أحوال الدنيا

أبو الاستقلال يسمم ابنه!!

د. فؤاد شربجي

يقولون أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. ولكن يبدو أن السلطة بحد ذاتها، مطلقة أو غير مطلقة، تفسد الحاكم، إن لم يكن محصناً تجاه إغواءها. ورغم أن الشيخ بشارة الخوري كان أول رئيس جمهورية منتخب في لبنان، ورغم أنه من صناع الاستقلال وبناة الدستور الكبار، ومع أن الشعب اللبناني عندما انتخب الخوري في ثلاثينيات القرن العشرين اعتبره (أبو الاستقلال) كونه أول رئيس للدولة المستقلة عن الانتداب الفرنسي. رغم كل ذلك، فقد سقط بشارة الخوري في إغواء السلطة، وسمم بالفساد استقلال بلاده الذي اعتبره الشعب بأنه أبوه.

‏(أبو الاستقلال) بشارة الخوري، وبدلاً من أن يجعل عهده اساساً ومنطلقاً لدولة جمهورية ديمقراطية عادلة. وعوضا عن اهتمامه بحصانة، وصيانة وتعميق الاستقلال والسيادة، بشكل كامل عبر نظام ديمقراطي نيابي، فيه قضاء مستقل، اعتمد المحاصصة والمحسوبيات، وغرق بالفساد، واتاح لأقربائه والمقربين منه المنافع بشتى الطرق. حتى لقب أخوه سليم بـ (السلطان سليم) لتسلطه على مفاصل الدولة، وكبار الموظفين، وتوريطهم بالفساد، ليحقق الإثراء والتربح على حساب الشعب والدولة.

‏آخر ما أقدم عليه الملقب أبو الاستقلال قيامه بتزوير الانتخابات النيابية في العام 1947 لتمدد له في الرئاسة. وهذا ما أثار عليه النقمة الشعبية فأسقطته المظاهرات في العام 1952، خاصة وأن حلفاءه تخلوا عنه وغسلوا أيديهم من العلاقة معه. وسقط أول رئيس منتخب، والسبب أنه سمم ابنه (الاستقلال) بالفساد والمحسوبية والمحاصصة والحزبية والتمسك بالسلطة. وهناك من يرى أن هذا النموذج، بدل أن يشكل قاعدة لدولة ديمقراطية نيابية تستمر عبر التاريخ، شكل سابقة جعلت الشعب اللبناني ينظر نظرة سلبية إلى السلطة والرؤساء السياسيين حتى الآن.

‏الاستقلال مثل الابن يحتاج إلى رعاية وحماية وتطوير وارتقاء. اما الفساد والاستبداد والحزبية والمحسوبية فكلها سموم تقتل وتودي بأي استقلال، وتسقط أي سيادة، وتطيح بالدولة مهما كانت… مصيبتنا أننا بدل أن نتعلم من التاريخ نتركه ليعيش ويستنسخ في حياتنا. واستنساخ السموم وتعاطيها انتحار هستيري مجنون.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى