«إخوان» الأردن ينتظرون أيضاً… سورية؟ (جورج سمعان)

جورج سمعان

 

الأردن ليس أفضل حالاً من لبنان أو العراق. كانت سورية قبل أزمتها لاعباً يُحسب له حسابه في اللعبة الداخلية لهذا الثلاثي ولغيره من الجيران الآخرين. وهي اليوم بحروبها تشكل هاجساً مقيماً يعطل السياسة بشقها المحلي الوطني. وعمان مثل بيروت وبغداد تنتظر أو تتحرك على وقع تداعيات جارها الشمالي. تحاول ترتيب أوضاعها بما تيسر للحد من التداعيات ولمنع الانفجار.
لم يكن الأردنيون بعيدين عن «الربيع العربي». أوضاعهم الاقتصادية والمالية تتفاقم. ديونهم تكاد تتجاوز عتبة 22 بليون دولار، أي نحو سبعين في المئة من الناتج الوطني. كانت قبل تسع سنوات نحو 9 بلايين. إضافة إلى الفساد المستشري والتضخم وارتفاع الأسعار وتدني القيمة الشرائية… كلها عوامل تشبه ما كانت عليه مصر قبل ثورتها وتونس… وإذا لم يكن العامل الاقتصادي كافياً، فإن وسائط الإعلام لم تتأخر في دخول الحلبة فيما الإعلام الرسمي… رسمي في مكانه! فيما هيبة النظام تكاد تنكسر. ووصل الأمر ببعضهم إلى محاولة «إحقاق العدالة» بيديه بعيداً عن سيادة القانون عندما سيّروا مجموعات إلى بيوت مسؤولين سابقين. لم تعد هناك حدود وتقاليد ومحظورات. لكن للأردنيين «ربيعهم» الخاص. لم يتجاوز اعتراض «إخوانهم» المطالبة برحيل النظام. يشاهدون ماذا يحدث في سورية. وعاشوا قبل ذلك أحداث العراق. ويدركون حجم الصراع بين الولايات المتحدة وشركائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى. ويدركون أكثر حساسية تركيبتهم الداخلية، كما هي حال معظم تركيبات بلدان الشرق الأوسط.
الصراع الدولي والإقليمي الذي يطحن السوريين اليوم يكبح جماح المغالين، ويعقلن شروطهم ومطالبهم. لكنه لم يمنع «جبهة العمل الإسلامي» من اعتماد سياسة الانتظار. رفضت التعاون مع أربع حكومات في أقل من سنتين! وها هي الخامسة اليوم… لثلاثة أشهر، بعدها حكومة سادسة غداة الانتخابات. تنتظر «الجبهة» ربما نوعاً من «بيريسترويكا» تأتي من فوق. ترفض أن يحد أي قانون انتخابي من طموحاتها إلى أكثر من «كوتا». تراهن على فشل الحكومة التي اعترف رئيسها عبدالله النسور فور تسميته بأن «إجراء الانتخابات من دون الإسلاميين سيلحق الأذى بمسيرتنا الديموقراطية». كأنه لا يريد القول إن برلماناً بلا معارضة سيبدو كأنه معيناً. وتراهن «الجبهة» أكثر على التغيير الآتي من سورية مهما تأخر. عندها يكتمل طوق «الإخوان»، من النيل إلى الفرات.
في المقابل، لا يشعر الملك بأنه بات مرغماً على التخلي عن صلاحياته التي تصر «الجبهة» على تعديل بعضها بما يحد من هذه الصلاحيات. كأنما المطلوب اعتماد «النموذج المغربي»، على رغم الفوارق بين البلدين والتجربتين، فالمعروف أن الإسلاميين يعملون في الأردن علناً منذ نحو سبعين عاماً وأشركهم الملك حسين في السلطة. علماً أن الحكم أجرى تعديلات دستورية تمنح السلطة الاشتراعية مزيداً من الاستقلال، وأنشأ الهيئة المستقلة للانتخابات، وقدم قانوناً انتخابياً جديداً يجمع بين وجهتي النظر المتعارضتين. ولا شك في أنه حقق نجاحاً بوصول أعداد الذين تسجلوا للاقتراع أكثر من مليونين. أي نحو سبعين في المئة ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم. ولم تكن هذه المفاجأة الوحيدة بعد تردد المواطنين وتمديد فترة التسجيل.
جاءت المفاجأة الثانية بتعيين النسور على رأس حكومة جديدة قديمة، فالوزراء هم أنفسهم في الغالب من الحكومة المستقيلة لفايز الطراونة. كأن النسور لم يعيّن للإشراف على الاستحقاق الانتخابي فحسب. قد يعين مجدداً لحكومة إنقاذ وطني ما بعد البرلمان الجديد… إذا نجح في تحمل العبء الأكبر عن الملك. وإذا نجح في احتواء الإسلاميين المعتدلين الذين لا يمكن أن يقبلوا بالتضحية بالنظام. أو إذا نجح في شق صفوفهم كما كانت حالهم بين حمائم وصقور. أو إذا نجح في تمييع المقاطعة للاستحقاق الدستوري وكسرها. وهي مهمة قد تبدو صعبة لكنها ليست مستحيلة. اختار الملك إبن النظام والذي شغل مناصب وزارية عدة. اختار «معارضاً» لرئاسة الحكومة الموالية السابقة! فقد لجأ النسور «الموالي» بعد انتخابه في البرلمان السابق إلى اعتماد خطاب مكّنه من فرض نفسه حتى في صفوف المعارضة. كان يردد أن الحكومة لا تمارس صلاحياتها، وأنها محكومة لأجهزة الأمن ولمراكز القوى والمستفيدين… وكان من معارضي قانون الانتخاب الذي تعارضه «جبهة العمل».
لا تعني التطورات الأخيرة في الأردن أن الذين يحتلون الشارع سيخلونه غداً. لا يريدون الثورة الكاملة والسعي إلى إطاحة النظام جل ما يريدون هو القطع مع الأوضاع السابقة. صحيح أن الوضع دقيق وحساس، لكن التركبية السكانية تلعب دوراً في عدم الانزلاق إلى شعار التغيير الشامل. فحركة الاعتراض يقودها الشرق أردنيون الذين هم في الأساس أهل النظام وحماته. بينما الأردنيون من أصول فلسطينية يكتفون بالمراقبة ولا يجدون مصلحة في مجاراة «إخوانهم» خوفاً على تداعيات أي انقلاب على أوضاعهم التي لا تحاكيها أوضاع أشقائهم في بلاد اللجوء الأخرى في البلدان العربية. كما أن عيونهم تظل على الداخل الفلسطيني ومشاريع اليمين الإسرائيلي الذي يعمل ليلاً ونهاراً على تصفية ما تبقى من القضية.
وبعيداً عن هذه الحسابات المحلية التي تحكم قواعد اللعبة، ثمة اعتبارات إقليمية ودولية تفرض مزيداً من القيود والقواعد. ويعرف الأردنيون جميعهم أن احتضان مجلس التعاون لبلادهم غداة «الربيع العربي» يحمل رسائل عدة، أولاها أن دول المجلس حريصة على النظام حرصها على نظيره في البحرين. وحريصة على مساعدته لتجاوز متاعبه الاقتصادية وقد خصصت له خمسة بلايين دولار على مدى خمس سنوات. وقد بدأ تنفيذ هذا الالتزام الذي تقرر في قمة الرياض. إضافة إلى ذلك لا ترغب دول المجلس في أن ترى الفوضى على حدودها الشمالية المباشرة. وكانت انخرطت في مبادرة صعبة ومريرة وطويلة لتأمين الاستقرار والانتقال السلمي على حدودها الجنوبية مع اليمن.
أبعد من ذلك، تلتقي دول المجلس مع الولايات المتحدة وشركائها في منع سقوط أي ركن من أركان المنظومة التي تواجه «حلف الممانعة» قبل أن يحصل التغيير في سورية، أو قبل أن تبدّل إيران في سياساتها. ولا شك في أن توجه العراق نحو الالتصاق بالجمهورية الإسلامية واستراتيجيتها، وتوجهه أخيراً نحو روسيا، سيعززان قناعة مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة بوجوب دعم الأردن الذي بات يواجه تحديات كبيرة على حدوده الشرقية والشمالية. بعدما كان بوابة مفتوحة للعراق طوال التسعينات وشكل ملجأ لكثير من العراقيين الفارين من لظى الصراع المذهبي، ويشكل اليوم ملجأ لإخوانهم السوريين الذين يعانون اللظى نفسه.
لا أحد يحسد الأردن على موقعه وموقفه. يقيم على خط التماس في الصراع الإقليمي والدولي. يقيم في محطة انتظار. فإذا كان «الإخوان» ينتظرون التغيير في سورية، فإن النظام ينتظر بدوره. فهو ليس قادراً على الانخراط في الأزمة السورية كما يشتهي كثيرون من خصوم دمشق الذين يعتقد بعضهم بأن الحكم يستطيع أن ينافس «الإخوان» في الشارع ويستعيد الكثير من شعبيته إذا انخرط في الحملة على نظام بشار الأسد، سياسياً وميدانياً، على الأقل كما تفعل تركيا فلا يكتفي بتأمين المساعدة والحماية للاجئين من مواطنين أو منشقين سياسيين وعسكريين. لكنه في المقابل لا يمكن أن يتجاهل ما قد يحمله التغيير في دمشق، خصوصاً إذا حمل «الإخوان». أو إذا سقط البلد في الفوضى الكاملة… هل نسي الأردنيون أنهم صدروا إلى العراقيين «أبا مصعب الزرقاوي»؟

صحيفة  الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى