“.
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في تقريرٍ لمحلّل الشؤون العسكرية لديها، يوسي يهوشع، أنّ مسؤولين إسرائيليين كبار، منهم قائد سلاح الجو الإسرائيلي، علوف تومير بار، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، أهارون حاليفا، ورئيس لواء الأبحاث في “الجيش”، تمّ استبعادهم من جلسة مشاوراتٍ رفيعة المستوى تمّت في الليلة الأخيرة قبل هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات الاحتلال في منطقة “غلاف غزّة”، مؤكّدةً فشلاً ذريعاً لتقديرات أمنية أفادت بعدم “نية حركة حماس التصعيد”.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
في ليلة الجمعة – السبت، قبل ساعات من عملية 7 تشرين أول/أكتوبر، عُقدت مشاورات في منتدى رفيع المستوى: رئيس الأركان وقائد شعبة العمليات وقائد المنطقة الجنوبية، “يديعوت أحرونوت” كشفت أنّ قائد سلاح الجو لم يكن جزءاً من تلك المحادثة، ويتضح الآن أنّه لا رئيس “أمان” ولا رئيس لواء الأبحاث كانا على الخط، هذا بالطبع لا يعفيهم من الذنب.
تقدير وضع أُجري قبل الأعياد بمشاركة “أمان” و”الشاباك” ومنسق أنشطة الحكومة في المناطق، حدّد أنّ رئيس حركة حماس في غزّة، يحيى السنوار، ليس لديه مصلحة في مواجهة واسعة النطاق، كما جاء في التقدير السنوي الذي أعدته شعبة الاستخبارات لعام 2024 إنّه “لن يكون الفلسطينيون المحرّك لمعركة متعددة الساحات”، المعلومات التي كانت، ولمن تم نقلها ولماذا لم تمنع غزو مستوطنات النقب الغربي.
في حين أن العاصفة في شعبة الاستخبارات لا تنتظر انتهاء الحرب، ينشر موقع “واينت” وصحيفة “يديعوت أحرونوت” هذا الصباح سلسلة من التفاصيل الجديدة عن الإخفاق الذريع قبل 7 تشرين أول/أكتوبر، والتي تتناول كل المستويات، من الرؤية الاستراتيجي للشعبة لنوايا حماس إلى تفويتها نواياها تنفيذ اجتياح غير مسبوق لمستوطنات الغلاف.
لنبدأ بالليلة المصيرية بين الجمعة والسبت، عيد فرحة التوراة. مؤسسة الأمنية والعسكرية تتلقى ما يسمى بـ “إشارات ضعيفة” تفيد بأن شيئاً ما يحدث على الحدود مع غزة. رئيس الأمان، اللواء أهارون حليفا، في إجازة في إيلات مع عائلته وأولاده. عند الساعة 3:00 فجراً اتصل به مساعده لإطلاعه على المعلومات التي نقلها إليه ضابط استخبارات المنطقة الجنوبية، والتي تفيد بأن حماس قد تكون تستعد لعملية مبادرة، لكن لا شيء بحجم المذبحة. إلى جانب المؤشرات، كانت هناك أيضاً “علامات مطمئنة”، وكان الاستنتاج أنه يجب إطلاع حليفا على أي تطور.
لكن عندها تقرر في قيادة “الجيش” التشاور في أعلى منتدى: رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي، هرتسي هليفي، ورئيس شعبة العمليات، اللواء عوديد بسيوك، وقائد المنطقة الجنوبية، يارون فينكلمان، الذي كان هو أيضاً في إجازة، في هضبة الجولان. حليفا لم يشارك، ولا رئيس لواء الأبحاث، العميد عميت ساعر، الخبير في ساحة غزة. كما ورد في هذه الصحيفة في 15 تشرين أول/أكتوبر، أيضاً قائد سلاح الجو، الذي يلعب دوراً رئيسياً في الاستعداد حيال هجوم بحجم معين، لم يوضع على الخط.
ما الذي يُفترض أن تعرفه القيادة بالضبط عما تفكر فيه حماس في تلك اللحظة؟ كيف لم يتم تطبيق القاعدة التي يعرفها كل مبتدئ هنا: إذا كان هناك شك، يجدر الفحص (لإزالة الشك)؟
الجواب الذي قُدّم في هيئة الأركان هو أن الإنذار لم يُفد عنه بأنه مهم. وعلى الرغم من أن فينكلمان وضباط آخرين عادوا إلى القطاع (كان على فينكلمان قطع مسافة طويلة بسبب ذلك)، إلا أن التقدير العام كان أن هذا تدريب آخر لحماس. كما أن الشاباك لم يعتقد أن الأمر يتعلق بما هو أكثر من عملية محدودة، لذلك اكتفوا بنقل وحدة “تاكيلا” إلى الجنوب ولم يصدر أي إعلان صارم. كان هناك أيضاً في الشاباك الذين اعتقدوا أن إرسال الوحدة كان خطوة مبالغ فيها في ظل المعلومات. بعد ثلاث ساعات، فتحت أبواب الجحيم على مستوطنات النقب الغربي.
حتى في وقت لاحق، يعترف رئيس أمان أنه إذا استندنا إلى المعطيات التي قُدّمت إلى رئيس الأركان في محادثة المسؤولين تلك، فإنه لم يكن ليخلُص فيها إلى نتيجة مختلفة. المعلومات الاستخبارية في هذا السياق تتدفق من الأسفل إلى الأعلى، وما جاء من الأسفل لم يقترب من حجم الغزو. ومع ذلك، فإن ترك قيادة الاستخبارات خارج الصورة في الوقت الحقيقي، فيما يتعامل “الجيش” الإسرائيلي والشاباك مع هذه القضية، هو خلل خطير للغاية، خاصة وأن رئيس أمان كان قد أُبلغ بالفعل من قبل مساعده بأن شيئاً ما لا يزال يتحرك. يجب أيضاً التحقيق في هذا التفصيل من قبل اللجنة التي سيتم إنشاؤها لاستيضاح سلسلة الإخفاقات التي قادتنا إلى الواقع الذي استيقظنا عليه صباح فرحة التوراة.
وغني عن القول إنه يجب استيضاح هذه المسألة بشكل كامل، إلى جانب ودون صلة بالمعالجة الجذرية لمسؤولية رئيس أمان ولواء الأبحاث، الذي مجال خبرته هو الساحة الفلسطينية، مع التركيز على غزة: فقد أمضى جزءاً من مساره إلى المنصب الحساس في مناصب مثل ضابط استخبارات المنطقة الجنوبية وقبل ذلك كرئيس لفرع هناك.
وراء كواليس القيادة العليا، أيضا خلال الحرب، كانت الرياح عاصفة في ضوء التقارير المختلفة المتعلقة بالمعلومات التي تراكمت في أمان حول نوايا حماس، ورغم هذا تم تفويتها كلياً. تتعلق إحدى القصص بامرأة في الخدمة الدائمة اسمها “و”، والتي كانت الوحيدة التي حذّرت أمام ضابط استخبارات كبير من أن “غزواً” سيحدث تقريباً بالضبط مثلما حدث. لكن الاتهام الخطير هو أن تشخيص “و” وصل إلى حليفا، الذي “ألغاه”. بالنسبة للكثيرين، هذا جرس مألوف: لم يُصغوا إلى “و”، مثلما أزاحوا الراصدات جانباً.
لكن من المهم القول هنا: إن كل قيادة شعبة الاستخبارات، من حليفا، مروراً برئيس لواء الأبحاث ساعر، إلى قائد الوحدة 8200، العميد “ن”، تدعي أن الوثيقة المعنية لم تصل إليها. وفقاً لهم، سيتم توضيح الأمر من قبل لجنة التحقيق، والادعاء بأنهم أخفوا إنذاراً محدداً عن القيادة العليا ليس أقل من فرية دم. الحقائق هي أن حليفا زار الوحدة قبل ثلاثة أيام من الحرب، في وسط عيد السوكوت. “و” لم تكن هناك. رتيب آخر يدّعي أنه رافق اللواء وروى انه قلق من مسألة اقتحام حماس للمستوطنات وذكر قلق “و”. لم تُقدم أي وثيقة إلى كبار مسؤولي الاستخبارات الثلاثة.
هذا لا يعني أنه ينبغي التقليل من خطورة الكلام الدقيق الذي كتبته “و”. أمس نشرت إيلانا دايان بعض النصوص التي كتب فيها “و” أن “هذا سيناريو واقعي ومعلومة ذهبية عشية عملية حماس للسيطرة على الجنوب وقطع رؤوس”. بيد أن الضابط فوقها رفض كلامها وحدد: “هذا سيناريو خيالي وغير واقعي”. يبقى السؤال عما عرفه كبار ضباط كما هو.
في هذا السياق، تنشر “يديعوت أحرونوت” ملخص زيارة حليفا للوحدة، حيث لم يكن هناك أي ذكر للسيناريو الذي ذكرته “و”. بالعكس، كُتب هناك: “ليس لدى يحيى السنوار أي نية للدفع إلى تدهور: حماس أمرت بكبح الميدان. السنوار أمر بالهدوء”.
الرتيبة لديها قائدة مباشرة، ضابط برتبة مقدم. هي أيضاً لم تثر الموضوع مع قائد 8200. لا يمكن لحاليفا “إلغاء” إنذار لم يرفعه إليه أي شخص في سلسلة القيادة. كما أن الادعاء بأن مثل هذا الإنذار يمكن أن يصل إلى رئيس أمان لا أساس له من الصحة: لا يوجد مثل هذا الإنذار، من جهة مخولة، ولا يمر عبر ضباط آخرين على طول الطريق. أيضاً في زيارة حليفا المعنية لم تُثر مسألة تهديد ملموس بشن غارة حاسمة من غزة. لو كان، لكانت تحولت رسائل البريد الإلكتروني إلى انذار من أسفل إلى أعلى.
من الناحية العملية، وهذه هي المأساة، تم حظر رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بـ “و” على مستوى الفرقة والمنطقة الجنوبية. يقول ضابط كبير في الشعبة إن “و” شخصت بأن التدريبات أصبحت عملية وبالتالي من هنا أهميتها، لكن هذا ليس بعد إنذاراً من الحرب. ادعى ضابط استخبارات كبير أنه تعمق فيما كُتب فيها. “الإنذار” الذي يُقال ظاهرياً أن حليفا “ألغاه” لا يعتبر “إنذاراً” بالمفاهيم الاستخبارية، وبالتأكيد ليس بداية حرب.
كل هذا، كما قلنا، لا يعفي شعبة الاستخبارات بشكل عام، وحليفا بشكل خاص، من المسؤولية الشاملة عن إخفاق بدء الحرب. هناك لا جدال في أن الإنذار المتوقع لم يُقدّم. منذ عملية “الجرف الصامد” قبل تسع سنوات، لاحظ “الجيش” الإسرائيلي استعدادات على مستويات مختلفة من قبل حماس لاقتحام مستوطنات في الغلاف ومواقع “للجيش” الإسرائيلي في المنطقة. لكن كلما مرر الوقت، أصبح تدريب حماس أكثر جدية. في العام ونصف العام الماضيين، كانت هناك قفزة نوعية شهدها كل من خدم في القطاع أو عاش في مكان قريب: على الجانب الإسرائيلي، لم تكن هناك حاجة إلى مناظير لرؤية “المخربين” على السياج. بيد أن كل التقديرات في أمان اعتقدت أن الأمر يتعلق ببناء قوة وليس نية لتنفيذ عملية. الفرق هو بين ما يعرف في المصطلحات المهنية باسم “استخبارات نوايا” مقابل “استخبارات قدرات”.
في الواقع، ننشر لأول مرة أن رئيس لواء الأبحاث أجرى تقديراً للوضع قبل الأعياد بمشاركة “الجيش” الإسرائيلي والشاباك ومنسق الأنشطة في المناطق، وهناك حددوا جميعاً: “حسب فهمنا، ليس للسنوار مصلحة في مواجهة واسعة”. كان الخط هو أن حماس مردوعة وغير معنية بتصعيد مبادر إليه، وقد تم التحقق من صحة ذلك من قبل فريق مراقبة “الموساد” المتخصص في دراسة مثل هذه الاستنتاجات.
ومع ذلك، كانت فرقة غزة قد وضعت بالفعل خطة استعداد لهجوم مماثل قبل عام ونصف، بل وأعطيت اسم شيفرة. هذا لم يغير من التقدير الاستخباري في “الجيش” الإسرائيلي ولا من تقدير الشاباك بأن السنوار يريد أن يحكم ويحسن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة. كان هذا هو الخطأ الاستراتيجي والتفويت الكبير: “لا يوجد عنصر عسكري لم ير تدريبات حماس”، يقول ضابط كبير، “لقد ظهرت في كل وثيقة استخبارية وهي مرئية، لكن القيادة بأكملها ارتكبت خطأ في تقدير نواياها”. نحن ندفع ثمن هذا الخطأ منذ 52 يوماً والنهاية ليست في الأفق.
لذلك، لا تكمن الخطيئة الأصلية فقط في تفويت رسائل البريد الإلكتروني من “و”، بل في وهم التصور. من أجل معرفة كم كان قوياً وغير عادي، ننشر اليوم أن التقدير السنوي للوضع الذي صاغته شعبة الاستخبارات لسنة 2024، بدايةً قبل اندلاع الحرب، ينص: “لن يكون الفلسطينيون المحرّك لمعركة لمعركة متعددة الساحات”. لا أقل من هذا.
صحيح أن هذا لا يزيل المسؤولية عن المستوى السياسي الذي كان ينبغي أن يتابع ويتأكد ويتحدّى، لكن فيما يتعلق بالمؤسسة الأمنية والعسكرية فإن خلاصة القول واضحة: لقد تحدثت المنظومة كلها بصوت واحد. يقول ضابط كبير في هيئة الأركان العامة: “لم ننجح في فهم أن الخطة التي نُسجت أمام أعيننا أصبحت أمراً – لا نحن ولا “الشاباك” ولا “الموساد”، الذين كانوا في الماضي نوعاً من عين فاحصة لكل التقارير، ولا فرق الرقابة على تقدير الوضع. نحن لا نعلم متى اتخذ السنوار قرار تحويله إلى أمر تنفيذي، ولا نعرف لماذا، على الرغم من التكهنات التي أثيرت”.
“الخضة” التي ستمر على هيئة الأركان العامة في أعقاب الحرب هي أيضاً فرصة لفهم كيف أن ثقافة التعيينات في “الجيش” هي جزء من المشكلة. مثلما كُتب هنا مراراً وتكراراً، حاليفا يعمل منذ أكثر من عقد في مناصب أركان في وزارة الأمن ولم يخرج إلى وظيفة ميدانية، مثل قيادة مناطقية. في الواقع، لم يحتك بالعدو العربي منذ أن كان في وزارة الأمن، وارتدى بزة اللواء منذ تعيينه رئيساً للواء العمليات، ثم رئيساً لشعبة اللوجستيات ثم شعبة العمليات، وعلى مدى العام ونصف العام الماضيين كان مسؤولاً عن شعبة الاستخبارات الحساسة.
حتى بعد عملية “بزوغ الفجر”، تفاخر بتقديره من فترة قيادة شعبة العمليات خلال عملية “حارس الأسوار”: “بعد العملية، أتوقع خمس سنوات من الهدوء في الساحة الجنوبية. في غزة، إلى جانب استخدام حماس للقوة، نرى أن الخطوات التي تقودها في قبال “إسرائيل” لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وإدخال عمال إلى “إسرائيل” تنطوي على إمكانية تحقيق هدوء طويل الأمد”.
ليس هناك شك في أن حاليفا يعاني من الماضي. سينزع بزته العسكرية مباشرة بعد الحرب. ويجب عليهم في “الجيش” الإسرائيلي أن يسألوا بصراحة كيف يمنعون المفاهيم من إعماء عيون الأذكياء في الحاضر والمستقبل.
الميادين نت