آخر أيّام «حارة المشرقة» في شوارع دمشق
البرد قارس في دمشق اليوم. من غير الممكن ضبط حركة الناس قرب أماكن التصوير، فثمّة مئات العابرين من باب توما والقيمرية، باتجاه الحميدية والعكس. تنسحب الكاميرا ببطء من داخل مقهى «خبّيني» قرب مقهى «النوفرة»، مواجهةً الجدار الخلفي للجامع الأموي حيث استكمل ناجي طعمي آخر يوم تصوير من مسلسل «حارة المشرقة» عن نصّ لأيمن الدقر وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني. تبتعد الكاميرا، وتعود مقتربة لتتابع تصوير المشهد، بالقرب من طاولة يدور حولها حديث يجمع أسعد فضة وزهير رمضان، وينضمّ إليهما لاحقاً محمد خير الجراح. تتفرع مفارقات ساخرة من هذا المشهد الجدّي. إذ يلعب الجراح دور رجل يحلم بأن يكون شاعراً للأغنية وصحافياً لامعاً، ويحمل في جعبته مقالاً عن هارون الرشيد في العصر العباسي.
انطلق التصوير منذ قرابة تسعين يوماً، وانتهى أمس الأوّل، بعدما تنقّل الفريق بين أحياء العاصمة السورية وشوارعها وحاراتها وبيوتها. في هذا الخصوص، لم يواجه المخرج صعوبات تذكر خلال التصوير. يملأ الناس المكان ويشغلونه، ليصير مُنظَّماً ومحميّاً وفوضوياً في ذات الوقت. يذوب المارّة في المشهد التلفزيوني، ليصبح الجميع جزءاً من اللقطة. قد يكون اقتطاع اللقطات إخراجياً لاحقاً، مهمة ممتعة جداً، أو صعبة جداً.
تمتد حبكة المسلسل على مدى ثلاثين حلقة في حارة اسمها «المشرقة». المكان في العمل بطل، يربط الشخصيات ببعضها وبالأحداث: تجّار أزمات، متطرّفون، فاسدون، بسطاء يحلمون، مدّعو ثقافة، وهناك من لا يريد أن يترك الحارة، ومن يعيش حنين العودة إليها.
في موقع التصوير، يحضر الممثل أسعد فضّة بابتسامته الهادئة، ما يجعله يبذل جهداً مضاعفاً لتخرج شخصية أبو محمود، المتقاعد سليط اللسان والمنتقد القاسي لكل ما يجري حوله، حقيقية. مارّة كثر يتوقفون لإلقاء نظرة. يلتقط بعضهم صورة بعيدة بكاميرا هاتفه المحمول، يبتسمون للنجوم خلال تبديل المشاهد.
لا يريد أبو جوزيف، (يجسّد الدور زهير رمضان)، أن يغادر الحارة البسيطة رغم حالته المادية الجيدة، يحافظ على الوفاء للأصدقاء والأهل.
بجانب سلاف فواخرجي بدور «شهيرة» وعبد المنعم عمايري بدور «أبو مالك» تاجر العقارات الذي يتحوّل لاحقاً إلى مستغلّ للناس وخائن للوطن وتاجر ممنوعات، يشارك في العمل مجموعة من أبرز نجوم الدراما السورية. ففي خطوط درامية متوازية، تظهر قصص عائلات أخرى، يجسد أدوار أفرادها زهير رمضان، وانطوانيت نجيب، وسلمى المصري، ومريانا معلولي، وربى المأمون، ووجدي عبيدو، وفيلد سمور، ومجد حنا، ورهف الرحبي..
يجسّد محمد خير الجراح دور منتصر، وهو رجل عاجز عن الإنجاب، يفشل في أن يكون شاعراً. يقول لـ «السفير»: «تحمل شخصية منتصر أبعاداً سلبية كثيرة، ادّعاء كتابة الشعر وحلم أن يصبح شاعر أغنية، مهمل للمنزل وبخيل وفارغ، لتكون نتيجته انهيار العلاقة مع زوجته». في البطولة أيضاً أيمن رضا، وميلاد يوسف، وفوزي بشارة، ومحمد حداقي، وتولاي هارون، ولينا حوارنة، وأمانة الوالي، ومعتصم النهار، وشكران مرتجى، ومحمد قنوع وغيرهم.
قد تكون مجرّد مصادفة أن نمرّ في حارات دمشق القديمة، لنجد ثلاثة أعمال دراميّة تستكمل عمليّات التصوير، «حارة المشرقة» لناجي طعمي، و «في ظروف غامضة» للمثنى صبح، و «علاقات خاصة» لرشا شربتجي. وقد لا يكون أي عمل قادراً على توصيف ما يجري في سوريا، إلا أنه من المهمّ التعويل على الدراما بعد أربع سنوات، في فهم ما يجري في البلاد، على الأقل من خلال استمرار الحياة ولو على هيئة انتظار.
صحيفة السفير اللبنانية